يدعو معرض "عين البهاء" الذي يقام برواق باب الرواح بالرباط جمهور الفن التشكيلي ونقاده الى سفر استيعادي عبر منعطفات تجربة إبداعية يخوضها بتجدد دائم عبد الحي الملاخ منذ أزيد من أربعة عقود. لوحات تحمل شهادة ميلادها في سنة 1972، هي الأقدم في هذا المعرض، تتجاور مع أخرى حديثة بطراوة الزمن التشكيلي الراهن للملاخ، وبينها قطع فنية تبدو كأيقونات دالة على أسئلة عصرها وقلق مبدع لا يكل عن اختراق القارات غير المسبوقة، مسائلا أدواته التعبيرية وموضوعات إلهامه الفني. يشكل هذا المعرض في امتداده الزمني وغناه الجمالي، محطة فنية فارقة في تجربة الفنان، وفي نضج بلاغته البصرية وتشذيب عالمه التشكيلي. فهو وثيقة تخلد تجلياته الجمالية، وتلاحقه في أبرز انعطافاته، بدءا من لغته الواقعية الاشتراكية، في مطالع السبعينات، وصولا إلى شعرية البهاء، بفيوضاتها اللونية والجمالية. في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، يبرز القيم العام للمعرض، الناقد التشكيلي والباحث الجمالي محمد الشيكر، الحركية المثيرة في مسار عبد الحي الملاخ ببحثه الدؤوب عن تجديد أدواته وطرق عوالم إبداعية مغايرة في تفاعل مع أسئلة المجتمع وقلق الذات. وحدد الشيكر الانتقالات الكبرى في مسيرة الفنان المخضرم، الذي يرأس النقابة المغربية للفنانين التشكيليين، في ست مراحل كبرى تبدأ بالواقعية الاشتراكية وغطت الفترة من 1972 الى 1977، وتبلغ ذروتها ابتداء من 2011 مع مرحلة "عين البهاء" التي تتميز بتكثيف ملحوظ في اللغة والبلاغة البصرية والاشتغال الحداثي على الرمز والعلامة. وبينهما جرب الملاخ الحركية الحروفية (من 1977 الى 1980) في لحظة انتكاس الايديولوجيات الشمولية، وعانق التعبيرية الرمزية (من 1980 الى 1999) في استعادة للارث الايقونوغرافي الماضي، ثم مرحلة شعرية البهجة (ما بين 2000 و 2006) التي نزع فيها الملاخ الى مغامرة التداعي الحر للأشكال والكتل مستحضرا الذاكرة الأنثروبولوجية لمسقط رأسه، مراكش، قبل ولوج مرحلة حدائق النور (2009- 2011) وهي، كتمهيد للمرحلة الحالية، موسومة باستغوار منابع الضوء والأسرار الدلالية للون. أما الملاخ فاعتبر في تصريح للوكالة أن المعرض كتاب مفتوح لتحولات تجربته التي أفضت في مرحلة متأخرة الى "عين البهاء" التي تحيل ببعدها الصوفي والجمالي، الى انخطاف المبدع في المدارات العليا للجمال. وعن سؤال حضور الرمز والعلامة في مراحل مختلفة من تجربته، قال الملاخ بلهجة حاسمة إنه لا بديل عن مراودة الرمز التقليدي لأنه الاختزال البصري لهوية جماعية وفردية ليخلص الى أن "ثقافتنا ثقافة رمزية بامتياز ولا يمكن أن ندير ظهرنا لهذا المعطى". وفي أفق مساءلة تجربة الفنان عبد الحي الملاخ، والاقتراب من مرجعياتها، وتجذرها في المجتمع وفي سؤال المعرفة، ستصاحب المعرض وتوازيه ندوات ولقاءات فكرية. ويتعلق الأمر بأربع ندوات. تتناول أولاها "الذاكرة الطفولية والامتداد الجمالي" ( 5 دجنبر)، بمشاركة محمد الوكيرة، وعبد القادر شبيه، ونورالدين الأنصاري، وثانيها "عبد الحي الملاخ: السيرة الجمعوية والمسار النضالي" ( 12 دجنبر) بمشاركة حسن النفالي، وصلاح الوديع، وعبد الصمد بلكبير. وتتناول الندوة الثالثة "عبد الحي الملاخ وسؤال الهوية الجمالية" (19 دجنبر) بمشاركة ابراهيم الحيسن، وبنيونس عميروش، وشفيق الزكاري بينما تنكب الرابعة على موضوع "عبد الحي الملاخ وسؤال المعرفة" (28 نونبر) بمشاركة شعيب الحليفي، وعبد اللطيف بوجملة، ومحمد الشيكر. ويسير هذه الندوات عبد النبي دشين وحسن نجمي.