قال جمال البنا إن الجدل الذي تثيره أفكاره ومواقفه واجتهاداته الفقهية في العالم الإسلامي ليس مردها طبيعة هذه المواقف، وإنما الفهم الذي ترسخ في العقول عن الإسلام طيلة قرون، وأقوال العلماء والفقهاء التي أصبحت حاجزا بين العقل الإسلامي وبين القرآن. وانتقد البنا طريقة التعاطي مع الإسلام في العصر الحديث، ودعا إلى فتح باب الاجتهاد والحرية الفكرية لإحداث نهضة إسلامية في العصر الحديث، وقال في حديث مع «المساء» إنه صاحب مدرسة فقهية وفكرية موجودة في العالم الإسلامي كله. في ما يلي ننشر الحوار على حلقات. - البعض يقول إن موقفك هذا من الحجاب في الإسلام هو موقف شاذ وينتمي إلى الأقلية، لأن هناك إجماعا بين الفقهاء والعلماء على شرعية الحجاب، ما رأيك؟ لا يهمني مطلقا إجماع الفقهاء «وإِن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله»، فلا تهمني الأكثرية ولا يهمني العلماء - ولكن النبي عليه السلام يقول: «لا تجتمع أمتي على ضلالة»؟ يا سيدي من قال إن هناك إجماعا؟ ومتى حصل هذا الإجماع؟هل أنت الذي جمعت 004 مليون مسلم؟ لا تدع الألفاظ تخدعك عن الحقائق، لأن هذا راجع إلى أنك لا تستخدم عقلك، لو استخدمت عقلك وفكرك لاستبان لك الأمر. - هل تعتبر الإجماع مؤسسة دينية رسمية أكثر من أنها حقيقة دينية وتاريخية؟ كل هذا كلام فارغ لا قيمة له، فنحن نعبد الله عن طريق القرآن الكريم وليس عن طريق الإجماع ولا الأمة، ولا كان هناك إجماع، واكتب هذا وقل إن جمال البنا يقول كذا وكذا، فالإجماع لم يتحقق أبدا كتشريع، وإن كان هناك إجماع فهو السنة العملية، مثل الصلاة مثلا، فالرسول مثلا قال:«صلوا كما رأيتموني أصلي»، والمسلمون صلوا وراءه، وأجمعوا على هذا، كل الصحابة أجمعوا على هذا، والتابعون أخذوا عن الصحابة، وتابعو التابعين وهكذا، فهذا إجماع على سنة عملية وليست قولية، أما الإجماع على نص تشريعي أو حكم فهذا لم يوجد مطلقا، وأحمد بن حنبل قال «من ادعى الإجماع فقد كذب»، وما يفيد أن هناك أحدا منشقا وله رأي آخر. - ولكن العرف عندنا أن أهل السنة والجماعة أجمعوا على أمور كثيرة، وهذا ما يجمع بينهم بمقتضى التسمية نفسها؟ يا سيدي افهمني وشغل عقلك وارجع إلى القرآن ولا ترجع إلى أقوال الناس، القرآن ضد الأحبار والرهبان، إذ قال «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا»، فما تفعلونه اليوم هو هذا. - هل يعني هذا الأستاذ البنا بأنك زعيم القرآنيين؟ نحن قرآنيون وجميع المسلمين كانوا قرآنيين، وإذا لم يكونوا قرآنيين فسيكونون مقلدين، عبدة رجال يجعلون منهم أحبارهم ورهبانهم. - ولكن أستاذ البنا هل يمكن لعامة الناس أن يقرؤوا القرآن ويفهموه بدون وساطة العلماء؟ يا سيدي استفت قلبك، من هم البسطاء؟ الله أعطاهم العقل لكي يفكروا به وحتى لا يستعبدهم الآخرون. - هل ترون بأن باب الاجتهاد الذي أغلق في عهد المستعصم العباسي ما زال مغلقا حتى اليوم؟ نعم، هو ما زال مغلقا حتى الآن، والدليل أن أي أحد بعد المذاهب الأربعة لم ينشئ مذهبا له، ما المانع؟ إبن حزم كان يمكن أن ينشئ مذهبا، وهناك علماء كثيرون جدا كان يمكن أن ينشؤوا مذاهبهم. - لماذا لم ينشؤوا هذه المذاهب برأيك؟ بسبب غلبة التقليد، وهذا مبدأ يحكم الجماعات، وأنا قلت سابقا إن وضع الأحاديث أصبح في وقت معين ضرورة ثم تطور إلى فضيلة، تصور المفارقة، الكذب والزور على الرسول صلى الله عليه وسلم يصبح فضيلة، من الفقهاء أنفسهم، هناك أناس مثلا أرادوا من الفقهاء إرهاف الحاسة الإيمانية، أو وجدوا أن هناك انصرافا عن القرآن بين الناس، فأخذ أحدهم يضع أحاديث في فضل كل سورة قرآنية: من قرأ هذه السورة بنى الله له بيتا في الجنة، من قرأ هذه السورة خرج من ذنبه كما ولدته أمه، إلى غير ذلك من الأحاديث، فسألوا هذا الرجل: يا رجل أتكذب على رسول الله؟ فرد عليهم: أنا لا أكذب على رسول الله، أنا أكذب لحساب رسول الله. تعميق ما جاء به الرسول، لكنه كذب، ولكنه عند هذا الشخص فضيلة، فهم يكذبون لكنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فالدولة الإسلامية عندما أصبحت إمبراطورية في وقت سريع في عهد بني أمية والعباسيين ظهرت مشاكل كثيرة وقضايا مستحدثة جدا، وعندما لم يجدوا حل هذه الأمور في القرآن أو في السنة، لأن السنة وضعت في مجتمع المدينة المحدود، وليس في إمبراطورية فيها فارس والروم وغيرهما، بدؤوا يضعون الحديث، يبحثون عن أحسن حل ويضعون له حديثا.