"دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع المؤرخة والكاتبة اليهودية الفرنسية إيستير بنباسا حول الإسلام بفرنسا ومستقبل اليهود وانتقاد إسرائيل
نشر في التجديد يوم 07 - 09 - 2004

أدافع عن علمانية تسمح لجميع المعتقدات بالتعبير عن نفسها
وقفت المؤرخة اليهودية الفرنسية إيستر بنباسا موقفا شجاعا في قضية الحجاب بصفة خاصة، وقضية مسلمي فرنسا بصفة عامة، وأثبتت ذلك في كتاب مثير بعنوان الجمهورية في مواجهة أقلياتها يهود الأمس مسلمو اليوم. كتاب أشعل فتيل ضجة لم تبرد بعد.واستهزأت بالحملة الإعلامية الهستيرية المسلطة على الحجاب والمسلمين بفرنسا، وسجلت سخريتها المريرة في كتاب لافت صدر عن دار ألف ليلة وليلة في شهر فبراير .2004
وقالت الكاتبة، المزدادة في تركيا المقيمة في فرنسا حيث تشغل مديرة دراسات حول العلوم الدينية بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا بباريس، هل يصدق عاقل في هذه الدنيا أن يشكل 3 مليون و700 ألف مسلم محتمل، فيهم 15000 امرأة محجبة دولة ثيوقراطية في فرنسا؟ إن هذا لشيء عجاب، هذا غير معقول. مثل هذا وقع لليهود في فرنسا يوم كان يعتبر أحبارهم ظلاميين، وكان 40 ألف يهودي يعتبرون من أشد المتطرفين، حتى تكرر ذكرهم نحو 2300 مرة في الموسوعة الفرنسية. وعادت الكاتبة وهي المؤرخة العليمة بالتاريخ الحديث والمعاصر لليهود في فرنسا والمغرب وأوروبا والبلقان إلى ما وقع لليهود في القرن الثامن عشر وكيف كان ينظر إليهم النظام السياسي آنذاك، يوم كانت فرنسا إمبراطوية كبيرة ذات وزن عالمي يفوق حالها اليوم أضعافا كثيرة. فقد وجدت الباحثة أن ما وقع لأجدادها على يد الفرنسيين هو عينه ما يقع اليوم للمسلمين في دولة ترفع شعارات الحرية والأخوة والمساواة دون أن يصدقها كثير من الناس: طلب منهم تنظيم أنفسهم في هيئة تمثيلية، ثم تبع ذلك مراسيم وقوانين تحرمهم من كثير من الحقوق وهو ما وقع لمسلمي فرنسا مباشرة بعد تشكيل المجلس الفرنسي للديانة
الإسلامية في العام الماضي.
وما أن علمت بهذا الكتاب حتى سارعت إلى الدخول في تواصل مع الكاتبة،وذلك ما حصل وتطور حتى أثمر هذا الحوار. وتدور هذه المقابلة حول مؤلفات الكاتبة ومواقفها من عدة قضايا، ومهما يكن اختلافنا معها في كثير منها، فإنه ليس بمانع من الحوار الفكري البناء والسجال المفيد. وقد أجابت بكل شفافية عن أسئلة حول مسلمي فرنسا وسر دفاعها عنهم وعن مستقبلهم وما ذا ينبغي أن يفعلوا في نظرها، كما أجابت عن أسئلة حول مستقبل اليهود وعن الصراع العربي الإسرائيلي وعن قضايا أخرى تجدونها مبثوثة في هذا الحوار.
