قال جمال البنا إن الجدل الذي تثيره أفكاره ومواقفه واجتهاداته الفقهية في العالم الإسلامي ليس مردها طبيعة هذه المواقف، وإنما الفهم الذي ترسخ في العقول عن الإسلام طيلة قرون، وأقوال العلماء والفقهاء التي أصبحت حاجزا بين العقل الإسلامي وبين القرآن. وانتقد البنا طريقة التعاطي مع الإسلام في العصر الحديث، ودعا إلى فتح باب الاجتهاد والحرية الفكرية لإحداث نهضة إسلامية في العصر الحديث، وقال في حديث مع «المساء» إنه صاحب مدرسة فقهية وفكرية موجودة في العالم الإسلامي كله. في ما يلي ننشر الحوار على حلقات. - الأستاذ جمال البنا معروف دائما بإثارته للجدل بمواقفه وأفكاره وفتاواه، ما هي برأيك أسباب ذلك؟ الأمر لا يتعلق بجدل ما، والله إذا أراد بقوم شرا رزقهم الجدل وحرمهم العمل (يضحك)، فما أطرحه ليست قضايا جدلية، بل قضايا جديدة، لأن الصورة الغالبة على الإسلام ليست هي بالضرورة الصورة المثلى أو ليست هي بالضرورة الصورة التي يعرضها القرآن الكريم، وعمل وخلق الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن هل يعني هذا أنها صورة غير إسلامية؟ لا، هي صورة إسلامية، ولكنها تعود بالدرجة الأولى إلى السلف الصالح، إلى الأئمة الذين وضعوا منظومة المعرفة الإسلامية في القرون الثلاثة أو الأربعة الأولى، فهؤلاء وضعوا حاجة جديدة كان المجتمع يتطور وبحاجة إليها، ووضعوا دراسات ممنهجة فيها نوع من التخصص والتعمق، فبدؤوا يدرسون الوضع في الحديث النبوي والتفسير، والتفسير نشأ في مهد الحديث، وبعد ذلك استقل بنفسه، وبعد ذلك بدؤوا يستنبطون الأحكام الشرعية من القرآن ومن حديث الرسول عليه السلام. - قبل أيام قليلة كان هنا في المغرب طارق رمضان، الذي هو من نفس أسرتك، وهو أيضا يثير الجدل بأفكاره ومواقفه في الغرب، بينما تثيره أنت في العالم العربي والإسلامي، هل نقول إنكما معا تنتميان إلى عائلة فكرية واحدة تحب الجدل؟ طارق رمضان أنا عم أمه، لأن والدته السيدة وفاء هي البنت الكبرى للإمام الشهيد حسن البنا، الذي هو الشقيق الأكبر لي أنا، فأنا عم أم طارق. - هو أيضا يثير الجدل بمواقفه الغريبة أحيانا، أليس كذلك؟ هو يثير الجدل لأن الأوروبيين لا يفهمون الإسلام، وعندما يعرض عليهم أفكاره يرون أنها أفكار جدلية، بينما هي ليست كذلك، بل هي إسلامية، ولكنها تختلف عن الصورة النمطية التي توجد في أذهان الأوربيين عن الإسلام، وجدوا فيها أفكارا جدلية، وهي في حقيقة الأمر ليست جدلية، حتى بالنسبة إلينا نحن في المجتمع الإسلامي. - لكن هناك بعض النقاط المشتركة بينه وبينك، هو أيضا في بعض أفكاره يبدو للعامة بعيدا عن النص، هل يحاول تقليدك مثلا أو أنه متأثر باجتهاداتك الفقهية؟ هو طالب مستقل ومواطن سويسري، فهو ولد وعاش ودرس في سويسرا ومتزوج بسويسرية، وكل حياته لسويسرا وأوروبا، وثقافته أوروبية، ولكن فيه جزء إسلامي متأت طبعا من أنه من أسرة حسن البنا. - ومن أسرة سعيد رمضان أيضا؟ نعم، وسعيد رمضان زوج وفاء كان في الأربعينيات مع الإخوان، في بدايتهم، ودخل في صراع مع جمال عبد الناصر وأصبح العدو اللدود له، فهاجر مصر وطاف في البلدان الإسلامية قبل أن يستقر في سويسرا حيث أسس المركز الإسلامي، الذي هو أول مركز إسلامي في أوروبا، وكل أبنائه نشؤوا في سويسرا وحصلوا على الجنسية السويسرية، إلى حد أنني أنا وجدت نفسي بين عشرين سويسريا (يضحك). وطارق له شقيق اسمه هاني، وهو من الإخوان المسلمين وهو أكثر من طارق معرفة باللغة العربية وبالدراسة الإسلامية التأصيلية، وطارق لم يعرف أبدا السلفية ولم تكن له علاقة بالإخوان المسلمين، فهو طيلة عمره طالب علم، يدرس الإسلام مثله مثل الأوروبيين الذين يدرسون الإسلام، لكنه مثل الأوروبيين المنصفين. - أنت تعتبره أوربيا إذن؟ هو أوروبي ولكنه مصري كذلك، والذي نفعه أن إسلامه ليس إسلاما تقليديا بالمطلق، ولا علاقه له بالسعودية أو بالأزهر، وهو يعتمد على نفسه، ويمكن أن أقول إنه معتد بنفسه بعض الشيء، ويمكن أنه لا يعرفني جيدا، وله أخ ثان بيني وبينه صلات أكثر. - دعنا نعد إلى الموضوع الذي بدأنا به الحوار أستاذ البنا، لديكم اجتهادات مثيرة للجدل، وهناك أمثلة كثيرة، منها ما قلته مؤخرا من أن الحجاب في الإسلام غير شرعي، كيف وصلتم إلى هذه النتيجة؟ كنت سأقول لك في البداية إنني أعود مباشرة إلى القرآن الكريم والرسول عليه السلام، ولا ألتزم أبدا بكلام الفقهاء ولا الأئمة ولا السلف الصالح، كل هؤلاء لا يعنونني كثيرا، لأنني لا أتعبد بأشخاص، بل أتعبد بالقرآن وبكلام الرسول، ومن هنا جاء قولهم بالجدل، ولما أقول إن الحجاب غير شرعي أنظر في القرآن، هل في القرآن ذكر للحجاب؟ أجد أن كلمة الحجاب تكررت في القرآن حوالي سبع مرات، مرة وحيدة فقط بالنسبة للمرأة، وهذه المرة الوحيدة كانت بالنسبة لزوجات الرسول، وفي هذه المرة لم ترد بمعنى الزي ولكن بمعنى الساتر على غرف الرسول. - لكن العلماء يقولون إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، هل ترفضون هذه القاعدة؟ لا علاقة لي بكلام العلماء والفقهاء، عليك أن تنظر في أسباب النزول، فالله تعالى يقول «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء»، لم يقل غير هذا، وتقول لي عموم اللفظ؟ لا ينفع، فزوجات الرسول كن يجلسن في غرفات ليست لهن أبواب ولا ستائر، يمكن لأي أحد أن يراهن، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول للرسول: يا رسول الله حجب زوجاتك، يراهن البر والفاجر، فنزلت هذه الآية: «وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب»، هذا كلام القرآن، أما الحديث النبوي فنجد في صحيح البخاري أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون من مكان واحد في وقت واحد، فهذا معناه أنه لم يكن هناك حجاب.