يفتتح سعيد حاجي، ابتداء من يومه الإثنين، بفضاء تشيرشل كلوب، معرضا تشكيليا تحث عنوان: «ذاكرة فينق»، والذي استعاره من روايته الصادرة عن أفريقيا الشرق، وهي سيرة ذاتية لوجوه من سنوات الرصاص، وإضافة إبداعية لما قرأناه حولها، تستعيد كما قال توفيقي بلعيد في تقديمه للرواية: «.. جراح هذه الذات ومعاناتها المريرة.. من خلال وقائع محفورة في الجلد والذاكرة». في رصده لهذا العمل يقول عز الدين أقصبي، رئيس فرع ترانسبارانسي: إن الفنان سعيد حاجي «استطاع في روايته «ذاكرة فينق» أن يرصد وجها آخر من مظاهر الفساد الإداري، حيث استغلال النفوذ والشطط في استعمال السلطة. وهكذا يكون الكاتب من خلال سيرة ذاتية لشخصية متمردة ترفض دائما وبإصرار الانضباط لواقع يتسم بالإجحاف على حقوق وأحلام الآخرين، قد تمكن من جعل القارئ يتمثل كل الأحداث التي عايشتها الشخصية المحورية للرواية، ومنها بالتأكيد بعض الأحداث التي عرفها المغرب نتيجة تذمر واستياء المواطنين من سوء التدبير والحرمان من أبسط الحقوق». ويردف أقصبي «لقد كان الواقع المعاش مصدر إلهام للكاتب، وهو بذلك ينطلق من تجربة عاينها من خلال «ذاكرة فينق» كسيرة ذاتية تتبع بخطى واضحة واقع القهر والاستبداد». سعيد حاجي ما زال يعاند الذاكرة ويقيم فيها، يسحب منها الاعتراف تلو الآخر كما سحبوا منه هذه الاعترافات ذات زمان، لذلك تأخذه اللوحة لغرض الأستفسار وما إن ينسحب منها حتى يعود، لأجل هذا قرر ألا يطوي صفحة هذه التجربة إبداعيا، إلا حين انتهائه من إنجاز مائة لوحة، وقد انجز النصف. وتجدر الإشارة إلى أن رواية «ذاكرة فينق» ستتحول إلى عمل سينمائي، يشرف على كتابته السيناريست عبد الكريم الدرقاوي، الذي حصل مؤخرا على جزء من الدعم لفائدة هذا المشروع من طرف وزارة الأتصال. عن تجربة حاجي التشكيلية، يقول الناقد الفني عبد الله الشيخ: «تنعطف التجربة التشكيلية لهذا المبدع الحالم والملتزم نحو عوالم تجريدية توثق لمرحلة جيل بكامله ... جيل عانى من ويلات القهر والقمع والإستبداد، مؤسسا لغته الصباغية على بلاغة «المادة» وبروز الأشكال واستثمار النص الغيواني في شذريته وإيحائيته الرمزية وأيضا ببنية بصرية مفتوحة وأفق تخييلي ينتصر للبوح القاسي والمشروع الوجودي. ويضيف مقاربا لأسلوبه الفني بالقول: «يتحدد العمل التشكيلي لدى الفنان سعيد حاجي من خلال تصور عام للموتيف الذي يعكس بلاغة الشعور والإحساس في ضوء رؤية مغايرة للعالم المحيط بنا بعيدا عن تلك التصورات الجاهزة التي توحي بالثبات والواحد والنهائي ... فنان مفتون باقتناص الوجوه الحميمية واللحظات اليومية بتفاصيلها الصغيرة التي تؤصل للواقع المرجعي بكل مفرداته الاجتماعية والمجتمعية، فضاءات دالة تنحو بوحدتها البصرية الموحية نحو أجواء إنسانية مطبوعة بحرارة المواضيع المغربية لتدشن مدى التزام العمل الفني بخلق علاقة رمزية مع الواقع في شتى تمظهراته الإنسانية والثقافية. إنها حضارة يومية للصورة التشكيلية تحاكي بصيغة مغايرة تفاعلات الأضواء والظلال داخل اللوحة مشدودة الى قوة إمتلاء الموتيفات الصباغية بحس الفنان المسكون بدهشة المغامرة والاكتشاف»، ليخلص إلى «أن الفنان سعيد حاجي لا ينطلق من مقدمات عامة جاهزة بل يخوض تجربة خاصة مع زمن اللوحة منصتا لسكونها وحركتها ومشاهدها البصرية في تقريريتها وإيحائيتها، مساويا في رمشة عين بين الجلاد والضحية». من جهته يعتبر المسرحي والناقد التشكيلي عبد القادر عبابو بأن الإنسان ككائن حي متميز في هذا الكون، هو الموضوع الأب الذي تتولد منه كل الأعمال الفنية لسعيد حاجي، والذي يعبر عن بعض الحالات التي تحدد وضع الإنسان في الزمان والمكان دون التعقيد في الرموز. إنني أعتبره فنان الالتزام والإبداع بامتياز، بعدما انعطفت تجربته التشكيلية نحو عوالم تجريدية توثق لمرحلة جيل بكامله...