أعلن فؤاد عالي الهمة، خلال اللقاء التواصلي الأخير الذي نظمته «حركة لكل الديمقراطيين» بمدينة الدارالبيضاء، أن الخطر الذي يتهدد المملكة يتحدد في جهتين: الإرهاب والفساد. وبحكم أن صديق الملك كان يجلس لسنوات طويلة فوق كرسي منسق الأجهزة الأمنية والإستخباراتية، فإنه يعلم ما يقول حين أكد أن مكافحة الإرهاب بالمقاربة الأمنية لوحدها كانت فاشلة، وأن الملف يجب أن يعالج بالحوار العلمي في المرحلة المقبلة، لكنه لم يكشف عما قامت به الأجهزة التي كانت تعمل تحت إمرته بخصوص مكافحة الفساد طوال الفترة السابقة. فالإمكانات التي تتوفر عليها المخابرات تتيح لها التصنت على الجميع، والاطلاع على فحوى المراسلات التي تتم عبر الفاكس والانترنيت، ومراقبة اللقاءات التي تعقد سرا وعلنا.. حتى أصبح الوزراء والموظفون السامون يتجنبون الحديث في الأمور التي يعتبرونها حساسة عبر الهاتف أو في الأماكن العمومية.. إلا أن هذه «الحرية» المتاحة للأجهزة بعيدا عن أي مراقبة برلمانية أو حتى حكومية لم يتم توظيفها لحد الساعة في الضرب على أيدي المفسدين باستثناء ما حدث بخصوص انتخابات إعادة تجديد الثلث بمجلس المستشارين رغم الانتقادات التي وجهت إلى عملية المتابعة القضائية للمتهمين في إطارها، حيث تم الاعتماد على مكالمات هاتفية كانوا قد أجروها لإدانتهم. «الجميع يراقب الجميع» هي القناعة التي أصبحت سائدة بالمملكة، لكن ما هي الأجهزة المكلفة رسميا بالاستعلام والاستخبار داخل المغرب؟ وكيف «تتجسس» على المواطنين؟ وما هي الإمكانات التي أصبح التطور التكنلوجي يتيحها للمخابرات من أجل مراقبة كل ما يدور بعيدا عن عيونها ؟ وما هو وضع المتعاونين مع المخبرين الرسميين؟ وقبل كل هذه الأسئلة ما هو الخطر الذي يمكن لتقرير مغلوط أن يمثله حين يبني عليه القصر قراراته؟ لم يكن الجنرال حميدو العنيكري، قبل أن يصبح مفتشا عاما للقوات المساعدة، مديرا عاما للأمن الوطني فقط، وإنما كان متحكما كذلك في جهاز «الديستي» (الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني).. وقبل ترقيته على عهد الملك محمد السادس، اشتغل لسنوات طويلة في سلك الدرك الملكي والإدارة العامة للدراسات والمستندات (لادجيد).. فالرجل حين يقدم تصريحاته حول عالم الاستخبار والاستعلام وما يتبعهما من إجراءات، فإنه يعلم ما يقول. «نحن لا نظلم أحدا، وكل شخص أحلناه على السجن.. فهو يستحق ذلك» يؤكد الجنرال لأحد محاوريه، حين كان يشغل منصبه السابق. فبعد أن أمضى سنوات من الاشتغال على ملف مكافحة التجسس بالخارج، واطلع على خبايا نشاط المعارضين المغاربة بالمهجر، وأولئك الذين استهوتهم معسكرات أفغانستان، وغيرها.. وجد نفسه عند بداية العهد الجديد في واجهة عملية «قص أجنحة» إدريس البصري الأمنية، حيث كانت أول ضربة يوجهها أصدقاء محمد السادس إلى الرجل القوي على عهد الحسن الثاني هي إقالة رجله بالمخابرات المدنية علابوش.. فبدأ العنيكري حينها يعتقد أنه أصبح ممسكا بخيوط جميع الأجهزة التي طالما عرفت حروبا خفية في ما بينها.. لكن ما الجدوى من فصل السلط، وإرساء ركائز دولة الحق والقانون، إذا كانت المخابرات ستعتبر أنها «لا تظلم أحدا»، وأن ضباطها لايأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم، وكأن تقاريرهم حقيقة مطلقة؟ مهما يكن الجواب، فإن حديث المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية حول تجاوزات هذه الأجهزة لم يتوقف.. ومراقبتها من طرف الحكومة أو البرلمان لازالت بعيدة المنال، بل أكثر من ذلك «فمحاولة طرح موضوعها للمساءلة والمناقشة ينظر إليها وكأنها مس بالمقدسات»، كما يشرح أحمد زاروف، الكولونيل المتقاعد والبرلماني السابق. فبخلاف ما يقوم به برلمان جارتنا الشمالية إسبانيا من رقابة على أجهزة استخبارات بلده، وما تقوم به الأجهزة الحكومية الوصية على القطاع بفرنسا إلى جانب اللجان البرلمانية المختصة، فإن إدارة مثل «الديستي» ببلادنا تظل بمنأى عن أي مراقبة حتى للوزارة الوصية (الداخلية)، حيث يتحدث أكثر من مصدر عن أن تقاريرها تصل مباشرة إلى القصر.. ومعلوم أن هذه الأجهزة كانت تعمل تحت إمرة فؤاد عالي الهمة، حين كان يشغل منصب كاتب للدولة أو وزير منتدب بالداخلية، ويرأس اجتماع مسؤولي «الديستي» و«لادجيد»، والدرك الملكي، والقوات المساعدة، لكن لا أحد من وزراء الحكومة، ولا من مسؤولي البرلمان، يعرفون كيف تشتغل هذه الأجهزة، ولا إن كانت تحترم ضوابط القانون، وما يحدده لها ظهيرها المؤسس. غرفة تمارة فهناك بمقرها المركزي وسط أشجار غابة تمارة، تتابع الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني آلاف المكالمات الهاتفية كل يوم، وتترصد جميع رسائل الفاكس التي تود معرفة تفاصيلها، كما تخترق علب البريد الإلكتروني على الشبكة العنكبوتبة لمن تشاء.. إنهم رجال «مركز الراديو إلكتريك» أو شرطة «الاتصالات الراديو إلكتريكية» من يتصدون لهذه المهمة أمام أجهزة متطورة من آخر طراز.. قد لا يحتاج مهندسو وتقنيو تمارة إلى مساعدة شركات الاتصالات للتصنت على الأسماء الواردة في لوائحهم، لكنهم قد يضطرون إلى طلب مساعدتها بخصوص مكالمات أو اتصالات تم إجراؤها في فترة سابقة لم يكن صاحبها قد وضع فيها تحت المراقبة. أما اللائحة الاعتيادية لشرطة «الراديو إلكتريك» فتتنوع من الوزارات إلى السفارات مرورا بالأحزاب السياسية، ومكاتب المنظمات الدولية، والشركات متعددة الجنسيات.. وبطبيعة الحال الصحافيين وأبرز المعارضين السياسيين.. وإلى جانب هذه اللائحة هناك نظام خاص يجعل آلة التسجيل تنطلق «أوتوماتيكيا» كلما وردت في مجال اشتغالها كلمة يرغب «جواسيس» المملكة في معرفة من ينطق بها أو يضمنها في مراسلاته عبر الفاكس أو الإيمايل. يمضون يومهم في الاستماع إلى مئات المكالمات المشتبه فيها وقراءة عشرات الرسائل المشكوك في أمرها، إذ غالبا ما يلجأ أصحابها إلى اعتماد لغة