تنظم وزارة الثقافة المغربية من 14 أكتوبر إلى 2 نونبر 2011 معرضا للفنان المغربي الحسين الموهوب برواق باب الرواح بالرباط. و سيفتتح هذا المعرض يوم الجمعة 14 أكتوبر على الساعة السابعة مساء . شطحات الخطوط..وحياة الأشكال منذ أواخر الستينات وبداية السبعينات، وبعد أن بدأ تجريدياً يُحَاكي المادة ويسائل تحوُّلاتها البصرية فوق السند، قضى الفنان التشكيلي حسين موهوب وقتا طويلا ينجز لوحات تشخيصية موسومة ببناءات هندسية متقايسة تؤكد ولعه واهتمامه بالفنون الشعبية الإيقاعية كموضوع جمالي وكمصدر للإيحاء والاستلهام..بل وتكشف عن افتتانه بموضوعة الموسيقى التي لا يَتَورَّع في نقلها على مسطح اللوحة بأسلوبه التشخيصي الهندسي الذي يستمد طابعه التشكيلي من التناغميات الحسية للخط والشكل واللون (مفرداته التعبيرية الرئيسية)، وذلك وفق توليف صباغي دينامي تتفاعل فيه المقطعات المساحية والسطوح المنبطحة والكتل اللونية وخطوط الإحاطة المميزة لأسلوب الرسم لديه.. وفضلاً عن التصوير والتشكيل الصباغي والستائر الفنية Paravents، يجدر بنا الحديث عن القطع الحديدية التي أنجزها الفنان موهوب خلال فترات إبداعية متنوعة (باريس، مكناس..)، وهي عبارة عن معالجات حجمية تتفاعل فيها السطوح والبنيات. ضمن هذه المرحلة الإبداعية، برز كنحات حديد Sculpteur de fer حيث أنجز في أوقات متباينة مجموعة من القطع الفنية التي تستمد هويتها الحجمية (من الحجم) من رحم التعبيرية الرمزية.. وقد تَوَّج الفنان موهوب هذه التجربة بعرض "جوَّانية"، أو "دوَّارة هواء" Girouette، ضمن معرض دولي متنقل في فن النحت نظمه الناقد الفرنسي دانييل كوتورييه بمشاركة نحاتين عالميين أمثال: ألكسندر كالدر، جورج ريكيه، إيدي ماير وغيرهم. كما سبق له خلال عام 2002 المشاركة في معرض عالمي للنحت حول موضوع: "مهب الريح" Atout vent ، وذلك بمدينة أنجير الفرنسية داخل قصر قروسطي Château médiéval يعود تاريخه إلى عصور قديمة..في هذا المعرض قدّم الفنان قطعة نحتية اشتغل في إنجازها على مادة النحاس الأحمر جاعلا منها عملا إبداعيا يُعَبِّر عن موضوع الصراع الأنطولوجي بين المرأة والرجل والعلاقة الكونية القائمة بينهما.
العودة إلى التجريد عقب هذه الرحلة الإبداعية الطويلة والشاقة بفعل امتزاجها مع ضنك العيش، سيُطالعنا الفنان موهوب بمنجز تصويري مغاير يعكس لديه اشتعال حنين العودة إلى التجريد ومحاورة المادة وحرية الانتشار الخطي واللوني فوق السند..في قماشاته الصباغية الأخيرة نزوع واضح نحو التوليف الغنائي Lyrique، لكن من نوع خاص حيث فوضى الخطوط والتباس العلامات والتكاوين التجريدية الناتجة عن تكسير النماذج المرسومة التي تقرر حالات الشخوص والأجساد المتشظية والممزَّقة تمزيقا.. في هذه التجربة الصباغية الجديدة، يبدو الفنان متحرراً من صرامة الخطوط وعنف الكتل والبناءات الهندسية، وفي عمقها تبرز تكوينات خطية غليظة ومنثالة وأخرى رقيقة ووادعة، متشابكة وضاربة نحو كل الاتجاهات وكأنها تواقيع وإمضاءات أيقونية سريعة التنفيذ تمتد للمخيلة والجسد في أهم تداعياته وشطحاته المتغايرة.. من يقرأ لوحات الفنان حسين موهوب الأخيرة سيُلامس تخلصه من تشخيصية رياضية -من الرياضيات- مُصَمَّتَة لازمت إبداعه طويلا وطبعت انخراطه في تجريدية حركية صَدَّاحَة موسومة بحس غرافيكي فعلاني تقوى تعبيريته على رمزيته..ورمزيته على تعبيريته، وتشكله ألوان متضادة خاضعة في أغلب البناءات والتوليفات لسلطة السواد وخطوط الإحاطة Cernes الغليظة الهاربة والمنفلتة..وبقدر ما هي لوحات، هي أيضا مساحات تلوينية حرة شاسعة ترسم هوية أثر اللون..ولون الأثر في اندغام طيفي نادر يجسد التحوُّل في التجربة ورغبة الفنان في امتلاك التقنية والتحكم في ناصية الصيغة والأسلوب. من يقرأ لوحات الفنان موهوب المقترحة لهذا المعرض سَتَشُدُّ بصره تلك الأجساد البشرية المختفية داخل غابة من الخطوط المتشابكة والأشكال المتراكبة والمتحرِّكة على إيقاع حركات الفنان وهو يفرغ شحنات فكره وينقلها إلى مستوى الرؤية عبر الخط المنفلت واللون الاصطلاحي والشكل المسطح.. أجساد موهوب مثل تنقلاته كائنات لا مرئية يصعب إبصارها خلال أول وهلة، لكنها موجودة وتمارس حضوراً تعبيرياً ورمزياً داخل ثنايا اللوحة ومطاويها..أجساد تتبادل المواقع لتنفخ الحياة في المساحات والأشكال التي تكوِّنها. وبقدر ما هي أجساد هي أيضاً مرائي واقعية عاشها الفنان موهوب إنساناً ومبدعاً يجوب الحواري والأسواق الشعبية والحمامات والإدارات العمومية وغيرها. إنها مواقف ومعاينات يومية تم رصدها بعين ثالثة متأملة تسائل وتنتقد باستمرار وتطرح الأسئلة الضرورية لإعادة تشكيل الواقع المليء بالكثير من التناقض والمفارقات.. إن هذا المعرض يظل يمثل في عموميته حصيلة تجربة تشكيلية عميقة ورحلة إبداعية طويلة عاشها الفنان حسين موهوب مصوِّراً (ونحاتاً أيضاً) مسكوناً بالإبداع الذي يمثل متنفَّسه وقلقه اليومي..وقبل ذلك إنساناً ودوداً يَفِيضُ بالكثير من النبل والحس الإنساني الجميل. الكطالوغ PDF