عندما خضع المغرب للحماية الفرنسية بين سنتي 1912 و1956، تشكلت جمعيات طلابية كانت متأثرة بفكر الحركة الوطنية المغربية وتأثرت، بشكل عام، بالجو الذي كان سائدا في كل من الجزائر وتونس، بحيث كانت هناك رغبة في بناء حركة طلابية في منطقة شمال إفريقيا. يمكن الحديث هنا عن تشكل جنيني للحركة الطلابية باعتبار أن الطلبة المغاربة، على قلتهم، كانوا يدرسون خارج المغرب، سواء في أوربا (فرنسا وإسبانيا) أو في المشرق العربي، وكان نشاطهم مرتبطا بالحركة الطلابية في شمال إفريقيا، حيث كان هناك تنسيق بين الطلبة من المغرب والجزائر وتونس. وإذا تحدثنا عن تشكل جنيني للحركة الطلابية المغربية فلكون الجامعة المغربية لم تحدث إلا بعد الاستقلال، وبالضبط سنة 1957 بإنشاء جامعة محمد الخامس بالرباط. تركز دور الطلبة المغاربة في فترة الحماية على مساعدة الحركة الوطنية المغربية في التعريف بقضية المغرب وضرورة تمتيعه بالاستقلال. عندما حصل المغرب على الاستقلال سنة 1956، بادرت مجموعة من الجمعيات الطلابية المغربية إلى تأسيس إطار جامع أطلق عليه اسم: «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» وارتبط، منذ البداية، بحزب الاستقلال الذي كان حزبا مهيمنا في هاته الفترة، كما أن التنظيم الطلابي لم تكن له، في البداية، مواقف مناهضة للملكية المغربية، حيث منحت رئاسته الشرفية لولي العهد آنذاك الأمير الحسن «الملك الحسن الثاني لاحقا». تميزت هذه المرحلة ببداية بناء هياكل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كتنظيم ممثل للحركة الطلابية المغربية. وقد تغلبت الاهتمامات التنظيمية من قبيل عقد المؤتمرات الوطنية على باقي الاهتمامات الأخرى، خاصة وأن القصر الملكي بدا كأنه محتضن للحركة الطلابية من خلال اعتبار ولي العهد الأمير الحسن رئيسا شرفيا للتنظيم الطلابي. أهم مشكل واجهته الحركة الطلابية المغربية خلال هذه المرحلة هو تأرجحها بين التيارين اللذين كانا متصارعين داخل حزب الاستقلال، حيث انتهى الأمر بانشقاق الحزب وتأسيس حزب جديد هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. إن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كمعبر عن الحركة الطلابية الوليدة لم يعزل نفسه عن الصراع حول السلطة بين «القصر» و«حزب الاستقلال» في المرحلة الأولى وبين القصر وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في مرحلة ثانية. أفضت رغبة المؤسسة الملكية في إضعاف حزب الاستقلال إلى تشجيع الانشقاق داخله، وهكذا حدث انشقاق سنة 1959 أدى إلى تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كحزب ذي ميولات يسارية. وأمام هذا الانشقاق، لم تلتزم الحركة الطلابية الحياد، بل سحبت دعمها لحزب الاستقلال وساندت، بدون شروط، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وعندما دخل هذا الأخير في مواجهة مع القصر ابتداء من نهاية ماي 1960، شرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في التعبير عن مواقف عدائية للمؤسسة الملكية. تميزت هذه المرحلة من تاريخ الحركة الطلابية بطغيان الاهتمامات السياسية بدل التركيز على الدفاع عن المصالح الطلابية، حيث أصبح الاتحاد الوطني لطلبة المغرب منظمة موازية لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وناطقة باسمه في الوسط الطلابي. إن أهم مشكلة واجهتها الحركة الطلابية في هذه المرحلة هي الانقسام التنظيمي، حيث بادر حزب الاستقلال في مطلع الستينيات من القرن الماضي إلى تأسيس تنظيم طلابي خاص به، وهو الاتحاد العام لطلبة المغرب، فأصبح الصراع عموديا بين الحركة الطلابية والسلطة السياسية، من جهة، وأصبح أفقيا بين مكونات الحركة الطلابية، من جهة أخرى. والملاحظ أن هذا اليسار الجديد ولد في قلب الجامعة المغربية وكان متأثرا بثورة الطلاب التي عاشتها فرنسا سنة 1968، حيث ساد الاعتقاد بأن الطلبة يشكلون القوة الأساسية للتغيير. انطلاقا من هذا التصور، أصبح اليساريون الجدد لا يتعاملون مع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كتنظيم