مشفرة.. قبل أن يضعوا أهمها فوق مكتب عبد اللطيف الحموشي –المدير الجديد للإدارة-.. وبمختلف ربوع المملكة تنتصب آذان وعيون أعوان السلطة ومساعديهم، إلى جانب رجال الاستعلامات العامة ومخبريهم، لترصد كل تحركات المواطنين، سواء كانوا منتظمين في أحزاب أو جمعيات أو نقابات أو بعيدين عن عالم السياسة وما جاوره.. وبخارج المغرب، يجتهد رجال «لادجيد» في تتبع كل من حامت حوله الشكوك من أفراد جاليتنا المهاجرة في الخارج. وبين هؤلاء وأولئك هناك أجهزة أخرى مختصة في مراقبة تحركات عناصر الجيش، وتتبع ميولاتهم السياسية والعقدية.. فمن يراقب من داخل مملكة محمد السادس؟ التقارير المغلوطة كلما تم ترشيح شخص لمنصب حساس إلا وطلب من الأجهزة أن تنجز تقريرا حوله، «والمعيار هنا لا يرتبط فقط بالكفاءة، بقدر ما يرتبط باستعداد المرشح للتعامل مع الأجهزة ومدها بالمعطيات المطلوبة»، يقول ضابط أمن سابق. ومنذ المحاولتين الانقلابيتين على عهد الحسن الثاني أصبح «الجميع يراقب الجميع»، وحتى على أعلى مستوى وفي داخل المحيط الملكي شاع الحديث عن «دسائس القصور» كتعبير عن توظيف التقارير الأمنية والوشايات في جو التنافس والصراع القائم بين مختلف أصحاب المصالح واللوبيات.. لكن الأخطر هو أن ترفع تقارير مغلوطة إلى أعلى سلطة في البلاد تهم جماعة كبيرة من الناس أو سكان مدينة.. كما حدث مع القاطنين بالسمارة قبل سنوات. «أنا موجود حاليا بالرباط لمقابلة جلالة الملك أو أحد مستشاريه من أجل تنبيههم إلى حقيقة مضامين التقرير الأمني حول سكان مدينة السمارة»، يقول أحد البرلمانيين، الذي لم ينكر تعاونه مع الأجهزة، قبل أن يضيف موضحا: «ما ذهب إليه التقرير بخصوص اتهام ساكنة السمارة بالتعاطف مع جبهة البوليساريو غير صحيح، وقرار تأجيل الزيارة الملكية إلى المدينة بني على معطيات مغلوطة، ويجب أن أخبر أعلى سلطة بالبلاد بحقيقة الأمر». فهذا البرلماني كان يحتاج إلى مساعدة الصحافة من أجل إبلاغ الحقيقة إلى ملك البلاد، في حالة فشله في اللقاء بمسؤولي القصر مباشرة.. إلا أن عدم اتصاله بها مجددا كشف تمكنه من إيصال حقيقة ما عرفته السمارة من أحداث، وهو ما تلاه ترتيب الزيارة الملكية للمدينة في فترة لاحقة. لقد كان التدخل الأمني العنيف في حق عدد من المعتصمين من أصحاب المطالب الاجتماعية، وانتقال المواجهات بعد ذلك إلى منازل المواطنين، بشكل غير مبرر سببا رئيسيا في سياسة الهروب إلى الأمام، التي انتهجها الأمنيون من خلال تقريرهم المغلوط الذي حاول تبرير ما قاموا به من تجاوزات في حق سكان المدينة. ويبدو أن دخول أكثر من جهاز أمني على الخط في معالجة أحداث سيدي إفني هو ما عجل باتخاذ قرار تشكيل لجنة تقصي الحقائق البرلمانية، من أجل محاولة إعادة الأمور إلى نصابها، ووضع حد لمغالطات بعض التقارير الأمنية. فهل يستطيع برلمانيو لجنة التقصي أن يخضعوا الأجهزة الأمنية لرقابة المجلس التشريعي؟ التجسس على البرلمان المثير هو أن مجلس النواب قد عرف 5 سرقات منذ انطلاق الولاية التشريعية الحالية، طالت أجهزة كمبيوتر عدد من الفرق النيابية، ولم يتوصل التحقيق الأمني إلى أي نتيجة إلى حد الساعة، فهل هناك من «يتجسس» على أرشيف هؤلاء البرلمانيين؟ يرى أحد البرلمانيين السابقين أن: «الجميع يتجسس على الجميع». ويوضح مسؤول أمني سابق قائلا: «الدرك والمكتب الخامس يراقبان تحركات عناصر الجيش، و»الديستي» تتجسس على الدرك، وكل هؤلاء، وبدون استثناء يتجسسون على المغاربة، كل المغاربة، عبر المخبرين والجواسيس الذين ينتشرون في كل مكان ويمارسون كل المهن، وعبر تقنيات استخباراتية متطورة». أياما قليلة بعد أحداث 16 ماي، وفي فورة الجنون الذي أصاب أجهزة الاستعلامات والمخابرات المغربية، سيخرج العنيكري من لباسه الأمني وسيقول ملمحا في أحد اللقاءات أن الفضل الكبير في اعتقال العديد من «الإرهابيين» يعود إلى المخبرين، وفي هذا الصدد فإن الأمر لا يقتصر على أشخاص عاديين يقومون بالإخبار عن أشخاص عاديين مروا أمامهم، لكن يتجاوزه إلى كل أولئك المخبرين الذين يخترقون بعض التنظيمات الإسلامية، وأيضا الأحزاب والجمعيات، «إنهم من بين المخبرين الأكثر فعالية بالنسبة إلى الاستعلامات العامة المغربية»، يقول أحد العارفين. وحين يغيب هؤلاء «يلتجأ رجال الاستعلامات إلى «التقنيات البديلة»، يضيف نفس المصدر. ويحكي العديد من المحامين عن ملاحظتهم رجال أمن بزي مدني أصبحوا يلجون قاعات المحاكم في السنوات القليلة الماضية، «الأمر ليس جديدا»، لكن الجديد هو «أن هؤلاء الملتحقين هم تابعون لرجال العنيكري»، المقصود: «حتى رجال القوات المساعدة أصبح لهم مخبرون»، لكن ما المانع؟ «قانونيا لا يسمح لرجال العنيكري بممارسة أكثر من المهام الموكولة إليهم، وليس من حقهم الاشتغال بالزي المدني أو رفع تقارير استخباراتية»، ولماذا إذن يقومون بأعمال ليست موكولة إليهم؟ الجواب جاء على لسان أحد رجال الاستعلامات السابقين، الذي فسر هذا الأمر بكون «أن هؤلاء الناس يريدون أن يكونون ملكيين أكثر من الملك»، قبل أن يتساءل: «لماذا لا يقومون بأعمالهم فقط؟ سيكون ذلك أكثر فاعلية.» السبب هو أنه «اليوم هناك سباق محموم بين مختلف الأجهزة للظفر بالسبق»، وبعد أحداث 16 ماي أصبحت كل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تبحث عن «الخبر الأول، وتريد أن تكون هي المصدر الأول للخبر الذي سيصل فيما بعد إلى أعلى سلطة في البلاد». «المشكل اليوم في المخابرات هو أن الجميع أصبح يريد أن يمارسها»، وحسب نفس المصدر فإن «المخابرات كانت دائما مسألة استراتيجية، تتعدى أو تمر عبر الحدود والقانون يمنحها للديستي، لكن هذا الأخير اليوم لا يمارس مهامه»، وهكذا أصبحت كل الأجهزة تمارس أعمال «الديستي»، «كما أصبحت كل الأجهزة تملك مخبرين تابعين لها يمدونها بالمعلومات والأخبار والتقارير، كما يتم تكليفهم بمهام محددة لمتابعتها». جيش المخبرين «مستويات التجسس على المغاربة تختلف من شخص لآخر»، كما أكدت مصادر متطابقة، كما أن التجسس والتصنت والمراقبة «تكلف خزينة الدولة مبالغ باهظة جدا لا يعرف قيمتها أحد، ودائما هناك استثمارات جديدة في آليات التجسس المتطورة». لكن ما هو عدد الجواسيس والمخبرين في المغرب؟ لا أحد يعرف، لكن « لكل جهاز أمني أو استخباراتي مخبروه وأعوانه»، وحتى عندما صدرت تعليمات من جهات عليا في التسعينات بإحصاء عدد المخبرين الذين يشتغلون مع المخابرات والاستعلامات المغربية، لم «تحصل الجهة التي طلبت الإحصاء على رقم دقيق»، بالإضافة إلى أن «الأمر اليوم هو أكثر تعقيدا بحيث إن كل الأجهزة الأمنية في البلد تتوفر على مخبرين».. من العمالات التي تصلها الأخبار من المقدمين والقياد، ومرروا بالدرك الملكي الذي صار منذ زمن يتوفر إلى جانب «مكتب الأمن والاستعلامات» على فرق خاصة، مرروا ب«لادجيد»، التي بالإضافة إلى مخبريها الرسميين تتوفر على عدد لا يحصى من المتعاونين، والاستعلامات العامة التابعة لإدارة الأمن الوطني التي يصعب تحديد عدد مخبريها، وجهاز الديستي الذي يعتبر «أكثر الأجهزة التي تتوفر على شبكة واسعة من المخبرين في كل مكان»، كما يصفها أحد المصادر، وهناك بعض المخبرين الذين يشتغلون مع كل هذه الأجهزة دفعة واحدة. «لا يمكن لرجال المخابرات الحصول على معلومات متكاملة دون متعاونين»، إنها فكرة أحد رجال العنيكري، التي صرح بها ل«المساء»، معنى هذا أن عمل الاستخبارات المغربية «لا يمكن أن يكون متكاملا إلا بالاعتماد على أخبار الناس»، يضيف نفس المصدر، والمقصود بالناس في كلام الضابط هم «المخبرون، والمتعاونون»، حيث لا يكفي التصنت على الهواتف، وتتبع المشتبه فيهم، وزرع كاميرات المراقبة، والتجسس على «الإيمايلات»، إذ «من الضروري وجود عيون في كل مكان يتم استقطابهم من مهن مختلفة وأعمار مختلفة، وطبقات اجتماعية مختلفة»، فما هو المقابل؟ المقربون من الاستعلامات والمخابرات يشرحون أن هناك «تفاوتا بين المخبرين ورتبهم»، وما يقصده أصحاب هذا التوضيح هو أن هناك أيضا «صراع الطبقات في التجسس»، بحيث هناك «من يشتغل رغبة في الحصول على نوع من الحماية الأمنية، أو مقابل خدمة ما، أو لغض النظر عن خطأ ما أو جرم ما، وهم في الغالب من الناس البسطاء»، في المقابل هناك جواسيس «هاي كلاس»، لهم منافع المخبرين الصغار بالإضافة إلى أجرهم الشهري الذي لا يعرف دراهمه غيرهم. هكذا فإن بنية المخبرين المغاربة فيها الخراز، وبائع الديطاي، وحارس السيارات، و»كونسييرج العمارة»، والإطار، والمحامي، والموظف... في النهاية يمكن أن يكون المخبر أي شخص. إنهم كل الجواسيس والمخبرين ورجال الاستعلامات، الذين يسهرون على تقفي أثر المشتبه فيهم أو المتهمين، لا أحد يعرف عددهم بالضبط. في المقابل فإن الأرقام غير الأكيدة التي يسربها العارفون بخصوص رجال المخابرات والاستعلامات تفيد مثلا أن جهاز «الديستي» يضم أكثر من 