شفيق الزكاري افتتح في قاعة العرض الحديثة (أماديوس) بالدار البيضاء الخميس الماضي معرض جماعي لأربعة تشكيليين مغاربة من الجيل نفسه، وهو عبد الكريم الغطاس، وعبد الرحمان رحول، وعبد القادر لعرج و عبد الرحمان وردان، ويستمر المعرض إلى غاية 15 يناير 2013 . ويعتبر هذا اللقاء الجماعي محاولة لتنويع المجال البصري بمختلف مشاربه التقنية والموضوعية، للانفتاح على المتلقي بحلة جديدة ومغايرة، تستدعي التفكير وتحيين الأسئلة الجوهرية في التشكيل المغربي, رغبة في تكتيل التصورات الفردية بتقاطعاتها المعرفية لإنتاج عمل مشترك برؤية جماعية للمساهمة في إغناء الحركة الإبداعية، وضمان سيرورة مشهدية تعتمد على الحوار وانصهار الذوات. لم تعتريني الدهشة في الوهلة الأولى عند مشاهدة أعمال الفنان عبد الرحمان رحول، للأنها كانت ترافقني وكنت أستأنس بها في فترة مبكرة أثناء تكويني، بل ما أثارني هو هذا التطور المفاجئ في بعض التفاصيل الدقيقة في أعماله، التي تحولت من تكوين هندسي له علاقة بالعمارة في تقسيماته للسند وتحديده بمساحات لونية ترابية وبنية بكل تدرجاتها، إلى تكوين شبه تشخيصي بقاعدة هندسية، بمعنى آخر أنه حافظ على نمطيته المعهودة بشكل ذكي حتى يضمن سيرورة أسلوبه ومعالجته للتكوين الإجمالي للعناصر المؤثثة للوحة في بعدها الإستيتيقي, فقد بقي وفيا لهذه المعالجة التي لم تنحصر في اشتغاله على التركيبات الشكلية واللونية في إطار الطول والعرض ببعديهما, بل تجاوزها بإضافة نوعية جعلت من اللوحة أيقونة بأبعاد ثلاثية تحيلنا على تجربته الموازية في مجال النحت, محاولا بذلك تشخيص الملموس من المجسم (النحت) الذي كان يقتصر فقط على أحادية اللون, إلى المرئي الذي تتعدد فيه التفاعلات اللونية (اللوحة) بتأثيراتها البصرية, مع تقسيم للمساحة بشكل أفقي جعل من شمولية الرؤية بزواياها المختلفة نافذة بانورامية مشرعة على ما هو عمودي كذلك من خلال المربعات والمستطيلات وتجانسهما, كذريعة لتكوين أشكال أخرى لها علاقة رمزية بما هو تشخيصي. وبما أن الفنان رحول كان مرافقا لمجاييليه من الفنانين الذين ساهموا في هذا المعرض المشترك، فإن الفنان الغطاس يسير في نفس النهج، بحكم اهتماماته وطرق اشتغاله, التي اتخذت بعدا متميزا في هذا المعرض, حيث كانت تجربته نقلة نوعية من التجريدية الهندسية لتجريدية غنائية بطريقة انسيابية, يلعب فيها الفراغ دور الحاضن للتفاعلات اللونية برؤية غالبا ما تكون أفقية, بحثا عن أبعاد مشهدية لها خلفية عميقة ليدخل بها مغامرة تم فيها الانعتاق النسبي من رواسب تجربته السابقة. ونظرا لتكوينه الأكاديمي, فإن الفنان عبد الكريم الغطاس كان ولازال واعيا بأهمية الطرح التشكيلي على المستوى الثقافي, نظرا لحمولته ومرجعيته الواعية بأهمية القضايا التي يطرحها والتي يستمدها من التراث المغربي بكل مظاهره, سواء كانت جمالية أو فكرية, تتجلى في طريقة المعالجة التي يغلب عليها الطابع الحركي في تفاعلاته مع البنية اللونية التي يتميز بها كملون palette خاص, ونظرا لإيجازيته عن طريق الاختيار الكرافيكي كذلك بدقته وتفاصيله المحددة ليشكل رؤية شمولية ترقى بنا لوعي بصري بكل حيثياته الفكرية والجمالية. أما الفنان عبد الرحمان وردان فقد رحل وارتحل عبر محطات إبداعية كثيرة وفقا لطبيعة شخصيته المتمردة على أغلب الأشكال التعبيرية, التي لايتسع المجال لذكرها في هذه الورقة, لذلك اقتصرنا فقط على هذه التجربة الأخيرة التي تؤثث فضاء هذا المعرض الجماعي, فالتحول الحاصل في عمله هو القطيعة المفاجئة لكل الأشكال والرموز البربرية المهيمنة على السند, لتحل محلها شخوص أنثوية بخلفية تجريدية يكتسحها اللون الأبيض, بشفافية تمتزج فيها المادة بألوان مائية سائلة باختزال شديد. فإذا كانت الشخوص تكاد تغيب ملامحها في عمل وردان, فإن الفنان عبد القادر العرج جعل منها في تجربته الحالية شخوصا رخوية محلقة في الفضاء, استنادا لاهتماماته بالجانب الروحي في العمل التشكيلي, حيث الأضرحة بقببها تسبح في اللاأمكنة, أي لا يحددها مرئيا عنصر جغرافي معين, إلى جانب حشود غفيرة من الأجساد وكأنها في حضرة صوفية أو في هجرة جماعية تضاهي أسراب الطيور المهاجرة. وإن كانت هذه التمثلات المرئية قد اتخذت لها وضعا تشخيصيا, فإن جرأته على اختراق وتجاوز المعهود في عمله الأخير, مكنته من استضافة أشكال تجريدية نتجت عن سرعة و حركية شخوصه الطائرة في اتجاهات ملتوية وأخرى مائلة وشبه دائرية. إذن تبقى الإشارة على أن التجانس والتقاطع القائم بين كل هذه التجارب هو الدافع الأساس لتنظيم هذا المعرض الجماعي.