نشرت مؤخرا كتابا جديدا حول يهود الأمس، مسلمو اليوم لماذا هذا الكتاب؟ وماذا تقولين في كتاب لم يصل بعد إلى المغرب؟
في هذا الكتاب أردت أن أبين أن في تاريخ اليهود والمسلمين كأقليات بفرنسا، نقط التقاء كثيرة. وأخذت لذلك مثلا فترة عصر الأنوار التي انتهت إلى تحرير اليهود في 1970 ,1971 ونلاحظ أنه على الرغم من الإرادة الحسنة لفلاسفة الأنوار والثوريين من أجل جعل اليهود مواطنين، فإن نظرتهم لهؤلاء اليهود أنفسهم كان يغلب عليها الأحكام المسبقة، يمكن مقارنتها بالأحكام عن العرب المسلمين، بما فيها فكرة استحالة اندماجهم في المجتمع الفرنسي. ذلك أن سلوك الجمهورية تجاه أقلياتها لم يتغير إطلاقا وكلما استعصت الأقليات على الطاحونة التي يوضعون فيها، قامت الجمهورية في وجههم كان كليرمون طونير يقول في الكونستيتويانت، يوم 24 دجنبر ,1789 بخصوص اليهود يجب أن نرفض لليهود كل شيء له صلة بهم كأمة وجماعة، في حين يقبلون كأفراد، وإذا ما رفضوا أن يتحولوا إلى مواطنين فرادى، فعلينا إذن أن نمحوهم. وهذا التصريح يحملنا على التفكير، ويتيح لنا أن نفهم ما يقع مع العرب المسلمين في فرنسا الذين يطالبون بالاحتفاظ بهويتهم دون التنكر للقسم الفرنسي في هذه الهوية الوطنية الفرنسية لدى كثير منهم، يمكن أن يلبس الحجاب وتشعر المرأة في ذات الوقت أنها
فرنسية، هذا لا يقف حجر عثرة في وجه الآخر، هذا الكتاب الذي كتبته وأنا أقارن فيه بين تاريخي اليهود والعرب المسلمين هو أيضا محاولة للتقريب بين المجموعتين، مثلما فعلنا يوم 13 ماي الماضي، حيث نظمنا أنا وجان كريستوف أتياس يوما كبيرا في السوربون وفي معهد العالم الإسلامي والذي أطلقنا عليه يهود ومسلمون: تاريخ مشترك وحوار للبناء أكثر من 1500 شخص حضروا في هذا اليوم، وكانت لنا فيه موائد مستديرة، وعروض أظهرت أن لدى اليهود والمسلمين أشياء كثيرة يتقاسمونها، كان ضيوفنا أحيانا من مفكرين ورجال ونساء الصحافة، وكتاب وسياسيين يرفضون على العموم الجلوس على مائدة واحدة وقبلوا أن يفعلوا ذلك، وكما ترون فإن المستقبل ليس مظلما كما نعتقد، المجتمع المدني لديه عمل كثير ينتظره من أجل التقارب رغم التوترات والتشنجات الحاصلة.
مسلمو فرنسا يوجدون في وضعية دقيقة بسبب قانون منع الحجاب في المدارس، هل ترين أنهم ضحايا أصولية علمانية؟
لا يمكن أن ننكر أن في هذه المرحلة من ضعف القيم في الجمهورية، تبقى القيمة المحركة الوحيدة هي العلمانية، لقد اعتقد السياسيون أنها قادرة على تجميع فرنسا، لا يمكن إنكار أن عددا من الأشخاص قاموا بتسخين الجو وإثارة ضجيج أشبه ما يكون لأصولية علمانية من أجل إخفاء المشاكل التي تعيشها فرنسا، وإخفاء مشاعر خوفها من الإسلام، الذي تضخمه وتهوله. الأصولية العلمانية آتية من حرب خاسرة، لكنها ما تزال تقلق فرنسا، حرب قوية ضد الدين تحتل الأذهان، في وقت نشهد فيه عودة المرفوض، عودة الديني الذي طالما تعرض للتهجم، وذلك ما نراه كذلك عند المسلمين واليهود والمسيحيين، فوق ذلك، عودة الديني تحدث أحيانا في شكلها الأكثر تشددا، أنا غير متدينة، ولكن لا أحمل شيئا ضد الدين الذي أعتبره جزءا لا يتجزأ من حضارتنا. أدافع عن علمانية تسمح لجميع المعتقدات بالتعبير عن نفسها في انسجام نسبي، العلمانية المكتيفة في نظري هي وفاق القرن الواحد والعشرين الذي يعتبر قرن عودة الديني كآخر قيمة وملجأ. كل ما هو دوغماتي وإيديولوجي يخيفني، والعلمانية المتحولة إلى أصولية علمانية تصبح نوعا من الإيديولوجيا، في حين أن زمن الإيديولوجيات قد انتهى، نحن
في زمن المفاوضات، وعلى العلمانية أن تكون كذلك من أجل مصلحة كل المواطنين ومن أجل اشتغال الديمقراطية المبنية على أساس الحرية، بما فيها حرية المعتقد.
