وصف عبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق، الأجواء التي مرت فيها الانتخابات الأخيرة بالنزيهة والشفافة، رغم بعض النقائص التقنية التي لم تؤثر على العملية في مجملها. وأكد بعيوي، خلال استضافته في برنامج «مناظرات»، الذي تبثه إذاعة «إم إف إم» بشراكة مع يومية «المساء»، يوم الجمعة الماضي، أن مكتب الجهة سيشتغل على خلق بديل اقتصادي للتهريب، لافتا إلى أن المنطقة تتوفر على مؤهلات اقتصادية مهمة غير أنها تحتاج إلى استثمارات تجعلها تستغل الإمكانيات والثروات الباطنية التي تتوفر عليها. – الخطاب الملكي في افتتاح السنة التشريعية أكد أن الحياة السياسية لا ينبغي أن ترتكز على الأشخاص، وإنما يجب أن تقوم على المؤسسات. ما هي قراءتك لمضامين الخطاب الملكي؟ الخطاب الذي وجهه جلالة الملك في افتتاح آخر دورة تشريعية من عمر هذه الحكومة كان واضحا وشجاعا ووضع الأصبع على الداء. صاحب الجلالة يعطي مرة أخرى إشارة بشكل أكثر وضوحا، وذلك حتى نفهم إذا لم نكن قد استوعبنا الإشارات السابقة. فبغض النظر عن التأخر في تنزيل عدة قوانين تنظيمية خاصة أن الوقت لا يسمح لنا بمزيد من الانتظار، فالخطاب الملكي أشار إلى أن «الحياة السياسية ينبغي ألا ترتكز على الأشخاص وإنما يجب أن تقوم على المؤسسات، فالأشخاص كيفما كانوا فهم راحلون، أما المؤسسات فهي دائمة». اليوم أعتقد أن الأحزاب يجب أن تقوم بدورها بشكل جيد في تكوين السياسيين وألا تهتم فقط بالانتخابات، بل يجب عليها أن تبحث عن الأطر وأن تكون دائما جاهزة لكل المناسبات، على اعتبار أننا نرى اليوم أحزابا للانتخابات ولا تشتغل على مدار السنة لتخليق الحياة السياسية. أضف إلى ذلك أن سوء الخطاب السياسي ناتج عن غياب التكوين، واليوم هناك إشارة مباشرة للأحزاب لتقوم بدورها وتشتغل على تكوين السياسيين. – الخطاب الملكي وقف عند نقطة جوهرية تتعلق بالغرفة الثانية، والتي أكد أنها يجب أن تشكل فضاء للنقاش البناء والخبرة والرزانة والموضوعية بعيدا عن أي اعتبارات سياسية. هل النخب التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة ستكون في مستوى هذه الانتظارات؟ صراحة أرى أن هذه المؤسسة مجرد برلمان مكرر، وخطاب جلالة الملك كان واضحا وأكد أن هذا المجلس يتمتع بتركيبة متنوعة ومتعددة التخصصات. لكنني أعتقد أن هذه المؤسسة لم تنتج ما ينتظره المواطنون والنخب، والحال أنه يجب تغيير طريقة تشكيله. – بالنظر إلى تجارب بعض الدول، ومنها بريطانيا، فالغرفة الثانية تتكون مجموعة من الحكماء الذين لديهم معرفة بالسياسة وعدد من المجالات. أليس الأصل في هذا المجلس أن يكون مؤسسة للتفكير والنقاش العميق؟ أعتقد أنه يجب إعادة النظر في طريقة تشكيل هذا المجلس، وأن يخضع أعضاؤه للتعيين، على اعتبار أن دوره لا يتمثل في الرقابة والتصويت بل نريده أن يضم كفاءات من جميع المجالات، لأنه في التجارب الدولية، ومنها بريطانيا، فالملكة هي التي تعين الأعضاء. أضف إلى ذلك أنه يحمل اسم مجلس المستشارين، وبالتالي فإنه تتم استشارته في الملفات الاقتصادية ومجالات المال والأعمال والسياسة ومختلف القضايا. هذه خطوة أولى، ونتمنى أن يكون لدينا مجلس في مستوى أعلى مستقبلا. – الملاحظ هو أن مجلس المستشارين في التجربة السابقة أسس لمبادرة اللجوء إلى مؤسسات الحكامة كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمنافسة. ألن تكون الغرفة الثانية تكرارا لهذه المؤسسات؟ مجلس المستشارين يجب أن يشكل غرفة لتنسيق وتجميع آراء المؤسسات الأخرى، وأن يكون لأعضائه خطوات استباقية على مستوى الخبرة وجمع المعلومات وهو ما أتمنى أن يتم تفعيله مستقبلا. – الملك أكد أن الصورة التي تبقى في ذهن المواطن ترتبط بالصراعات والمزايدات بين الأغلبية والمعارضة. كفاعل سياسي جهوي، كيف ترون في حزب الأصالة والمعاصرة هذه الصراعات المسيئة للحياة السياسية؟ هذا الصراع موجود، لكن بالنسبة إلينا في الأصالة والمعاصرة لا نصل إلى حد التجريح والسب والقذف، فهناك منافسة شديدة لكن بدون سب أو كيل الاتهامات. أعتقد أن ما يقع اليوم قد يكون عابرا، خاصة أمام ما نسجله من انفتاح وسائل الإعلام على الحياة السياسية والاهتمام المتزايد للمواطنين، وهو ما جعل المنافسة الشرسة تتم عبر الإعلام في حين أن المنتوج الذي يكون في مستوى عال داخل اللجان البرلمانية لا يتم تسويقه. وأظن أن هذه الأمور سنتجاوزها مستقبلا، لأن صبر المواطنين سينفذ. – الملك أوضح أيضا أن المغاربة أًصبحوا أكثر نضجا في التعامل مع الانتخابات، وأكثر صرامة في محاسبة المنتخبين على حصيلة عملهم. أليس «البام» معنيا بهذا الخطاب؟ الكل معني، لكن بدرجات متفاوتة. فمثلا في جهة الشرق نحن في تواصل على مدار السنة مع المواطنين ونحاول خلق مؤسسة حزبية بالمناضلين والمناضلات لنصل إلى نتيجة، على اعتبار أن الساكنة تثق في برنامجنا وراضية عن العمل الذي نقوم به. في الجهة الشرقية كان لدينا اكتساح على مستوى الجماعات والمجالس الإقليمية والجهة، بفضل عمل من القاعدة امتد منذ الانتخابات التشريعية ل2011 ولازلنا مستمرين في هذا العمل. – الخطاب الملكي سجل رفض البكاء على الأطلال والاتهامات الباطلة الموجهة للسلطات المختصة. كيف ترون تضارب المواقف بين السياسيين بشأن هذه الانتخابات، خاصة أن الأمين العام لحزب سياسي خرج مؤخرا ليشكك في انتخابات مجلس المستشارين؟ هذا المشكل يرتبط بالتكوين داخل الأحزاب، واليوم نفقتد رجالات الدولة الذين يتميزون بالرزانة. الأمين العام للحزب يجب أن يكون قدوة من خلال طريقة حديثه وخطابه وأن يعمل على خلق التوازن لكنه عندما يخرج للحديث بتلك الطريقة، فماذا ننتظر من باقي أعضاء حزب؟ اليوم تجد وزيرا في الحكومة يقول بأن الانتخابات مرت في أجواء نزيهة وشفافة، لكن يخرج قيادي من نفس الحزب يشكك في الاستحقاقات. أعتقد أنه إذا كان حزب في الحكومة يتحدث عن مثل هذه الأمور، فلن نعيب على أمين عام حزب في المعارضة حديثه عن هذه الأمور بل إنه سيقول أكثر من ذلك. – كيف تقيمون في حزب الأصالة والمعاصرة الانتخابات الأخيرة؟ بحكم ما جرى في الجهة الشرقية وأيضا على الصعيد الوطني، فهذه الاستحاقاقات كانت في المستوى ونزيهة وشفافة وأقول هذا حتى وإن كنا في المعارضة. طبعا نسجل بعض النقائص المرتبطة بكون الحكومة ربما لم تكن جاهزة للتحضير للانتخابات، لكنها تبقى أمورا تقنية تتعلق بالتسجيل في اللوائح والتشطيب واللوجيستيك، ولم تكن هناك نية للتلاعب، وهذا بشهادة منظمات وطنية ودولية. غير أن من يخسر الانتخابات لا يجب أن يبكي، فنحن لم ننجح في جميع المحطات لكننا كان لدينا نفس الموقف ولم نكل الاتهامات بل سجلنا فقط قليلا من سوء التدبير، ونتمنى أن يتم تداركه مستقبلا. – لماذا غابت قضية الصحراء عن برامج الأحزاب السياسية، والحال أن نسبة مشاركة سكان الأقاليم الجنوبية كانت مرتفعة، وإلى أي حد يمكن للجهوية أن تساهم في تحسين حياة المواطنين وتغيير بعض القناعات؟ رغم إشارتكم إلى إغفال السياسيين وقادة الأحزاب، في خطاباتهم وبرامجهم، لهذه النقطة، فإن الجواب جاء سريعا من الصحراء المغربية حيث كان هناك تجاوب من المواطنين عبر كثافة المشاركة في الانتخابات الأخيرة، وكانت إجابتهم هو أنه باستطاعتهم تقرير مصيرهم بيدهم دون الحاجة إلى أحد. نوع النخبة التي أفرزتها هذه الجهات لها ما يكفي من القدرة والكفاءة لتسير بها نحو غد أفضل، وهذا نداء للإخوان المغاربة المحتجزين الذين لو وجدوا فرصة للهروب فسيفرون. – هل ترى أن المدخل الاقتصادي والتنموي سيكون بابا لحل المشكل بعيدا عما هو سياسي؟ في المرحلة السابقة كان المواطن بصفة عامة يتحدث عن الدولة التي يتم الاتكال عليها، لكن، اليوم، بهذا المفهوم الجديد وبالصلاحيات التي أعطيت فالجهات يجب أن تسير نفسها بنفسها ولم يبق لنا الحق للقول بأن الدولة لم تفعل شيئا. البديل اليوم هو اقتصادي وليس سياسيا، وإذا استطاعت هذه الجهات أن توفر ظروفا للعيش للسكان فلن يبحثوا عن أي شيء آخر، بل إن ذلك سيكون كافيا للاستقرار وتقرير المصير، وهذه النخبة التي أفرزتها الانتخابات يجب أن تكون قادرة على القيام بهذا التغيير وكفى من الاتكال على الدولة. يجب أن نوفر الإمكانيات بما نتوفر عليه، صحيح أن هناك تفاوتا بين الجهات لكن هناك صندوقا للتضامن بين الجهات وليست لدينا حجة للحديث عن الدولة، بل إن الدستور الجديد وفر للجهات والمنتخبين فرصة لتسييرها بيدهم، وعليهم فقط أن يبدعوا. – الخطاب الملكي تحدث أيضا عن مجموعة من المؤسسات التي لم يتم تفعيلها. هل تتوقع أن يتم إخراجها إلى حيز الوجود خلال سنة؟ الخطاب الملكي أعطى دفعة قوية وكلاما واضحا، ويجب على الإخوان أن يشتغلوا ليل نهار لإخراج هذه المؤسسات والقوانين التنظيمية. أعتقد أنه ما كان علينا أن ننتظر الخطاب الملكي لينبه إلى هذه الأمور، لكن مع الأسف اضطر صاحب الجلالة إلى التنبيه إلى هذا التأخر والتأكيد على ضرورة استكمال الورش التشريعي والمؤسساتي خلال هذه السنة، وهذا أمر ممكن لكن اعتمادا على مسألة مهمة أشار إليها صاحب الجلالة وهي التوافق. – أي درس يمكن التقاطه من الخطاب الملكي الذي أشار إلى مسألة التوافق أكثر من مرة، ودعا إلى الابتعاد عن التوافق السلبي؟ ما تبقى على مستوى تنزيل الدستور يجب أن ينتهي هذه السنة، وإلا فسنكون أمام أزمة دستورية، خاصة أننا على بعد سنة من الاستحقاقات المقبلة. – كرئيس جهة شاب، ألا يطرح لك عامل السن إشكالا على مستوى تسيير الجهة؟ صراحة كانت هناك استجابة لخطاب ملكي منذ عشر سنوات، والذي دعا الشباب للانخراط في الحياة السياسية، ولست وحدي بل هناك نخب كثيرة خاصة في حزب الأصالة والمعاصرة. ففي الانتخابات الأخيرة كان هناك 80 في المائة من برلمانيي الحزب تقل أعمارهم عن 45 سنة، وبالتالي فهناك تفاعل حزبي وشبابي. وحتى على مستوى الجهات فرئيس جهة بني ملال من مواليد 1973 ونفس الشيء بالنسبة لرئيس جهة الرباط وأيضا سي مصطفى الباكوري وإلياس العماري. – هل معركة التنمية مرتبطة بالخبرة السياسية أم بالقدرات التدبيرية؟ الجهة بحاجة إلى رجل ميدان، الذي لا يغفل الأمور السياسية لكن يتوفر على محيط ومستشارين من السياسيين المحنكين حتى لا يبقى منغمسا في ما هو تدبيري. وأعتقد أن الرئيس الذي لم يسير مقاولة لا يمكن أن يسير جهة أو حكومة، وهذه تجربة موجودة في عدد من البلدان. – هذا يعني أن المنتمين لقطاع التعليم مثلا ليس باستطاعتهم الترشح. ربما مكانهم في ميدان آخر، فالحكومة لا يشتغل فيها رئيس الحكومة لوحده بل هناك أعضاء ويمكن منح الصحافي حقيبة وزارة الإعلام والمهندس وزارة التجهيز والأستاذ الجامعي وزارة التعليم، لكن بالنسبة لرئيس الحكومة فيجب أن يتوفر على بروفايل رجل التسيير والمقاولة. هذا الأمر سيتضح في السنوات المقبلة على مستوى الجهات، وسنرى مستوى التقدم الذي ستعرفه الجهات التي يوجد على رأسها مسيرون ومن يوجد على رأسها سياسيون، فمن لا يتوفر على تجربة في ميدان التسيير لن يستطيع السير بجهته إلى الأمام. – ما هي أهم خصوصيات الجهة الشرقية، التي تضم عاصمة الجهة وجدة إلى جانب الناظور والدريوش وجرادة وفكيك وكرسيف وتاوريرت وبركان؟ على مستوى المساحة الجغرافية، فهي ثاني أكبر جهة بعد جهة العيون. بحكم تجربتي في الجهة الشرقية كرجل أعمال ومقاول فذلك ساعدني كثيرا، إذ اشتغلت في مختلف هذه الأقاليم وأعرفها دوارا بدوار نظرا لمشاريع فك العزلة عن العالم القروي ونعرف خصوصية كل منطقة. هذه المناطق غنية لكن ثروتها غير ظاهرة، فإقليم بوعرفة-فكيك خاصيته هو أنه الأول على الصعيد الوطني في إنتاج اللحوم الحمراء لكن هذا القطاع لم تعطى له الأهمية التي يستحقها. أبسط شيء هو توفير الماء، فهناك مناطق في المغرب تستثمر فيها الملايير لبناء السدود، والحال أنه لو تم منح 100 مليون درهم لاستطاعت الساكنة بناء نقط المياه بشكل يضمن لها الاستقرار، وهو ما لم تنتبه إليه الحكومة. أول نقطة سنشتغل عليها في الجهة ترتبط بخلق نقط الماء، وقد عقدنا اجتماعات حول هذا الملف. – هل هناك دراسات سابقة حول هذا الموضوع؟ فقط خلال السنتين الأخيرتين تم بناء سدود صغيرة جدا، فالسكان ليسوا بحاجة إلى سدود كبيرة وسنشتغل على ملف النقط المائية. أضف إلى ذلك أنه مادامت المنطقة تحتل الصدارة في إنتاج اللحوم، فيجب إنشاء مجزرة كبيرة حتى لا يضطروا إلى نقل لحومهم إلى المناطق الداخلية حتى يخفضوا مصاريف النقل. أعتقد أن هذه الجزئيات لا يتم الانتباه إليها لكنها تخلق الفرق في التنافسية، فاليوم التنافس في العالم يتم حول سنتيم واحد وليس على درهم، حيث يمكن تغيير موزع بسبب فرق لا يتجاوز سنتيما واحدا. – ماذا عن باقي مناطق الجهة؟ تحدثت فقط عن إقليم واحد، والحال أن فكيك، مثلا، معروفة بالواحات وجميع الظروف متوفرة لنكون أكبر منتجي التمور. المياه متوفرة لكن السدود غير متوفرة، وبالتالي ليس باستطاعتنا الولوج إليها. لقد التقيت مع خبير ألماني أجرى دراسات في المغرب حول الماء، وأكد لي أن المنطقة الشرقية تتوفر على فرشة مائية كبيرة إلى درجة أن بعض المناطق يمنع فيها إحداث أثقاب مائية بسبب قوة ضغط الماء ووفرته وطبعا هناك مناطق أخرى تعرف خصاصا، فالكنز موجود لكن استكشافه يتطلب إمكانيات مهمة حتى نصبح أغنياء. منطقة تاوريرت يمكن بدورها أن تكون منطقة فلاحية تكمل مدينة بركان، فالأخيرة تتوفر على إمكانيات مهمة لكن الإشكال يرتبط بتسويق المنتوج وهو ما سنشتغل عليه. هناك فعلا عدد من الفلاحين الكبار، بيد أن أغلب الفلاحين صغار ولا يستطيعون تسويق منتوجاتهم ويعيشون أزمة، وبالتالي فهاجسنا هو التسويق والتصنيع. أكثر من ذلك فالمنطقة الصناعية في بركان لا تستغل بشكل جيد، لأنه لا يمكن تشجيع الاستثمارات في الوقت الذي يبقى سعر الأراضي مرتفعا. بالنسبة للناظور يمكن أن تكون مدينة صناعية بامتياز، إلى جانب مارتشيكا التي تبقى منطقة سياحية مكملة للسعيدية. – في جهة الدارالبيضاء، مثلا، نلاحظ وجود مواكبة إعلامية لمختلف المشاريع، وفي المقابل تغيب مشاريع مهمة في المنطقة الشرقية عن الإعلام. ماذا ستفعلون لتسويق جهتكم داخليا وخارجيا؟ هذا هو دور الجهة بمفهومها الجديد، فمن قبل كنا نعول على ما هو مركزي والحال أنهم تم التركيز على الدارالبيضاءوالرباط، ولولا مبادرات والمشاريع التي أطلقها صاحب الجلالة على مستوى عدد من المناطق ومنها طنجة مثلا لما وصلت إلى هذا المستوى. من قبل كنا ننتظر الحكومة أو الدولة لتسوق الجهة وهذا غير ممكن لأنها تروج ما هو موجود وليس ما سيأتي من مشاريع، وعليه فدورنا سيركز على هذه النقطة. هنا أشير إلى مدينة السعيدية وتافوغالت تتميز بمؤهلات جبلية وغابوية بامتياز إلى جانب منطقة عين بني مطهر وتندرارة الصحراوية، وهو ما يجعل هذه الجهة تعرف تنوعا في المنتوج السياحي. سنشتغل على جعل الناظور منطقة صناعية بامتياز، خاصة مع إنشاء ميناء «ميديست» الذي سيكون الأكبر في البحر الأبيض المتوسط. أعتقد أن هناك تنوعا في الإمكانيات الاقتصادية، ومستقبلا ستكون منطقة الشرق منافسة للجهات الأخرى. وسندعم تميز منطقة بوعرفة-فكيك على مستوى الواحات وتربية المواشي، إلى جانب الاشتغال على دراسة تحيينية لمنطقة جرادة لنرجع لها ماضيها كقاطرة في إنتاج المناجم، وهو السبيل الوحيد لخلق فرص الشغل. بالنسبة للدرويش فهي تشكل ممرا بين الناظور وكرسيف وتاوريرت وستسفيد بدورها. الإشكال الكبير يرتبط بمدينة وجدة، فصحيح أن المنطقة الشرقية برمتها حدودية، لكن التأثير السلبي يهم أساسا وجدة نظرا لإغلاق الحدود. – هل إغلاق الحدود أثر بشكل كبير على القطاع السياحي؟ أعتقد أن المسألة مرتبطة بالتهريب، وإن كنت أفضل عدم استعمال هذه الكلمة لأن الأمر يشكل مصدر لقمة عيش بالنسبة إلى عدد المواطنين، والتهريب بالنسبة إلي مرتبط بالمخدرات. – صحيح أنه يشكل مصدر رزق، لكنه وجه ضربة للاقتصاد المغربي. هل يمكن الاشتغال على نموذج اقتصادي وتنموي بديل؟ دورنا هو خلق بديل للتهريب، من خلال التكافل والتعاون بين هذه الأقاليم. صحيح ينتظرنا عمل كبير لكننا سنمر مباشر إلى العمل، فالدراسات موجودة وتم إعدادها من طرف مكاتب دولية، لكن لم يتم تفعيلها بسبب غياب الإمكانيات أو بسبب الوصاية التي لم تترك الجهة تبادر. – هل ستشتغلون بمنطق الخاسر والمنتصر أم في إطار من التعاون؟ سنشتغل في إطار التوافق الذي تحدث عنه صاحب الجلالة، وهذا الأمر بدأ منذ أول يوم في دورة مجلس الجهة، ومن ذلك النقاش الذي دار حول النظام الداخلي إذ تم إشراك الجميع وخلقنا لجنة تضم تمثيلية جميع الأحزاب لإخراج نص توافق عليه الجميع، وهو نفس المنطق الذي سيحكم العمل القادم على مستوى اللجان وذلك للدفع بجهتنا إلى الأمام. أعتقد أننا سنكون جميعا في المعارضة عندما يتطلب الأمر ذلك وفي الأغلبية عندما يكون هناك توافق ومصلحة البلاد. – الجهة الشرقية تتوفر على خزان بشري مهم على مستوى الجالية المقيمة في الخارج. ألا تفكرون في استقطاب هذه الكفاءات؟ النقطة المرتبطة بالجالية موجودة في برنامجنا وإن كنت أفضل الحديث عن العمل والمخططات. نحن لا نرى في جاليتنا عملة صعبة بل نريدها أن تندمج ونستفيد من كفاءاتها ونفتح لها الباب، وأؤكد أن أبناء الجالية مرحب بهم وأدعوهم إلى الاستثمار والباب مفتوح. أفراد الجالية «كايتكرفصو بزاف» واهتمام صاحب الجلالة بهم لم يأت من فراغ، إلى درجة أننا فكرنا في خلق هيأة على شاكلة مغاربة الجهة الشرقية، وسنقوم بزيارات إلى جميع الدول التي يوجدون فيها لندمجهم. كبرلماني طرحت عدة مرات أسئلة على الوزراء في هذا الشأن، فأفراد الجالية عندما يعودون يجدون مشاكل في النقل وثمن التذكرة يوازي جولة عبر العالم، وقد صادفت سيدة رفقة أبنائها قالت لي بحرقة إنها أدت 12 ألف درهم عن كل فرد ذهابا وإيابا، وبالتالي على الخطوط الملكية المغربية أن تعيد النظر في هذه المسألة. – ماذا ستفعلون كرئيس جهة؟ إذا لم تكن «لارام» مستعدة لإعادة النظر في سعر التذاكر فإننا سندخل شركات طيران أخرى للاشتغال في الجهة الشرقية. صحيح أن الخطوط الملكية المغربية لها الأولوية، لكن ليس على حساب الجالية. هذه النقطة خط أحمر، لأن ما يقع على مستوى التذاكر منكر على اعتبار أنه يتم استغلال حنين المغاربة لزيارة بلدهم ويضطرون لأداء التذاكر بأي ثمن وهذا ما نرفضه. – هل يمكن أن تبرموا شراكات مع وزارة الجالية ومجلس الجالية؟ نحن مستعدون لذلك. لقد وزعنا العمل داخل المكتب ليتكلف كل واحد منا بقطاع معين ونتفادى الفوضى، وذلك حسب كفاءات. هناك من سيتكلف بالشراكات والاستثمارات وسيحاسب على حصيلة عمله، وهناك من هو مكلف بالقطاع المالي للبحث عن التمويلات نظرا إلى أن الجهة لها الحق في البحث عن سبل تمويل مشاريعها والانخراط في شراكات مع مؤسسات دولية. – في إطار الحديث عن الشراكات، أي دور ستلعبه الجهة الشرقية على مستوى العرض السياحي المغربي تجاه الجزائر؟ هذه نقطة مهمة، وما يجمعنا مع الجارة الجزائر ليس فقط ما هو اقتصادي محض بل ما هو إنساني أكثر مما هو اقتصادي. فهناك عائلات في الضفتين وأمهات لديهن أبناء في المغرب والجزائر، بل هناك عائلات تشتت شملها وإن كانوا يتواصلون لأن الحدود لم تغلق في وجههم، لكن ليس بالطريقة التي نريد، بل هناك من توفيت أمه وذهب بطريقة سرية عبر الحدود لحضور جنازتها. لهذا أناشد الأشقاء الجزائريين فتح الحدود التي تعد آخر الحدود المغلقة في العالم، والحال أنها مفتوحة بين الكوريتين. وقد كان الرئيس الجزائري بوتفليقة أكد في خطابه الأول بعد توليه رئاسة الجزائر أن ابنة شقيقته تؤدي ثمنا مرتفعا عند قطعها للحدود، وهذا المشكل كان يعرفه. الإخوة الجزائريون يجب أن يعلموا بأن المغرب يريد أن يفتح الحدود ليس فقط من أجل ما هو اقتصادي، فهذا الجانب سيتم التعامل معه بمنطق رابح-رابح، لكن ما هو إنساني استفادته لا تعوض. – أي دور ستلعبونه في العلاقة مع الجزائر انطلاقا من هذه المحددات الإنسانية؟ هذا الموضوع مهم جدا، فجهة الشرق تحتضن أكبر جالية أجنبية وهم إخواننا الجزائريون الذين يقدر عددهم بأكثر من 20 ألف شخص. أول شي يمكن أن نشتغل عليه هو إشراك هذه الجالية التي ستكون خير سفير ورافعة لهذا التحدي، والحال أنها تحتاج إلى يوم كامل للسفر نحو الدارالبيضاء ومنها إلى الجزائر العاصمة وبعد ذلك رحلة إضافية نحو تلمسان أو غيرها من المدن، في حين أن السفر قد يستغرق ساعة انطلاقا من وجدة. سنفكر أيضا في الإخوان الذين شاركوا في تحرير الجزائر ولازالوا على قيد الحياة، لأن لهم علاقات مباشرة مع قيادة جبهة التحرير الجزائرية ولهم أصدقاء في سلطة الحكم. ربما هذا اللوبي المغربي إلى جانب اللوبي الجزائري الذي لديه تعاطف سنحاول من خلالهما الدفع ليكونوا فاعلين في تقريب وجهات النظر. كما أن الباب مفتوح أمام الإخوان الجزائريين للاستثمار في الجهة الشرقية ولهم جميع الضمانات القانونية والأمنية، لكن يجب رفع المستوى لأن ساكنة الجهة أدرى بإشكالية الحدود. – بالعودة إلى موضوع الاستثمارات، ما هو تصوركم لخلق قطب صناعي في الجهة الشرقية على غرار ما نجده اليوم في طنجة والقنيطرة مثلا؟ بالنسبة إلى الناظور نراهن عليها لتكون منطقة صناعية، على اعتبار أن الميناء المتوسطي سيكون قاطرة لجلب الاستثمارات الكبرى. وبهذه المناسبة لدينا سفر إلى كوريا للقاء مسؤولي شركة «سامسونغ» لتقديم عرض مغر. فبما لنا من خبرة وعلاقات، فإننا لن نقصر وسنطرق جميع الأبواب. كما أن المستثمرين المتحدرين من الجهة الشرقية أو خارجها هم مرحب بهم. – ما الذي يدفع مستثمرين من الجهة الشرقية للتوجه نحو مناطق أخرى؟ المناخ غير متوفر، فمثلا في القطب الصناعي لوجدة أو القطب الفلاحي لبركان، الوعاء العقاري يصل سعره إلى 600 درهم للمتر مربع، وفي جهات أخرى يتمنون فقط مجيء المستثمرين. سيكون لدينا يوم غد الثلاثاء لقاء مع المستثمرين لأن هذا المشكل يجب أن يحل، فشركة «ميد زاد» إذا لم تقم بإعادة النظر في أسعار العقار فإننا سنشيد أراضيها عقارات بسعر لن يتجاوز 100 درهم للمتر المربع ونخلق لها منافسا. هذه الأرض أٌقيمت بمبادرة من صاحب الجلالة لتشجيع الاستثمارات وليس بغاية الربح. – بمعنى أن المعيق الأساسي للاستثمارات مرتبط بالبنية التحتية والمواصلات كيف يمكن تشجيع الاستثمارات والسياحة والحال أنه لدينا رحلة واحدة نحو مدينة وجدة؟ المستثمر الذي سيأتي من روسيا أو إنجلترا يجب أن يأتي إلى الدارالبيضاء وينتظر إلى حدود الواحدة صباحا لكي يستقل الطائرة نحو وجدة، في حين أن لديه ساعتين أو ثلاث لقضاء أغراضه والعودة إلى بلده، وليس أن نطلب منه الانتظار إلى اليوم الموالي. أعتقد أن الجهة الشرقية كان ينظر إليها كمغرب غير نافع، فآخر رحلة جوية ليلا هي التي تذهب نحو وجدة وهذه ليست هي الطريقة التي سننمي بها المنطقة. هذه الأمور سنشتغل عليها، وإذا لم تكن الخطوط الملكية مستعدة فسندخل فاعلين جددا. – ما هي الإمكانيات المالية التي تتوفرون عليها؟ حصتنا كجهة سنحصل عليها كباقي الجهات ولا نقاش في ذلك. ما نحتاجه هو دعمنا وألا تتم عرقلتنا في حال رغبتنا في تنمية القطاع السياحي أو إدخال شركات جديدة في المجال الجوي. نحن لا نطالب بشيء بل فقط عدم العرقلة والتعقيدات الإدارية، أما بالنسبة لثروتنا فهي متوفرة لدينا. – بالنسبة للموارد المالية التي ستنتقل من 2 مليار درهم إلى 10 مليارات درهم هل سيتم تحويلها حالا أم بشكل تدريجي؟ بالنسبة إلى الموارد المالية فهي نفسها التي كانت تمنح من قبل ولم يضف أي شيء، والحال أن الجهات كانت تعرف تفاوتا. اليوم، المشاريع التي كانت تنجز من طرف المركز سيتم تحويلها للجهات، وعلى الأخيرة تخلق الثروة بنفسها وألا تعول على المركز. أما بالنسبة للميزانية فتبقى عادية، لأنه بعد توزيعها على الجهات لا يمكن أن تطلب من وزارة التجهيز، مثلا، تشييد الطرق. طبعا على مستوى الجهوية ستكون هناك تنافسية ولن تسمح أي جهة بوجود تفاوتات. – ألم تكن الجهة الشرقية محظوظة لوجود وكالة إنعاش هذه المناطق؟ هذه الوكالة لم تحصل على سنتيم واحد منذ سنتين. طبعا بعد انطلاق الجهوية الموسعة، فهذه الوكالات ستصبح متجاوزة على اعتبار أن النص القانوني يؤكد على أن كل جهة ستكون لديها وكالة لتنفيذ المشاريع. – في إطار الحديث عن الاستثمارات، أقدم بعض المنتخبين على رفع دعوى قضائية ضدك بشأن وجود تنافي بين وضعك كرئيس جهة وعملك كمقاول. هل من توضيح بخصوص هذه الدعوى؟ القانون واضح، فالرئيس لا يجب أن تكون لديه امتيازات في الجهة التي هو آمر بالصرف فيها. أولا، ليس لدي أي مشروع مع الجهة سواء من قبل أو من بعد، وثاني شيء لدي مقاولة وطنية وقمت بإجراءات قانونية احترازية في ما يخص الشركة الموجودة في الجهة الشرقية، حيث لم يبق لدي أي أسهم فيها. اليوم، أقول للإخوان بأنني قمت بهذه الخطوة كإجراء احترازي، وليس لدي أي امتياز أو مأذونية أو رخصة أو أي مشروع مع الجهة الشرقية. – تضارب المصالح غير مطروح بالنسبة لك؟ غير مطروح، بل إنني سأضحي خلال السنوات الست القادمة من أجل الجهة الشرقية والإخوان يعرفون بأني غيرتي على المنطقة هي التي دفعتني لذلك. فهناك مصالح شخصية تركتها بغرض خدمة جهتي، وقد كانت لي تجربة برلمانية دفعتني لمواصلة هذا التحدي. كنت دائما أقول بأنه إذا لم نرفع مستوى الفعل السياسي بأنفسنا فلن نتقدم، ففي السابق كان البرلماني يفوز ب3000 صوت فقط والآن قد يحصل المرشح على 10 آلاف صوت ولا يفوز بمقعده. شخصيا أؤمن بقدرات الجهة الشرقية، ففي إقليم بوعرفة-فكيك جاءت شركة تنقب عن المناجم وكانت تقوم بنقل التراب من هذه المنطقة، ولم يتم اكتشاف أنها استخرجت ما قيمته 200 مليون درهم إلا بعد مرور سنتين. – كيف لك كمقاول أن تترك مشاريعك وتذهب للاشتغال في الجهة مقابل تعويض هزيل؟ بالنسبة إلي، فقد تنازلت عن هذا التعويض في أول يوم. طبعا بالنسبة إلى موضوع التعويضات أعود للمسألة التي طرحتها في البداية المتعلقة بضرورة وجود مسير على رأس الجهة، فلا يمكن لشخص لم يسبق أن وقع شيكا بقيمة 1000 درهم أن يوقع اليوم شيكا تصل قيمته إلى 100 مليون درهم أو أكثر. – بماذا تعد أبناء الجهة الشرقية خلال سنتين؟ أعدهم بأن تكون الإرادة ونضع اليد في اليد وأن يكون عملنا مخلصنا وننسى القبعات السياسية. عند وصول الاستحقاقات الانتخابية فالعمل هو الذي سيحكم والمواطن سينقطنا، لكنني أعيد وأحذر من العراقيل لأنني لن أقبلها. – هل التجربة السابقة تثير لديك مخاوف في هذا الشأن؟ فعلا، هناك تجارب من هذا الشأن، ففي بعض الأحيان تطلب أشياء بسيطة ولا تستطيع الوصول إليها. بالنسبة إلي كرئيس جهة فالمستثمر سأسأله عن مسألتين هما قيمة الاستثمارات التي سيأتي بها وعدد مناصب الشغل التي سيخلقها، وآنذاك سأوقع له على بياض وسيصبح مكتبي كشباك وحيد. أنا ضد خلق مدينة حدودية جديدة – الآن انتقل الأمر بالصرف من يد الوالي إلى رئيس الجهة. كيف ترون العلاقة مع الوالي؟ في جهة الشرق إشكالية العلاقة مع العمال والولاة لن تكون مطروحة، فقد سبق لي أن تعاملت مع عدد منهم. فلست رئيس جهة جاء ليتسلط على الولاة والعمال بل إننا سنشتغل كفريق، لأنهم لن يسهروا فقط على احترام القانون بل على إعداد المشاريع والتنسيق مع الجماعات والقطاعات الحكومية ولن أجعل الوالي خصما لي. أعتقد بأنه إذا كانت لدي النية ليكون شريكا لي فلن يكون هناك مشكل، لكن إذا كانت هناك نية لأكون «شاف» على الولاة والعمال فسيطرح الأمر مشكلا، والحال أننا سنشتغل معهم كشركاء. – كيف ترى فكرة خلق مدينة حدودية جديدة التي طرحها عمر احجيرة؟ أنا ضد هذه الفكرة، لأن تخصيص أرض ومنحها لشركة تابعة للدولة سيؤدي إلى القضاء على المنعشين العقاريين. والمسألة الثانية هو أن وجدة لم تصل إلى مرحلة قد تدفعنا إلى خلق قطب حضاري جديد، والحال أنه يجب خلق حركية قوية. أعتقد أننا لسنا مقبلين على استقطاب اللاجئين حتى نسارع إلى تشييد مدينة جديدة.