نقابي يعمل على صياغة المطالب الطلابية والدفاع عنها، بل كحزب سياسي ينبغي أن يباشر مهام التغيير السياسي بدل الأحزاب اليسارية التقليدية التي اتهمت بكونها أحزابا «إصلاحية» متواطئة مع النظام الحاكم. وهكذا حدث نوع من التداخل بين التنظيم الطلابي والحركة الماركسية الللينينية المغربية. وهذا التداخل أدى إلى التصعيد بين الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والسلطات المغربية، انتهى باعتقال جل قياداته والتي صدر في حقها حكم بالإعدام، كما انتهى بمنع المنظمة الطلابية بتاريخ 24 يناير 1973. تميزت هذه المرحلة بصراع مفتوح بين الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والنظام السياسي الحاكم، سينتهي بالمنع القانوني للتنظيم الطلابي بتاريخ 24 يناير 1973. إن أهم إشكال واجه الحركة الطلابية خلال هذه المرحلة هو عدم قدرتها على الحفاظ على الكيان التنظيمي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي أصبح متماهيا مع تنظيم سياسي يمثل اليسار الجديد، وهو الحركة الماركسية اللينينية المغربية. عاشت الحركة الطلابية بين سنتي 1973 و1978 فترة من «التيه» تعرضت خلالها لقمع ممنهج، غير أن رغبة المؤسسة الملكية في تحقيق إجماع وطني، خاصة حول قضية الصحراء بعد استرجاعها سنة 1975، ستدفعها إلى انتهاج سياسة «منفتحة» تجاه القوى السياسية. وهذا الانفتاح لم يكن ليكتمل بدون إحداث «تصالح» مع الحركة الطلابية التي كانت تشكل عماد بعض الأحزاب السياسية التي كانت تراهن عليها المؤسسة الملكية لتلعب دورا في مسلسل الانفتاح السياسي. في هذا الإطار، رفع المنع عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ليعقد مؤتمره ال16 سنة 1978 ولتسقط قيادته تحت مراقبة أحزاب اليسار التقليدي، خاصة حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» الذي انشق سنة 1975 عن «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية». تميزت هذه المرحلة باستعادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب شرعيته القانونية في سياق توافق بين النظام السياسي الحاكم والأحزاب السياسية الإصلاحية، خاصة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية. إن أهم إشكال واجهته الحركة الطلابية في هذه المرحلة تمثل في كيفية تدبير التناقضات بين تيارين داخل الحركة الطلابية: تيار إصلاحي يمثله طلبة الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، وتيار جذري يمثله الطلبة القاعديون وطلبة رفاق الشهداء. إن عدم قدرة طلبة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بتحالف مع طلبة حزب التقدم والاشتراكية، على التحكم في مسار التنظيم الطلابي وتنامي تأثير طلبة اليسار الجديد، خاصة فصيل طلبة «القاعديين» وفصيل طلبة «رفاق الشهداء»، سيؤديان إلى تعليق أشغال المؤتمر الوطني ال17 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب المنعقد في الرباط سنة 1981، هذا التعليق الذي اعتبر هذه المرة منعا عمليا وليس منعا قانونيا للتنظيم الطلابي. وهكذا، دخلت الحركة الطلابية مرحلة «التيه» الثانية ولم تخرج منها إلا مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي، حيث بادرت الجماعات الإسلامية المغربية إلى ملء الفراغ داخل الجامعة في محاولة منها لتعزيز قوتها ونفوذها من خلال مراقبة الحركة الطلابية. في هذا السياق، أعلن في مارس 1991 عن تأسيس فصيل طلبة «العدل والإحسان»، وفي فبراير 1992 عن تأسيس فصيل «الطلبة التجديديين» التابع لحركة الإصلاح والتجديد، هذا الفصيل الذي حمل بعد ذلك اسم «طلبة الوحدة والتواصل» لينتهي به الأمر إلى تشكيل «منظمة التجديد الطلابي». وفي سنة 1993، أعلن عن تأسيس فصيل طلبة «الميثاق» ذي الحساسية الإسلامية. إن التحدي الكبير الذي يواجه الحركة الطلابية في هذه المرحلة هو إعادة بناء هياكل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، من جهة، وعدم اعتراف الفصائل الطلابية ببعضها البعض، من جهة أخرى.