هؤلاء المسلمون الفرنسيون، هل ينتظرهم مستقبل حسن أم أن السحب والرعود أمامهم، وماذا عليهم أن يفعلوا؟
يخيل إلي أنه لا يوجد في فرنسا إسلام واحد، إذا كان لزاما على فرنسا أن تتعاون مع مختلف أشكال الإسلام، فإن على العرب المسلمين هم أيضا أن يتعاونوا مع فرنسا، ففي ظل هذا التعاون توجد إمكانية إحداث ساحة للتفاهم، من المؤكد أن فرنسا لا تدفع عجلة الحركية الاجتماعية والمهنية للعرب المسلمين، ولا عجلة اندماجهم، وسياسة الإدماج في حاجة إلى المراجعة، بما فيها تحريك قاعدة التمييز الإيجابي المنتظر منها أن تسرع عملية الإدماج، بالنسبة للعرب المسلمين، لن يجديهم الانغلاق في إسلام كوني، أو في جماعة خيالية تناهض فرنسا، ليس ذلك حلا مجديا لهم في المستقبل، التوترات الساخنة بين العالمين اليهودي والمسلم توترات صنعتها فترة الاستعمار وما بعد الاستعمار حيث نشأ نزاع هام، بالإضافة إلى إقامة دولة إسرائيل وانعكاساتها على العالم العربي. على إثر رحيل الاستعمار إذا أخذنا فرنسا وحدها لم يكن الاشتغال على الذاكرة الحربية بالجزائر مكتملا وبقيت توابع الاستعمار حية دون أن يطأها التغيير. موازاة مع ذلك، ساهمت إقامة دولة إسرائيل على قلب وضعية الذمي أو المحمي. وبالفعل، إلى حدود ,1948 كان المسلمون الذين يعيشون عموما في بلادهم،
يقدمون امتيازات للمسيحيين واليهود الذين كانوا يعيشون في دار الإسلام بناء على تعبيرات اتفاق للحماية كان يسمى ذمة يخول لهم استقلالا ذاتيا نسبيا في مقابل دفع ضريبة معينة، إنشاء دولة إسرائيل كان من أثره مراجعة علاقة القوي والضعيف.
المسلمون الذين كانوا أقوياء حاكمين أصبحوا ضعفاء محكومين، ليس في البلدان التي هاجروا إليها فحسب، بل أيضا في الأراضي التي امتلكوها في فلسطين القديمة التي تحولت إلى إسرائيل، تم فيما بعد في الأراضي الملحقة منذ ,1967 الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأحداث 11 شتنبر وحذر الغرب من الإسلام واعتباره مسؤولا عن الإرهاب في منطق صدام الحضارات، كل ذلك عزز انغلاق العرب المسلمين في إسلامهم الكوني، وحان الوقت للخروج من منطق الانغلاق وتهميش الذات فكل المستقبل يتوقف على هذا.
