رشيد عفيف في حزب الحركة الشعبية تطالب تنسيقية «الحركة بيتنا» بتنحي امحند العنصر؛ وفي حزب الاستقلال يطالب تيار «بلا هوادة» بتخلي حميد شباط؛ وفي التجمع الوطني للأحرار تتنامى الدعوات من أجل الإجهاز على المستقبل السياسي والحزبي لصلاح الدين مزوار؛ وفي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انشقاقات وأصوات معارضة ترتفع لتتهم ادريس لشكر بالإجهاز على ما تبقى من حزب المهدي بنبركة… قس على ذلك وضعية جل القيادات الحزبية عقب الانتخابات الجماعية والجهوية على الخصوص. لا يكاد يحظى زعيم حزبي برضى قواعده وإجماعها، ومحن الكثير من القيادات بدأت لتوها. صحيح أن بعض هذه المحن مرتبط بالظرفية الانتخابية ونتائجها التي لم تكن في مصلحة كثير من الأحزاب السياسية، إلا أنها تعكس، في الحقيقة، أزمة في التنظيم والكاريزما والمصداقية لدى هذه القيادات وتفضح مساراتها التي قادتها إلى رئاسة الأحزاب رغم كونها قيادات «منتخبة». الانتخاب هنا قد يفيد الاقتراع الذي يجري في مؤتمرات الحزب ويقود بعض الزعماء، بشكل ديمقراطي وقانوني، إلى رئاسة أحزابهم؛ ولكنه قد يعني أيضا «الانتقاء» الذي تمارسه الطبيعة عندما تقرر أن تقصي الضعفاء والمرضى والمهزومين نفسيا، وتفتح المجال واسعا أمام الأقوياء والانتهازيين والطموحين فقط، لأنهم قادرون على المواجهة ورفع الصوت والدفاع عن أنفسهم، بل وعلى مهاجمة الآخرين من الفئة الأولى. الأزمة التي تعيشها هذه القيادات الحزبية اليوم تفصح عن كونها منتقاة بالمعنى الثاني أكثر مما هي منتخبة بالمعنى الديمقراطي والمؤسساتي، والدليل أن هذه القيادات أصبحت في مواجهة قواعدها الحزبية عند أول اختبار أو فشل تتعرض له، في حين أن القواعد الديمقراطية تقضي بأن يحظى الزعيم الحزبي بمناصرة قواعده وأنصاره في مواجهة خصومه السياسيين وليتمكن من تجاوز عثرات وكبوات الحزب؛ والحال أنه بمجرد أن سقطت «صومعة» الحزب، سارع الأنصار والرفاق إلى صلب «الحجام» الذي يمثله زعيم الحزب. هناك، إذن، خلل واضح في مساطر انتخاب وإفراز القيادات الحزبية في منظومتنا الديمقراطية الفتية. الأمثلة الحزبية التي ذكرناها في البداية كلها دالة في هذا الإطار. لا يحظى أي واحد من هؤلاء القادة بدعم كامل من قواعده الحزبية، ولا بقبول ورضى المهتمين بالشأن السياسي من المواطنين العاديين. على سبيل المثال، من الصعب أن يقتنع المواطن المغربي اليوم بأن يترأس واحد من الزعماء السياسيين المذكورين الحكومة المقبلة. أكاد أجزم بأن أي استطلاع للرأي يمكن أن يثبت هذه الحقيقة الساطعة.. ارتباط هؤلاء القادة السياسيين بالناخبين والمواطنين في الدرجة الصفر، الدليل على ذلك الهزائم النكراء التي حصدوها في الانتخابات الأخيرة. بعض هذه الهزائم يمكن أن ينسب إلى الحزب، وبعضها لا يمكن أن ينسب، في الحقيقة، إلا إلى زعيم الحزب، فكم من «براقش» في مشهدنا السياسي تجني على «قومها». السؤال الذي يطرح نفسه، إذن: لماذا تصل دائما «براقش» إلى موقع القيادة الحزبية على حساب المناضلين والأكفاء؟ بروز القيادات الحزبية من فئة «براقش» على رؤوس الأحزاب السياسية انتصار ساحق للدولة التي عملت بجد واجتهاد منذ الاستقلال على إضعاف المؤسسة الحزبية من خلال التعددية السلبية، وضرب هذا التيار بذاك، واختراق هذا الحزب وصياغة مكتبه السياسي والتحكم في دواليب مؤتمره، وصناعة الأحزاب الإدارية، وغيرها من المؤامرات والمناورات التي أثبتت فعاليتها ونجاحها في تعطيل البناء الديمقراطي، ولا داعي إلى التذكير باستحالة هذا البناء في غياب هيئات حزبية قوية وفاعلة. وإذا كان هذا انتصارا للدولة، فهو هزيمة نكراء للسياسة والسياسيين الذين يفضلون التواري عن الأنظار والاعتزال والقبوع في مخابئهم في ظل صعود المحنكين والأرانب والديناصورات والمتسللين الذين يستطيعون الوصول في الوقت المناسب وتقمص الدور المثالي وتبليغ الرسالة المطلوبة. المصيبة أن الضجيج المثار حول كثير من هؤلاء القادة اليوم داخل أحزابهم لا يختلف عن ضجيج سالف يشبه كثيرا ذلك الضجيج الذي جاء بهم على رأس أحزابهم. وبمعنى آخر، فإن الثورة الداخلية التي تعيشها هذه الأحزاب ضد قياداتها، اليوم، تخطئ الطريق مجددا لأنها لا تطرح الأسئلة السليمة من أجل البحث عن الأجوبة الصحيحة، فجلها حركات تدعي أنها تصحيحية لكنها ليست سوى عملية انتقاء جديدة قد تفضي، في النهاية، إلى صعود زعماء و»براقش» جدد يسيئون إلى الحياة الحزبية ويجنون على هيئاتهم وتياراتهم.