رشيد شريت كتاب:"المثقفون المزيفون" صرخة ضمير حي و شهادة موثقة، تفتل في حبل من سبق : جوليان بندا في "خيانة المثقفين"؛ و بول نيزان في "كلاب الحراسة"؛ و جون بول سارتر في مواقفه الداعمة للطبقات الكادحة……. يكشف فيه ستائر الجريمة الجديدة والخطيرة الممثلة في تزييف الوعي والكذب المتعمد و تغيير الوقائع بهدف التأثير في الجمهور و توجيه الرأي العام، طبقا لأجندة يختلط فيها السياسي بالمالي والإيديولوجي بالطائفي، في بعد تام كل البعد عن منطق البحث عن الحقيقة و تمجيدها. "المثقفون المزيفون" هو خلاصة تقص موضوعية لحالة الابتذال الفكري و التدني الثقافي و التلاعب الإعلامي الذي يعرفه المشهد الفكري و الثقافي و السياسي و الإعلامي الفرنسي، بعيدا عن منطق تصفية الحسابات الشخصية أو الإيديولوجية الضيقة. يتتبع فيه باسكال بونيفاس ألمع الوجوه الفكرية و الثقافية المتربعة على عرش الشاشة الفرنسية، بداية بظاهرة برنار هينري ليفي قيصر الإعلام الفرنسي؛ و ألكسندر آدلر؛ و فرانسوا هزبورغ؛ و فريديرك إنسل؛ و تيريز دبلش؛ و كارولين فوريست مدللة وسائل الإعلام الفرنسية. و ليس من الغريب أن يكون الجامع المشترك بين هذه الأيقونات الثقافية_الإعلامية؛ دعمهم المطلق و اللا مشروط للوبي الإسرائيلي، في مقابل إصابتهم بالإسلام فوبيا. ثم قربهم الحميم من دواليب السلطة و القرار بالإليزيه. و هو ما يفسر بالامتيازات العديدة التي يحظون بها ماديا و إعلاميا و سياسيا. لكن يبقى الأهم هو عدم ترددهم في تزييف الحقائق و نشر مغالطات لا علاقة لها بالواقع. فهم لا يتورعون من أجل كسب معاركهم و سجالاتهم بالتضحية بالحقيقة من أجل الانتصار و الظهور و إرضاء أصحاب القرار و النفوذ ! بمناسبة انتخاب باراك أوباما لرئاسة أمريكا عام 2008، أجري استطلاع لحساب le journal de dimanche لمعرفة إذا كان الفرنسيون مستعدين لاختيار رئيس منحدر من الأقليات العرقية. عن سؤال: «هل يمكن أن تصوت يوما لانتخاب مرشح أسود لمنصب الرئاسة»؟ أجاب 80 % من الفرنسيين بالإيجاب. وماذا عن مرشح من أصل آسيوي ؟ 72 % وفقط 58 % لمرشح من أصل مغاربي! لاشك أن نسبة 58% من الفرنسيين المستعدين للتصويت لصالح مرشح من أصل مغاربي، تعتبر نجاحا وتطورا، قبل 20 أو 30 عاما، كان استطلاع مماثل سيعطي أقل بكثير. لا يسعنا مع ذلك إلا أن نلاحظ أنه إذا عبَّر الفرنسيون عن نوع من الاطمئنان إلى التنوع، فالفارق كبير بين زنوج وآسيويين ومغاربيين. المغاربيون هم موضع شبهة، أو أكثر وضوحا، موضع رفض، ليس هذا الأمر بجديد. لا يعود إلى 11 شتنبر . ففي أكتوبر 1985 ظهر في مجلة le journal de dimanche عنوان: «هل سنظل فرنسيين بعد 30 عاما؟» مع فوتومونتاج لفتاة محجبة تدعى مريان. في يناير 2011 أشار استطلاع نشر في «لوموند» إلى أن 40 % من الفرنسيين يعتبرون الإسلام تهديدا؟ الإرث الاستعماري هو العنصر الأول في التفسير. تلك الشعوب تعرضت للغزو. ولهذا فإن اعتبارها في مرتبة أدنى ومعاملتها على هذا الأساس كان يسمح بشرعنة الاستعمار. أدت حروب الاستقلال، وحرب الجزائر تحديدا، علاوة على الهجرات المغاربية المتلاحقة، إلى إثارة تيمة: «جاؤوا ليأخذوا خبزنا» وإلى التنافس على فرص العمل الأقل احتياجا للكفاءة، مما غذى نوعا من العنصرية الشعبية. لطالما قيل بأن العرب الحاضرين ماديا في فرنسا منذ جيلين أو ثلاثة لا يستطيعون الاندماج لأنهم مسلمون؟ خلافا لمهاجرين من موجات متعددة، إسبان وإيطاليون وبولونيون….وإذا كانت الملاحظة صحيحة، فهناك خطأ في تفسير الظاهرة. السبب ليس دينيا أو عرقيا بل اجتماعيا.. فقد خضع المهاجرون من الأجيال السابقة لصدمة الرفض والعنصرية قبل أن يندمجوا بعد جيل أو جيلين بفضل المدرسة والعمل. وصلت موجة المهاجرين المسلمين إلى مرحلة انفجار البطالة، وتعطلت آلية الاندماج. من هنا تأتي محاولة البعض لتفسير القضايا من منظور عرقي. تصريحات مارين لوبان في دجنبر 2010، والتي قارنت صلاة المسلمين في الشارع بالاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية، أثارت الاستنكار، لكنها تندرج في سياق شامل. مارين لوبان ليست الوحيدة التي صدر عنها خطاب إقصائي أو تشكيكي إزاء المسلمين. من أجل تجنب أي انتقاد ووصف بالعنصرية، يتم التأكيد على الفصل بين المسلم المعتدل والمسلم المتطرف؟ لكن هذا التمييز ليس أكثر من خدعة. فلكي يعتبر المسلم المعتدل عليه أن لا يلتزم بمبادئ الإسلام. وتعتبر ممارسة الصلاة أو صوم رمضان، دليلا على تطرف ديني؟ ويجعل البعض من فضح «الإسلام» أو الإسلام المتطرف، معركته الأولى، بل علة وجوده! ويكفي أن نرى كيف جرى الاحتفال بالنائب الهولندي السابق آيان هرزي علي ذي الأصل الصومالي، عندما أنكر الإسلام، وكيف تم تمجيده رغم اعتماده خطابا يصب في مصلحة صدام الحضارات. ارتبط المستعمر باليسار. أما اليوم، فإن اليمين هو الذي سجل غالبية الحجج المتعلقة بالعصر الاستعماري وبالتحرر من الاستعمار. لذلك لكي يتعامل اليسار مع العرب/ المسلمين بوصفهم تهديدا، يحتاج إلى عوامل أخرى؛ الاعتداء على حرية المرأة والدفاع عن العلمانية سيساعدان على عرض خطاب معاد للإسلام بطريقة سليمة سياسيا، ومقبولة من قسم من اليسار. لكن الدفاع عن العلمانية ينزلق أحيانا نحو الدفاع عن هوية يهودية مسيحية يستبعد المسلمون منها. قبل 1967، لم يكن يهود فرنسا يخشون من قول كلمتهم بشأن النزاع العربي الإسرائيلي، خوفا من اتهامهم بالتحيز. لم يعد لهذا الطابو وزن عندهم. لكنه لا زال كذلك عند العرب والمسلمين. ووطأة الخوف من تهمة اللاسامية مزدوجة. العربي مشتبه به بسهولة «بحكم طبيعة الأشياء»!. ومن ينتقد إسرائيل سيصبح كذلك بسرعة أكبر. إذا أراد العربي أن يعيش باطمئنان، عليه أن يتجنب التعبير عن رأيه في صراع الشرق الأوسط. وإلا وثق «بشجاعة» إلى جانب إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط المهددة من قبل الإرهاب ! لا زلت أتذكر ذلك اللقاء مع مثقف قدم باعتباره معتدلا وكثير الظهور في وسائل الإعلام. كنا في ندوة بالخارج. وجاء يثرثر معي؛ حدثني عن سجال كنت موضوعا له عام 2001. كان يتكلم بلغة هجومية إزاء إسرائيل. وحتى أنني وجدت تلك الهجومية مبالغا بها. التقيته في اليوم التالي في المطار، وكلمته عن ندوة حول الشرق الأوسط يعتزم المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عقدها. ويجب أن تكون مختلف التيارات الفرنسية ممثلة فيها إلى جانب إسرائيليين وفلسطينيين. رأيت وجه محاوري يتغير ! كان جوابه الوحيد أن توجه بخطى واسعة وحثيثة إلى الجمارك. ولا شك أن فكرة التعبير عن رأيه علنا حول الصراع، قد بدت له مخاطرة تهدد مستقبله المهني. العرب أو المسلمون الذين أصبحوا أبطال فضح الإرهاب سيكونون موضع ترحيب حار. خطاب هؤلاء يبدو مشروعا، ولا يمكن اتهامهم بالعنصرية. لكنهم لا يفضحون إلا الإرهاب الإسلامي، مما يسمح بالمرور الإيجابي على إسرائيل، البلد الديمقراطي المهدد من قبل الإرهاب الإسلامي. المسلم الذي يقف ضد إسرائيل في موضوع صراع الشرق الأوسط لا يعتبر مسلما معتدلا. يستطيع اليهودي التعبير عن نفسه وعلى هواه بخصوص هذا النزاع، ويشكل اليهود الفرنسيون حول هذا الموضوع أوسع طيف سياسي، وبدءا من معاداة الصهيونية حتى التأييد غير المشروط لمختلف الحكومات الإسرائيلية. والتمييز بين معتدلين وراديكاليين غير موجود إلا فيما يخص المسلمين.»الملتحون» يهاجمون الروافع التي تقوم عليها حضارتنا، وفرضهم للحجاب والبرقع وبناء المساجد، ليست سوى حيل لاختبار صمودنا، والاستسلام لهم في هذه الأمور خيانة للمسلمين المعتدلين الذين يقاومونهم. إنهم يريدون إخضاع النساء (تعدد الزوجات غطاء الوجه وضع حرية التعبير موضع جد قضية رسوم الكاريكاتير) إنهم يجسدون الجنوح على المستوى الداخلي، والإرهاب على الصعيد الدولي. هذا ما يفعله على سبيل المثال. andrée glucksman؛ بحسه المعتدل المألوف في الإكسبريس الصادرة يوم 17 أكتوبر 1994؛ في ذروة السجال حول الحجاب: «الحجاب عمل إرهابي. طالبات المدارس المحجبات في فرنسا يعترفن أن حجابهن هو حجاب دم» ! بينما يرى المحلل توماس دوتلومب بأن «هذا المنطلق يشكل القالب الذي يؤطر صورة الإسلام التي تظهر في وسائل الإعلام الفرنسية؛ يكرر الصحافيون باستمرار فكرة أن أعدادا كبيرة من المسلمين في فرنسا يمارسون إسلاما «هادئا» لكن أعدادا كبيرة من روبورتاجاتهم مخصصة للمسلمين الموبوئين» !