لماذا تبدو الدبلوماسية المغربية ضعيفة وتنهزم باستمرار؟ ولماذا يحس المغاربة بالغبن وهم يرون أن قضاياهم العادلة تعاني كثيرا في المحافل الدولية، بينما دبلوماسيات بلدان أخرى تحول قضاياها الخاسرة إلى قضايا عادلة؟ ولماذا يبدو المغرب ضعيفا أمام جيرانه وكأنه طفل يحبو بينما الآخرون ناضجون؟ هذه ليست أسئلة من برنامج «الاتجاه المعاكس»، بل أسئلة يطرحها المغاربة على بعضهم البعض وعلى أنفسهم كل يوم. إنهم حائرون ولا يفهمون لماذا لا يوظف المغرب أوراقا كثيرا في يده في مواجهة بعض جيرانه. على الحدود الشرقية، توجد الجزائر التي طردت سنوات السبعينيات عشرات الآلاف من المغاربة الذين كانوا يعيشون في الجزائر. ومنذ تلك الأيام المشؤومة، دخل المطرودون في صمت عميق ولم تظهر ورقتهم مطلقا في المحافل الدولية، بينما استمرت الجزائر تتصرف وكأنها هي المظلومة. لقد انتظر أولئك المطرودون قرابة 30 عاما، ليتحرك أخيرا من لا يزالون منهم أحياء من أجل المطالبة باعتذار من الدولة الجزائرية، المسؤولة المباشرة عن طرد لاإنساني بسبب خلافات سياسية مع المغرب. وقبل ذلك، خلال سنوات العشرينيات، قصفت إسبانيا شمال المغرب بأسلحة كيماوية فتاكة، وأصبحت مناطق واسعة من الشمال ملوثة بسموم كيماوية أصابت الكثير من السكان بالسرطان. ويمثل سكان الشمال اليوم 60 في المائة من مجموع المرضى بهذا الداء الخبيث، ومع ذلك فإن المغرب لم يحرك هذه الورقة مطلقا في وجه إسبانيا، وكأنه يخاف من شيء ما، فيما يقول البعض إن المغرب يفضل الصمت لأنه لو طلبت الرباط من مدريد أن تعتذر إلى سكان الشمال عن قصفهم بالأسلحة الكيماوية زمن الحماية، فيجب على الدولة المغربية أيضا أن تعتذر إلى سكان الشمال لأنها قصفتهم بالنابالم زمن الاستقلال. إسبانيا، التي تقول اليوم إنها تقف إلى جانب الصحراويين لأن الصحراء هي مستعمرتها السابقة ولها التزام أخلاقي معهم، لا تقف بالمطلق إلى جانب سكان الشمال، وهم أيضا سكان مستعمرتها السابقة، ولم تقم ببناء ولو مستشفى وحيد يؤوي مرضى السرطان الكثيرين الذين ينتظرون شهورا طويلة للعثور على فراش في مستشفيات الرباط والدار البيضاء. إنه نفاق إسباني مرعب، والأكثر منه نفاق المغرب الذي يخفي تحت إبطه كل الأوراق الرابحة أمام جيرانه فيبدو أضعف من الضعف. وبعد تلك الأسلحة الكيماوية اللعينة، جندت إسبانيا عشرات الآلاف من المغاربة، بينهم كثير من الأطفال، أغلبهم من منطقة الشمال، مستعمرتها وقتها، والذين قاتلوا بشراسة في الحرب الأهلية الإسبانية، ولولاهم لما انتهت تلك الحرب أبدا، وبفضلهم وصل فرانكو إلى السلطة وبقي فيها 40 عاما لأنهم حموا ظهره من أعدائه حتى بعد الحرب. أولئك المحاربون ظلوا يعيشون في بؤس مزمن، وأبناؤهم وأحفادهم يعانون اليوم من نفس المصير، وورقتهم ظلت غائبة بالمرة عن الدبلوماسية المغربية وكأنهم لم يوجدوا بالمطلق. وخلال الحماية الإسبانية على شمال المغرب، استنزفت إسبانيا كل المعادن الثمينة في المنطقة، كالحديد والنحاس والذهب وغيرها، وتركت المنطقة خرابا بعد خروجها، وظل الناس يتنقلون فيها بالحمير والبغال كما كانوا يفعلون قبل قرون. وقبل 400 سنة، كانت إسبانيا بطلة حملة رهيبة في حق ملايين الأندلسيين الذين تم طردهم من بلادهم لسبب واحد فقط، وهو أنهم مسلمون أو أن جذورهم مسلمة. لم يكن الأندلسيون، أو الموريسكيون، عربا وافدين أو غرباء عن شبه الجزيرة الإيبيرية كما تروج لذلك الدعاية الإسبانية، بل إنهم أبناء تلك الأرض الذين اعتنقوا الإسلام، ويكفي تذكر ما يقوله مؤرخون كثيرون حول أصول حكام الأندلس ومفكريها وشعبها، مثل عبد الرحمن الداخل الجرماني، وابن حزم النرويجي، وكثيرين غيرهم كانوا من أصول مختلفة، لأن الأندلس وقتها كانت مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية اليوم، يقصدها كل راغب في العلم والثروة والتقدم، قبل أن تدور الدائرة، ويتحول الأندلسيون إلى شعب شتات عبر العالم كله، و4 ملايين من أحفادهم يوجدون في المغرب اليوم، ومع ذلك لا أحد يتحدث عن مأساة الموريسكيين في مواجهة إسبانيا، باستثناء حديث خجول يظهر ويختفي، مع أن القضية الموريسيكية تمثل واحدة من أكبر المآسي الجماعية في التاريخ الإنساني. لا يوجد بلد في العالم يملك كل هذه الأوراق أمام جيرانه ومع ذلك تعتبر دبلوماسيته ضعيفة إلى حد القرف. إنه شيء محير فعلا.