بدأ المقدمون والشيوخ بجل المناطق التابعة للإدارة الترابية بقرى المغرب في إعداد تقارير سرية يومية عن الأوضاع في «المغرب العميق» منذ يوم الجمعة الماضي. وجاء تفعيل استخبارات «المقدمين والشيوخ» بالعالم القروي أسابيع قليلة بعد تولي الطيب الشرقاوي لمنصب وزير الداخلية في إطار التعديل الجزئي الذي عرفته حكومة عباس الفاسي. وطلب الشرقاوي، في مذكرة توصل بها رجال السلطة بمختلف قرى المغرب، مد الإدارة المركزية بإخباريات يومية عن الوضع العام بهذه المناطق، مع التركيز على توجهات الرأي العام، وشؤون الأمن، والتوجهات الدينية، والبنيات التحتية، وقطاع التعليم، وشؤون الجماعات المحلية. وكلف الشيوخ بتجميع معطيات المقدمين في تقارير توجه إلى القائد، ويتولى هذا الأخير إعادة تجميع تقارير شيوخه في تقرير عام يوجه إلى العمالة التي يتبع لها، وتسهر هذه الأخيرة على إعداد تقرير تركيبي يبعث إلى الإدارة المركزية لوزارة الداخلية بالرباط. وطلب من المسؤولين الإداريين المحليين الحرص على إعداد تقاريرهم باللغة العربية، وتجنب اللغة الفرنسية في التحرير. ويعود العمل باستخبارات «المقدمين والشيوخ» بالعالم القروي إلى عقود خلت. وفي الوقت الذي تراهن فيه وزارة الداخلية على هذه التقارير لمتابعة التحولات التي تشهدها قرى المغرب، ينظر عدد من «المقدمين والشيوخ» أنفسهم إلى تقاريرهم نظرة تشكيك بسبب الأوضاع المادية والمهنية التي يعملون في ظلها. ويقول بعض هؤلاء إن أوضاعهم الاجتماعية الهشة تجعل تقاريرهم موضع «شبهات» بسبب الارتباطات التي ينسجونها مع أطراف محلية. وبالرغم من أن هذه الفئة توصف بكونها العمود الفقري لوزارة الداخلية، فإنها تفتقر إلى إطار قانوني ينظم عملها. ويصنف المقدمون والشيوخ في خانة أعوان السلطة، وهم غير محسوبين على قطاع الوظيفة العمومية. ويمكن لعامل الإقليم أن يستغني عنهم في أي لحظة بناء على قرار لجنة تأديبية أو حتى بدون أي قرار. ولا تحصل هذه الفئة في العالم القروي على التقاعد، مما يفرض على رجالاتها العمل طوال الحياة كشرط لاستمرار التوصل بالتعويضات، كما أن رواتبهم لا تتجاوز 1350 درهما بالنسبة إلى الشيخ القروي، و800 درهم بالنسبة إلى المقدم القروي. ولا تعترف وزارة الداخلية بهذه «المنح» الشهرية كرواتب، بل تصنفها ضمن ما يعرف بالتعويضات. وعادة ما تُمنحهم هذه التعويضات على شكل حوالات بريدية أو تصرف لهم نقدا من صندوق العمالة. ولا يحق لتعويضاتهم أن تمر عبر تحويلات بنكية. كما أنه يمنع عليهم الانتماء إلى أي نقابة أو أي حزب سياسي، ويمنع عليهم أيضا التصويت في الانتخابات. وعادة ما تدفع هذه الأوضاع الاجتماعية بعضهم إلى غض الطرف عن عدد من التجاوزات والاختلالات مقابل إتاوات يحصلون عليها، يقولون إنها تمكنهم من ضمان الحد الأدنى من ضروريات الحياة في ظل الارتفاع الصاروخي لتكاليف العيش بالمغرب.