فاس لحسن والنيعام غير بعيد عن جامعة ظهر المهراز بفاس، توجد هذه المكتبات الصفيحية التي تبيع كل ما جد في عالم الكتب: كتب مدرسية للتلاميذ والطلبة، مراجع للبحث، مؤلفات أدبية بمختلف اللغات. المكان يعرف بسوق الليدو، وهو من الأحياء الشعبية القريبة من الجامعة ومن مركز المدينة. البعض يعرف الفضاء فقط بالحفرة التي توجد بمحاذاة قنطرة حيي الأطلس والليدو. جلس نور الدين الحسني، صباح أول أمس، كما العادة، على كرسيه، في انتظار الزبناء. لكن محله الصفيحي يوجد داخل السوق، وهذا يؤثر نوعا ما على إقبال مرتادي المكان على مكتبته. الحسني، الذي يبلغ من العمر 45 سنة، يمتهن حرفة كتبي منذ مدة تفوق 12 سنة. ويقول إنه حل بالمكان في بداية الألفية الثانية، أي منذ ما يقارب السبع سنوات. في تلك الفترة وما قبلها كان سوق الكتب يحظى بالإقبال. الطلبة كانوا يقرؤون ويواكبون المستجدات. وكان الأساتذة يبحثون وينقبون ويوصون الكتبي بإخبارهم عن كل جديد يأتيه في مجال تخصصهم. الآن، الوضع تغير ورواد الأمس ليسوا هم رواد اليوم. يسوي نور الدين من جلسته ويشير إلى أن الطلبة والتلاميذ يأتون فقط للبحث عن بعض الكتب المدرسية. وإذا رغبوا في البحث «العلمي» قليلا، فإنهم يطلبون نسخ بعض الصفحات من الكتاب. أما الأساتذة فنادرا ما يقصدون المكان. سوق الليدو أو الحفرة أحدثت في بداية التسعينيات من القرن الماضي. وكان القرار الذي اعتمد من قبل السلطات المحلية يقضي بأن يرحل «كتبيو» الساحة الجامعية بظهر المهراز إلى هذا المكان، بعدما قيل لهم إنهم يشوهون جمالية الساحة الجامعية. لكن رونق الساحة لم يتم الحفاظ عليه، لأنه بمجرد رحيل هؤلاء عوضهم آخرون. ويتحسر نور الدين الحسني عن تراجع مبيعات الكتب بهذا السوق. ويرجع هذا التراجع إلى عدد من العوامل ضمنها الأنترنيت والسماسرة والفطوكوبي. ويشرح بالتفصيل أن «غوغل» في الشبكة العنكبوتية يمنح فرصا أكبر للشباب والطلبة للحصول على أكبر قدر من الكتب والمقالات بتكلفة أقل، بالرغم مما يعتري المعلومات المحصل عليها، في بعض الأحيان، من نواقص وتناقضات وأخطاء. ويضيف أن السماسرة الذين يقفون أمام السوق ليبتاعوا كتب «الفقراء» من الطلبة أساؤوا بدورهم، إلى سمعة المكان بتحرشاتهم. وعادة ما يجد الزبون أمام الحفرة مجموعة من الشبان يقفون بالمرصاد لكل قاصد للمكان، يرضون عليه شراء ما يود بيعه من كتب. ويعيد هؤلاء السماسرة بيعه إلى الكتبيين بثمن مرتفع. ويرى الحسني أن ثمن الكتاب المستعمل، وبسبب تدخل هؤلاء، يقترب من ثمن الكتاب في حلته الجديدة. ويذكر أن أغلب هؤلاء ليست لهم أي علاقة بمجال الكتاب. أما عامل النسخ، فقد ساهم بدوره في تراجع الكتاب، إذ يفضل الطلبة والتلاميذ وحتى بعض الأساتذة اللجوء إلى نسخ ما يحتاجونه من صفحات في الكتاب الواحد، عوض أن يشتروه، لأن ذلك مكلف في نظرهم. وإذا كان أغلب الكتبيين يعمدون إلى شراء الكتب القديمة وإعادة بيعها، فإن نور الدين يفضل أن تأتيه البضاعة من الدارالبيضاء مباشرة. ويبرر الحسني هذا التوجه بالقول إن بعض المشاكل تحدث بين الفينة والأخرى للذين يشترون الكتب القديمة، وهو لا يرغب في السقوط في مثل تلك المشاكل. ويحكي هذا الكتبي أن بعض القاصرين المحتاجين إلى المال يعمدون، في بعض الأحيان، إلى سرقة خزانات ذويهم وبيعها في السوق، وكثيرا ما تطرأ نزاعات في هذا الشأن بين بعض الكتبيين وهذه العائلات التي تبذل كل الجهود لاسترجاع ممتلكاتها الرمزية. ويؤكد الحسني أنه يشتري، في بعض الأحيان، الكتب القديمة إذا تعلق الأمر بخزانة يرغب أحد زبنائه من الأساتذة بيعها. ولا يؤدي هؤلاء الكتبيون، والذين يقارب عددهم 25 كتبيا، أي ضريبة عن محلاتهم، فقط يؤدون أجرة الحارس الذي يراقب بالليل «كنوزهم». وهم يشتكون من غياب الماء والكهرباء. وأمام هذا الواقع، يضطر أغلبهم إلى العمل من الساعة التاسعة صباحا إلى حدود السادسة مساء. وتفتح السوق طيلة أيام الأسبوع، إلا من رغب في يوم للراحة، فهو حر في أن يختار اليوم الذي يريحه. كما أن هؤلاء يشتكون من الأضرار التي يلحقها تساقط الأمطار بكتبهم. وعن إمكانية مراسلة الجهات المعنية للنظر في هذه الأوضاع، يقول نور الدين إن الاحتمال يبقى ضعيفا نظرا إلى اتساع بون عدم التفاهم بين هؤلاء الكتبيين. فالمنافسة «الشرسة» بينهم تحول دون تجميع فعالياتهم. وقد سبق أن تم تأسيس ودادية لهؤلاء، لكنها سرعان ما فشلت وخمد صوتها. ويلاحظ أن كتب الفلسفة والدين وتقنيات التدبير والتسيير هي أغلب الكتب التي تلقى الإقبال، وذلك إلى جانب الكتب المدرسية والجامعية. ويسجل، في المقابل، تراجع الإقبال على الكتب الأدبية وعلى اللغات. ويقول أحد هؤلاء الكتبيين إنه لا يعلم، إلى حد الآن، ما هي الكتب المعتمدة لدى طلبة الإنجليزية والفرنسية، لأنه ليس هناك إقبال من لدن هؤلاء على السوق. ويحكي نور الدين أن عددا من الوجوه المعروفة محليا في مجال الثقافة ترتاد المكان. وفي هذا الإطار، يذكر الدكتور السرغيني، وكان يشغل منصب نائب العميد في كلية الآداب بظهر المهراز، ومحمد شكري سلام، وهو أستاذ جامعي ومؤلف، وعبد القادر رزمامة، وهو جامعي ومؤلف.