لديك كتاب آخر حول مستقبل اليهود، أعيد عليك طرح السؤال الذي اخترته ليكون عنوان كتابك اليهود هل لهم مستقبل؟ هل تتحدثين عن جميع اليهود أم يهود إسرائيل؟
هذا كتاب كتبته بالاشتراك مع جان كريستوف أتياس، وسميته فعلا اليهود، هل لهم مستقبل؟ وهو كتاب لا يتساءل عن مستقبل اليهود فقط. هذا كتاب يعيد تسطير تاريخ اليهود في الشتات وفي إسرائيل ويتساءل عن المستقبل الذي ينتظر الشعب اليهودي في الوضعية الجديدة التي تفرض نفسها أمامه. إنه لخطأ جسيم أن نقصر الوجود اليهودي كله في إسرائيل. لقد وجد اليهود قبل قيام دولة إسرائيل، وفي هذا جو يلتبس فيه الإسرائيلي باليهودي ويصبح الإسرائيلي يساوي اليهودي، توجد أخطار كثيرة، وهذا ينسج معاداة السامية في مرحلة انتقل فيها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى الساحات الغربية، أظن أن الشعب اليهودي له مستقبل، أومن بهذا المستقبل، كما أومن بمستقبل الشعب الفلسطيني، وأساند بقوة إنشاء دولة فلسطينية، كما أدافع عن وجود دولة إسرائيل. بعد الهولوكوست، لم تعد قضية مستقبل دولة إسرائيل تطرح تماما. غير أن هذا لا يعني أنني أساند سياسة شارون، على العكس من ذلك، أنا ضدها وأكافح ضدها، وأرى أنها لا تعرض إسرائيل وحدها للخطر، بل تعرض للخطر أيضا يهود الشتات الذين أصبحوا موضوع معاداة للسامية ينبعث من بعض الفئات العربية الإسلامية التي تتقمص
الفلسطينيين. لا أجد أي عيب في هذا التقمص، مادام كثير من اليهود يتقمصون إسرائيل، الخطر يكمن في الالتباس الحاصل بين الإسرائيليين ويهود الشتات. أنا ضد هذه اللاسامية بكل قوتي، غير أني موقنة أن السلام إذا حدث يوما ما الشرق الأوسط، فإن التوتر سيخف، وستختفي اللاسامية. لقد عاش اليهود والمسلمون معا مدة قرون طويلة، ولا يوجد مانع من أن يعيشوا معا من جديد في قادم الأيام. يهود فرنسا ينحدرون في غالبيتهم من المغرب، يعرفون العادات والتقاليد العربية الإسلامية أكثر من غيرهم وبإمكانهم أن يكونوا جسر تواصل ولقاء. وشرقيو إسرائيل بإمكانهم التفاهم مع الفلسطينيين لأنهم عاشوا طويلا في بلدان الإسلام. فلا نضيع هذه الفرصة في التقارب، ذلك شيء مستعجل بالنسبة للعرب المسلمين وبالنسبة لليهود أيضا.
بهجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل والشتات، هل يصح القول إنهم فقدوا جنتهم، وهل بإمكانهم العودة؟
في جميع الأحوال، يعيش يهود أفريقيا الشمالية في إسرائيل على سيناريو الهجرة من المغرب من المشرق العربي، أثناء ما بعد الاستعمار، ويستحضرونه في إسرائيل من حيث يمكن مرة أخرى أن يهجروا من لدن العرب. وفوق ذلك يتغذى الصراع مع العرب بواسطة سكان المستوطنات المسلحين الذين يشكلون خطرا سياسيا حقيقيا في حال إفراغها تأثرا بالأزمة الاقتصادية التي تضرب الدولة، وتأثرا بعدم الاعتراف بهجرة يهود شمال أفريقيا التي غطى عليها وزن المحرقة (الشواه) اليهود الشرقيون (السيفاراد) استداروا ضد العرب أنفسهم، على خلفية تتضارب فيها مشاهد مختلفة من حياتهم اليومية ابتداء من رحيلهم من البلدان العربية وصولا إلى لفظهم ورفضهم من لدن إخوانهم اليهود في إسرائيل، وذلك لوضع حد نهائي لهذه العروبة التي تلتصق بهم، إنه ليس صدفة أن يكون الذين صوتوا بكثافة في نهاية 1970 لصالح اليمين الإسرائيلي (الليكود) هم اليهود الذين قدموا من البلدان العربية. حتى ولو كان هذا التصويت يفسر أيضا برفض لليسار الذي لم يفلح يوما ما في تطبيق سياسة اجتماعية، والذي أذلهم عند وصولهم إلى إسرائيل. واعتبر ذلك التصويت بمثابة انتصار لمن كانوا يسمون شفاتز أي السود
