يعمل هذا الركن على تعريف القارئ وتقريبه من المصادر الكبرى في المعرفة -والإبداع، من أعمال فنية بما فيها الرسوم والمنحوتات والتجهيزات… التي تعتبر من بين أهم ما أسس للمعرفة الجمالية، وما رافقها من أحداث جعلت من هذه الأعمال الفنية شاهدة على العصر بكل تقلباته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية… كما يعتبر بديلا عن الحكي المباشر لعدد من الوقائع التي غيرت مجرى التاريخ البشري من خلال فنانين مؤرخين محليين أو عالميين، ساهموا بإبداعاتهم بلغة سردية حكائية مرئية، واختزلوا المسافات لتوثيق لحظات حاسمة لها دلالة سارية المفعول في الزمان والمكان. يعتبر التشكيلي عبد الحي الملاخ من بين الأسماء الفاعلة في المجال الفني والنقابي بالمغرب، فهو عضو مؤسس للجمعية المغربية للفنون التشكيلية سنة 1974، ونقابة التشكيليين المغاربة سنة 1988، ثم عضو مؤسس مشارك (co-fondateur) للتعاضدية العامة للفنانين المغاربة، له عدة معارض فنية داخل وخارج المغرب، استلهم تيماته من فضاءات مسقط رأسه بمدينة مراكش، ويعيش حاليا بالدار البيضاء. يقول الملاخ في سياق اهتماماته الموضوعية: «عملي يرتبط بالهوية، التي تعرضت في الآونة الأخيرة للتفكك، ولهذا فإنني أحس كفنان ملزم من وجهة نظري بأن أقوم بواجبي وأن أعمل على تحصين ورعاية هذه الثقافة، والبحث في دواخلها حتى أتمكن من طرحها للنقاش، محليا ودوليا…» ويقول من جهة أخرى في سياق تقني : «إننا شعب يفكر بالرموز قبل أن يفكر بالمعاني وهي تتمثل في الأشكال، وكما قال المتصوف الكبير «ابن عربي إن: «الكف إشارة إلى قوة وإرادة الله وإبداعه..»، فباليد يتم تكوين الأشياء كمصدر للخير والشر معا، أما العين فهي البصيرة، أما الأشياء الأخرى التي ترتبط بالطائر في عملي فهي رمز للحرية، وهذه عناصر كلها نتجت عن أحداث اجتماعية، أردت أن أعبر من خلالها عن موقف شخصي اتجاه الأحداث الإرهابية التي أفرزتها فترة معينة من تاريخ المغرب». لهذا كان سجل معرضه الاستعادي الأخير، خلاصة لتجربة ثلاثة عقود، اختزل فيها واستحضر من خلالها مساره الإبداعي عبر محطات مختلفة، ليجيب عن الأسئلة التي طرحها وليجعل من هذه المحطات شاهدة على تطور هذا المسار، من خلال عدة عناصر أساسية شكلت من وجهة نظرنا، تطور محور تجربته في سياق تاريخي، من بين هذه العناصر يمكن الحديث عن الدلالة بأبعادها المرتبطة بالذاكرة وباللاشعور الجمعي، الذي يتقاطع فيه الفنان باشتغاله على الطائر وما يحمله كموروث إنساني من إحالات بمختلف مشاربها الثقافية والرمزية، بعدد من الفنانين المغاربة والأجانب كبلكاهية، هبولي، حميدي، ماتيس، بيكاسو، براك… ثم العين التي يلتقي فيها بالفنان الأزهر، مع اختلاف في توظيفها لتصبح أيقونة مكملة لكل العناصر المحيطة بها، باعتبارها علامة روحية تحمل دلالة صوفية مرتبطة كذلك بالمكان، الذي حوله الملاخ إلى تكوينات جمعت بين العلامة والطبيعة بنخيلها وأفق مناظرها اللانهائية وحدائقها التي أطلق عليها في معرض سابق له اسم «حدائق النور» التي تكمن فيها الحكاية عن سحر المكان انتسابا لمسقط رأسه (مراكش)، معلنا عن جذوره وانتمائه لفضاء ترسخ في ذاكرته فانعكس بتفاصيله على مسار تجربته برمتها. أما العنصر الكروماتيكي، فيتسم في عمل الملاخ باحتفالية لونية، جمعت بين الألوان الباردة كالأزرق والأخضر والبنفسجي..، ثم الألوان الساخنة كالأصفر والأحمر والبرتقالي والترابي أو البني بتدرجاته..، مما يؤكد على حرفية الفنان وتمكنه من هذا الملون palette الحافل بتراتبية كروماتيكية ضمن نسق جمع بين التضاد اللوني في إطار تجانس وتوافق مرئي، بالإضافة إلى اشتغاله على منوكروميات لم يحضر فيها إلا الأسود والأبيض، باعتبارهما ظلال حددت الشكل وأكدت على قوة حضوره، مستعينا في بعض الأحيان بالتدرجات الرمادية. أما العنصر المكاني فقد اختزله الملاخ في السند الذي جعل منه فضاء غير محدد، من خلال أشكال تطفو على فضاء مجهول لا يمكن تحديد المكان فيه إلا من خلال بعض الأيقونات التي تحيل ذهنيا على هذا المكان. بينما العنصر الكرافيكي، تجلى في طريقة معالجته للأشكال، فهو يقوم بصباغتها وتحديدها بخطوط حولت الأعمال في بعض الأحيان من فعل صباغي إلى فعل كرافيكي، من خلال تقنية الكولاج والتلصيق، إيمانا منه بضرورة التجديد في إطار الاشتغال بكل التقنيات كفنان متعدد مفتوح في تجربته على كل الاحتمالات. أما العنصر المفاهمي والأخير، فيتجلى في تجربته من خلال المعنى بمواضيعه المتعددة المرتبطة بالحياة الاجتماعية والثقافية، كأسئلة جوهرية ظلت تؤرق الفنان الملاخ، استنادا إلى تكوينه الثقافي ومرجعيته المشهدية التي استمدها من الواقع المعيش، متسائلا عن الهوية في علاقتها بالوجود، فكان كل عمل له يحمل رمزا ودلالة إضافية، ويطرح سؤالا كامتداد لسؤال آخر، ليجعل من عمله أيقونة جمالية مع تعدد الرؤى والتأويلات حسب مرجعية المتلقي، وليعطي للعمل التشكيلي وظيفة ثقافية بأسئلة عميقة عوض أن يحصر هذا العمل فيما هو جمالي أو تزييني فقط.