3000 مخبر، وجهاز الاستعلامات العامة أكثر من 2000 مخبر، ومكتب الأمن والاستعلامات التابع للدرك الملكي ما يقارب 1000 ضابط، بالإضافة إلى مخبري «لادجيد»، الذين لا يتجاوز عددهم الألفي ضابط، فيما يتحدث البعض عن مخبرين خاصين، تابعين مباشرة للملك، لا يعرف أحد عددهم أو مهامهم، هذا بالإضافة إلى المقدمين والشيوخ، وجيش آخر من المخبرين التابعين لكل هؤلاء الأجهزة والذين يخترقون كل ربوع المملكة. «أنا أشتغل معهم منذ سنوات لكن لا أحصل على أي مقابل فقط ليتركوني في حالي»، يقول نادل بأحد المقاهي المعروفة بوسط العاصمة الاقتصادية. ولماذا بدون مقابل؟ يجيب «إنها العادة.. لا يمكنني أن أرفض وليس لي الخيار». وماهي المعلومات التي تمنحها لهم؟ يجيب بصوت خافت: «كل مرة هناك موضوع مختلف.. لكن في الغالب يسألونني حول بعض الزبائن الذين يرتادون المقهى»، ويستطرد: «يكون ذلك فقط للتأكد ولتدقيق الأمر لأنهم يكونون على علم بما يجري». لكن الأمر ليس بسيطا كما يعتقده غير العارفين، لأن «تسيير هذا النوع من المخبرين يتطلب تنسيقا كبيرا وكثيرا من الأموال أيضا»، رغم أن تقارير المقدم والشيخ تبقى هي الأساس، فإن كلام المخبرين الآخرين «كان حاسما في العديد من القضايا»، يقول المصدر السابق، الذي يضيف: «العديد ممن تم اعتقاله واختطافهم بعد أحداث 16 ماي تم العثور عليهم بفضل مخبرين وبياعين»، في حين تؤكد مصادر أخرى أن التعامل مع الجواسيس البسطاء والفقراء «يكون في الغالب بمنطق الاستغلال والمصلحة المتبادلة»، والمقصود بهذا الكلام بائعات الجنس، وبعض المساجين، وأصحاب المخالفات. دولة الديستي «الديستي أقوى جهاز للتجسس والتصنت بالمغرب»، هكذا يصف محمد أكضيض، عميد الأمن الممتاز المتقاعد، إدارة مراقبة التراب الوطني، وقد أشار الظهير المحدث لهذا الجهاز إلى اختصاصاته ومهامه بشكل عام، و«لم يحدد صفة ضباط هذا الجهاز»، كما يوضح أحد العارفين، ولا أحد يعرف إن كان من حق رجال «الديستي» ممارسة مهام الشرطة القضائية، على شاكلة ما يحدث في «ديستي» الجارة الفرنسية، الذي استنسخ منه الجهاز المغربي. رجال الحموشي يرهبون الجميع، ويخافهم الجميع كما «أنهم يقومون بما شاؤوا وضد من شاؤوا دون رقيب ولا حسيب»، يوضح أحد المعنيين، وهذا راجع إلى المكانة التي تحظى بها تقاريرهم عن الجهات العليا، بحيث أن تقريرا واحدا يرفعه عبد اللطيف الحموشي يمكن أن يسقط مسؤولين من على كراسيهم، أو أن يدخل أحدهم إلى السجن. «رجال إدارة مراقبة التراب الوطني حاضيين الدبانة» يصرح أحد رجال الأمن، وهم يستعملون في ذلك كل الوسائل والتقنيات، ويقول المطلعون أن هذا الجهاز يتوفر على مراكز لإعادة معالجة التسجيلات الصوتية موزعة على كل التراب الوطني، مراكز يسهر العاملون بها على تسجيل كل المكالمات الهاتفية بأحدث التقنيات، التي تعتمد على «الكود» و«البصمات الصوتية»، أو كما وصفه رجل الأمن السابق محمد أكضيض ب«غول التجسس في المغرب». إذن، فانتبهوا، إن المخزن بجميع أجهزته يتجسس عليكم! 