على البيض، أي الأشكيناز العماليين الذين قادوا البلاد مدة عقود دون أن يفكروا فيهم، ولهذا السبب، كان أول عمل قام به اليمين الفائز النظر في ملف هؤلاء السكان الذين عاشوا طويلا كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، بالعكس كانت تستخدم الهولوكوست لمصلحة الدفاع عن إسرائيل الكبرى لما بعد .1967
اليهود الفرنسيون، ينحدر أغلبهم من إفريقيا الشمالية. وهجرتهم وضعت في الموضع الخلفي من لدن المجتمع اليهودي المستقبل، ذي الأغلبية الأشكينازية التي تعرضت للهولوكوست، لم تترك في ذاكرتها مكانا للتعبير عن الهجرة واعتباره جرحا حقيقيا، وهذا ما منع من اعتبار هؤلاء على أنهم يهود كاملو اليهودية لأنهم لم يعيشوا هذا المشهد الفتاك من تاريخ اليهود، ولو أنهم لم يفلتوا من ذلك في السنوات الأولى للحرب. بالإضافة إلى ذلك وسبب أصلهم الفرنسي عام ,1870 بمن فيهم اليهود الجزائريون، ورغم الاستقبال الإيجابي من لدن إخوانهم الأشكيناز عند وصولهم إلى فرنسا في سنوات 1960 عانوا من صورة سلبية. اعتبروا أقل ثقافة، أكثر ضجيجا، أكثر امتدادا وإظهارا للثروة وأقل اختفاء. وكان يطلق عليهم بكيفية شبه متسترة شفاتز أي السود. وكرد فعل طبيعي متنامي، يتحول شمال أفريقيا المهجور إلى فردوس مفقود. وانطلاقا من الانتفاضة الأولى، وبصفة أكثر مع الانتفاضة الثانية، تحول هذا الفردوس في الخيال إلى نوع من الوجود السيء المستمر ومكان لأنواع من المعاملات السيئة دون توقف. وهكذا حصل التطابق الذهني بين إسرائيل التي تعاني من العمل الفلسطيني المسلح وبين
الحياة اليهودية بالمغرب العربي. الأمر الذي لم يكن مبنيا على أساس تاريخي حقيقي. الخروج من إفريقيا الشمالية أصبح طردا وإخراجا، رغم أنه كان خروجا لا مناص منه في المدى القريب والمدى المتوسط بالنظر إلى الوضعية الجديدة بالمنطقة والتيارات الوطنية المتحولة إلى أنظمة حاكمة، ووجود دولة إسرائيل والصراع الإسرائيلي العربي والتقارب بين القوات الاستعمارية التي أعتبر اليهود بمثابة تابعين لها ومواطنين فرنسيين. وبعد ذلك قارن المهاجرون أنفسهم بالفلسطينيين، وذهبوا إلى حد المطالبة بالتعويضات وحق العودة أي أن آليات الخيال تعالت على الواقع، لأنه لم يعد لدى المعنيين بالأمر أي أمل في العودة الفعلية إلى شمال إفريقيا.
في فرنسا لا نفهم ما يجري لليهود. هل تقف إسرائيل وراء لعبة خطيرة لدفع اليهود الفرنسيين إلى الهجرة نحو تل أبيب؟
أنا لا أحب التصنيفات، ولا فكرة تلك المؤامرة اليهودية التي أصبحت المؤامرة الإسرائيلية. إذا لم يعد هناك شك في أن شارون يستغل موجة معاداة السامية بفرنسا لتسهيل هجرة اليهود الفرنسيين، فليس معنى هذا أن شارون يتآمر في صنع معاداة السامية، فذلك سقوط في تصور خطير لا يقدم شيئا لأي طرف.
أعرف أن نظرية المؤامرة اليهودية التي أصبحت مؤامرة إسرائيلية منتشرة في العالم العربي، وذلك ما يساهم في إخفاء المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المستفحلة، وبذلك يصبح الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مخففا مؤقتا لتلك المشاكل بتوجيه الرأي العام إلى هذه المشكلة. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يمكن أن يتوقف عن استغلاله من لدن المجتمعات العربية، كما هو الشأن بالنسبة لمعاداة السامية مع إسرائيل التي تعتبر نفسها مدافعا عن مصالح يهود الشتات، التي ظلت طي الإنكار والاحتقار باسم صناعة يهودي جديد يعيش في دولة يهودية جديدة مستخلصة من بقايا وضع اليهودي المقدس، ولا يملك أحد اليوم أي وصفة لمكافحة العنصرية واللاسامية، حذر كبير ينبغي أن يحضر في هذا الميدان. وهناك أخطار من الاحتكار تجري هذه الأيام، بما فيها احتكار الإسلام من لدن بعض المجموعات في قلب الشتات العربي الإسلامي. واحتكار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من لدن القادة العرب لأغراض السياسة الداخلية أمر خطير مثل الأخطار الأخرى.
إذا فشلت السلطات العمومية الأوروبية في مساعيها، رغم إرادتها الحسنة، لأسباب ديماغوجية، أو بسبب معطيات سيئة مثل تصريحات أرييل شارون الأخيرة التي أدانت العرب والمسلمين بفرنسا مع دعوة اليهود إلى مغادرة فرنسا والتوجه نحو وطنهم إسرائيل، كل ذلك يزيد في اتساع الهوة، إلا أن المجتمع المدني يحمل في ذاته طاقة وحيوية خلاقة جديرة بأن تضع القواعد والأسس لنزع الفتيل بالعلم والمعرفة والبيداغوجيا والحوار. وهذا شريطة تجنب الخيار الإيديولوجي من هذا الطريق أو ذاك. التوجه نحو هذا الخيار، بالإضافة إلى فشل مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، يمكن أن يفضي إلى الإمكانية الهائلة للسلام أو يعيد الأمر إلى نقطة الصفر، وضعية صعبة للغاية في فرنسا قد تغرق في العنصرية واللاسامية المفرطتين إذا لم نحذر وهما مؤشران للشر الذي بدأ يزحف في البلد.
هل يمكن أن تنتقد إسرائيل في فرنسا بالنظر إلى ما جرى لكثير من المفكرين الذين تجرؤوا ففعلوا ذلك مثل إدغار موران وآخرين؟
لاشك أن يهود فرنسا الذين يعيشون في نوع من الخوف من اللاسامية التي غذاها زعماء الطائفة اليهودية والتي أحدثت جوا من انعدام الأمن ليسوا على استعداد لقبول أي انتقاد لإسرائيل من أي كان. غير أن هذا لا يشمل كل اليهود لحسن الحظ والدليل على ذلك أن انتقاد إسرائيل موجود وأنا بنفسي أفعله أحيانا. وليس من اللائق أن ينعت مثقف يهودي باللاسامية والإنكارية لأنه ينتقد حكومة إسرائيل. إن دور المثقف بصفة عامة هو إيقاظ العقول، ومن دون هذا لن يبقى مثقفا، والمعركة مستمرة.
في كتاباتك، تعلنين أنك ضد ما تسمينه ديانة المحرقة هل تنكرين وقوع المحرقة أم تنتقدين المبالغة في استخدامها؟
لم أنكر أبدا وقوع المحرقة ولا انتقد المبالغة فيها، ليس هذا دوري وعملي. بكل بساطة، أثرت الانتباه إلى أنه مع تضييع الالتزام الديني فإن المحرقة لن تتحول إلى ديانة مدنية تحل مع الدين اليهودي ومقتضياته العملية. المحرقة ليست دنيا، بل هي مأساة عاشها الشعب اليهودي في أوروبا كما عاشها الشعب اليهودي والغجر وغيرهم. وقد زعمت أن عملا تاريخيا على الذاكرة ينتظرنا كما قال ريكور، غير أن عملا كهذا يدفع فيه إلى التطرف والمبالغة يمكن أن يحول اليهودية إلى دين المآثم والأحزان، اليهودية تحتفل بالحياة تدعو إليها وقد فعلت ذلك في أشد اللحظات بأسا. ومن واجبنا اليوم بالمقابل بإتاحة خروج المحرقة من وضعها الجديد كدين لتأخذ مكانها الطبيعي في التاريخ. كحدث مشترك بين أهل هذا العالم وليس بين اليهود وحدهم. تحويل المحرقة إلى دين، واستغلالها من لدن البعض يوشك أن يحولها إلى شيء عادي وطبيعي، وذلك ما لا ينبغي أن يحدث. وأظن أني لم أكن على خطأ حاليا، فمنذ الانتفاضة الثانية والتوتر العالي بين اليهود والمسلمين، أخذت المحرقة تتحول إلى شيء طبيعي، فالمحرقة وتعليمها في المدارس وتثبيت اللوحات الجدارية عنها للتذكير بها بضحاياها
الأبرياء والاحتفالات بها، لن يوقف كل ذلك معاداة السامية، واجب التذكير لم يجعل اليهودي في الحفظ والأمان. ومع كامل الأسف، لدي انطباع بأن كل تلك الأعمال قد ذهبت سدى. اليوم سقطت كل الطابوهات بما فيها المحرقة، أنا لا أقول إنه لم يكن لزاما علينا أن نفسر ونبين ونذكر مرارا وتكرارا إلى أين يمكن أن تؤدي العنصرية والفاشية. استخدام المحرقة بتلك الطريقة لم يكن عملا وأدى إلى عكس المراد وأن آسفة لذلك.