1 - العيون والآذان: لم تلغ وسائل التجسس المتطورة تكنولوجيا أهم طريقة اعتمدها هواة ومحترفو التجسس عبر التاريخ.. إنها العيون والآذان التي تترصد كل شخص أو مجموعة يشتبه في تورطها في عمل يجرمه القانون أو يعتقد أن لديها معطيات تفيد الجهة التي ينتمي إليها الجاسوس. يجلسون في المقاهي قريبا من موائد المستهدفين، أو يتوقفون في الطريق غير بعيدين عمن يريدون استراق سمع ما يقولونه. كما يترصدون تحركات كل ناشط عن بعد، ويتتبعون خطواته ليروا مع من يلتقي –ومتى- وأين. 2 – الكاميرات الخفية أصبحت تكنولوجيا صناعة الكاميرات الصغيرة، لا تتيح فقط للأجهزة الاستخباراتية استخدامها كبديل عن عيون وآذان مخبريها، وإنما تتجاوزها لتوفير إمكانية كبيرة لتوثيق أنشطة وحوارات من تضعهم الأجهزة تحت المراقبة. قد يسبقك تقني المخابرات إلى غرفة الفندق الذي ستنزل فيه أو إلى قاعة المحاضرات التي ستجتمع فيها ليخفي كاميراته التي تتولى مهمة التجسس عليك، كما قد يحملها معه دون أن تراها وهو جالس أمامك كمراسل خاص لتلفزيون الأجهزة. 3 – حواجز الشبكة العنكبوتية: يعتقد الكثيرون أن تجنبهم الحديث في الهاتف سيحميهم من جواسيس التكنلوجيا الحديثة، لكن لجوءهم إلى تبادل المعطيات مع شركائهم عبر الأنترنيت قد يسهل مهمة رجل المخابرات أكثر، إذ تتوفر الأجهزة على «حواجز» تراقب كل الرسائل الإلكترونية التي تمر عبر الشبكة، تتيح لها إمكانية الاطلاع على فحواها قبل أن تصل إلى صاحبها، كما تسمح لها بتحديد مكان المرسل، والحصول على كلمة سره للاطلاع على جميع العمليات التي قام بها انطلاقا من بريده الإلكتروني أو حاسوبه الشخصي. 4 – الميكروفونات المزروعة: حين يعجز الجاسوس عن اقتحام مجلس ما، ولا يجد سبيلا إلى استراق السمع حول ما يدور، فإن أفضل وسيلة تختارها الأجهزة للحصول على ما تريد هي زرع ميكروفونات صغيرة بالقاعة والمكان الذي سيعقد فيه اللقاء، يتم نقل كل ما يجري خلاله إلى جهاز الاستقبال الذي يكون موجودا في مكان آخر. وقد يعمد رجل المخابرات إلى تثبيت ميكرفون صغير، ذي حساسية مرتفعة تمكنه من التقاط الأصوات البعيدة، في أي مكان قريب من الشخص المقصود سواء كان جالسا في مقهى أو في أي مكان عمومي. 5 – التصنت على الهاتف: تطورت تقنيات التصنت على المكالمات الهاتفية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وقد أصبح مقر «الديستي» بتمارة يتوفر على أحدث الأجهزة التي تخول له التعرف على بصمات صوت الذين يترصدهم، كما تتيح له إمكانية التسجيل الأوتوماتيكي لكل مكالمة يتم الحديث فيها عن إحدى الكلمات المفاتيح المحددة سابقا من مثل «متفجرات» أو «سلاح» أو «مخدرات». وإلى جانب ضبط فحوى المكالمات تتمكن الأجهزة بواسطة التكنولوجيا الحديثة من التصنت على كل حديث يتم قريبا من هاتف نقال، وإن كان غير مشغل، إضافة إلى تحديد مكان تواجد صاحبه.