في سياق الاستعمار وحرب الإبادة من جانب إسرائيل، كيف يمكن الحديث عن حوار يهودي مسلم. ألا ترين أنه ينبغي قبل كل شيء وضع حد للاحتلال الصهيوني، لتجديد العلاقات التاريخية بين اليهود والمسلمين؟
لا أحب كثيرا كلمة حرب الإبادة، هناك حرب، هناك استعمال مفرط للقوة، هناك مبالغات من جانب إسرائيل أرفضها وأنقدها كثيرا، ولكن هناك أيضا من جانب الفلسطينيين عنف مستخدم أحيانا ضد المدنيين. الاستعمار في فلسطين لم يبدأ بتأسيس دولة إسرائيل. أحب أن أثير انتباهكم إلى أن الشرق الأوسط كله تعرض للاستعمار الغربي. الصهيونية نبتت في سياج القوميات الأوروبية خلال القرن التاسع عشر، لا أقل ولا أكثر، الكلمات لا تحل المشاكل، ولكن الذي يفعل ذلك هو وجود زعماء قادرين على صنع السلام. في الوقت الراهن، ليس هذا هو الحال في إسرائيل ولا في فلسطين. لقد صار مستعجلا أن تتوقف الدائرة الجهنمية في إسرائيل فلسطين، وأن تقوم أوروبا وأمريكا بإعطاء علامة التوقيف. كان أوسلو لحظة أمل، ثم كامب ديفيد. وحيث فشل السياسيون، يمكن أن ينجح المجتمع الأهلي بالتأثير في الوضع. انظروا إلى اتفاقيات جنيف، وعريضة نسيبة أيالون. أنا مقتنعة أكثر فأكثر بأن الرأي العام اليوم له وزن أكبر من أي وقت مضى. وفي إسرائيل، السكان مستعدون للخروج من الأراضي المحتلة، وبكل تأكيد، لا أتحدث عن المتطرفين، والأزمة الاقتصادية هي من الشدة في إسرائيل بحيث إن السكان
يريدون من المستوطنين أن يغادروا الأراضي المحتلة. أحيانا تفعل الأزمة الاقتصادية ما لا يفعله رجال السياسة. إذا توقفت عمليات العنف سيغير الرأي العام الإسرائيلي موقفه من شارون. لا ينبغي أن نكون متشائمين، ولنتوقف عن استغلال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لقد عرفت فرنسا وألمانيا ثلاثة حروب اثنتان منها كانتا مدمرتين، ومع ذلك تعاونا معا على إنشاء الاتحاد الأوروبي، إذن كما ترون يمكن لأي شيء أن يحدث. لا توجد ميكانيزمات، ولكن لحظات حساسة تتيح حل المشاكل السياسية. هذا لا يعني أنني لا أدين سياسة شارون، كما أدين العنف الفلسطيني الذي يهاجم المدنيين، الأرض مقدسة للشعبين معا. كيف يمكن تقسيم المقدس، ربما اقتضى الأمر منهما أن ينزعا القدسية عن هذه الأرض، يجب أن تكون إسرائيل فلسطين أيضا مثل كل الأراضي. أرض تقتسم، من أجل هذا لزم القيام بعمل لا يحتل صدارة جدول المهام مادام التوتر عاليا، والانفعال حادا.
مقابلة حسن السرات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.