عبد اللطيف العافية رئيس عصبة الشمال المنتهية ولايته يعود من الحسيمة بخفيّ حنين    تقرير: المغرب يتراجع الى المرتبة 107 عالميا في التمثيل الديمقراطي    قوات الأمن تحاصر وقفة احتجاجية أمام مستشفى أكادير وسط غضب متصاعد على الوضع الصحي في المغرب (صور)    محمد بن عبد الكريم الخطابي روائي في "أول النسيان" لمحمد المعزوز    حكومة جزائرية جديدة دون تغييرات    نادية فتاح: المغرب بقيادة الملك محمد السادس ملتزم بتعزيز التعاون جنوب-جنوب والتنمية المشتركة في إفريقيا    البطولة.. المغرب الفاسي يفتتح موسمه بالانتصار على نهضة الزمامرة    وزارة العدل تشيد باعتماد القانون الجديد للمسطرة الجنائية    تفكيك شبكة للنصب على راغبين في الهجرة عبر عقود عمل وهمية    امزورن.. الشرطة القضائية توجه ضربة موجعة لعصابة خطيرة وتحرر المدينة من مخالب الجريمة    حاملة المروحيات البرمائية الفرنسية "تونير" ترسو بميناء الدارالبيضاء    أبوظبي.. مغربية ضمن قائمة النسخة الرابعة من مبادرة "رواد الشباب العربي"    لقجع يتوقع أفضل "كان" في المغرب    مشروع البيان يؤكد التضامن مع قطر    عدسة حسين الترك تنقل سحر الناظور إلى وجدة عبر معرض فردي بالمعهد الفرنسي    حماية المستهلك تستنكر تنامي الاختلالات بين الأبناك وعموم المستهلكين    رفضًا لمشاركة فريق إسرائيل.. احتجاجات تلغي المرحلة الأخيرة من طواف إسبانيا في مدريد    إسرائيل: 11 قتيلا في أنفاق "حماس"    عجز في الميزانية بقيمة 54,1 مليار درهم متم شهر غشت    رابطة الكتبيين بالمغرب تحذر من خرق دفتر التحملات في كتب مدارس الريادة وتدعو لضمان حقوق المهنيين    المغرب ينال اعترافا أمريكيا بمطابقة مصايده البحرية لمعايير حماية الثدييات    منظمات غير حكومية تحذر بجنيف من استمرار العبودية في مخيمات تندوف    في المؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بشفشاون .. إدريس لشكر: تواجدي بهذه القرية الجميلة هو رسالة تؤكد أن حزب الاتحاد الاشتراكي تلقى توجيهات جلالة الملك، وأنه حريص على التخاطب والحوار مع كل المواطنات والمواطنين في أماكن تواجدهم    وجهٌ يشبه فلسطين    حبُ بين برديَن    شركة SS Heliodor Australia تطلق أغنية "الهيبة" بصوت إيفا ماضي بالتعاون مع Universal Music MENA    اقتطاعات مفاجئة ورفع للرسوم.. حماة المستهلك يرفضون ممارسات مؤسسات بنكية    حادثة سير مروعة تودي بحياة أستاذ بأزيلال    وزير الصحة يجول بالمؤسسات الصحية بالناظور والدريوش لتقييم الخدمات وتفقد المستشفى الجديد    نادي اتحاد طنجة لكرة اليد يجدد ثقته في خالد الفيل لقيادة الفريق للموسم الثاني    الحسيمة.. البام ينتدب ممثليه في المؤتمر الوطني السادس لمنظمة شباب    المكتب الوطني للسكك الحديدية يعتمد مواقيت جديدة للقطارات بداية من الغد    غرق سفينة صيد موريتانية قبالة الرأس الأبيض وفقدان خمسة بحارة    إقصاء العدائين المغاربة فؤاد المسعودي، حفيظ رزقي وأنس الساعي في سباق 1500م    مدوّن عالمي يكشف عرضا سريا لدعم ديمبلي في سباق الكرة الذهبية    تعثر انطلاق أسطول الصمود المغاربي من ميناء بنزرت نحو غزة    تفعيل التعاون المغربي الموريتاني في مجال أمن الحدود ومكافحة التهديدات العابرة    تحقيق في فرنسا بحق رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي    الدار البيضاء: تتويج الفرس 'كازا دي شامبو' بلقب النسخة الرابعة للجائزة الكبرى لإفريقيا 2025 لسباقات الخيول    المهرجان الدولي لسينما الجبل بأوزود يحتفي بالاعلامي علي حسن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    تصاعد العدوان على غزة وارتفاع الحصيلة إلى 32 شهيدا    25 جريحا إثر انفجار في مطعم بمدريد    كوريا تؤكد أول حالة إصابة بأنفلونزا الطيور شديدة العدوى هذا العام    تفاؤل كبير لدى الفلاحين بسبب التساقطات المطرية خلال شتنبر    بعقْلية الكسل كل أيامنا عُطل !    العدالة والتنمية بتطوان يطلق مجموعة من الأوراش السياسية وعلى رأسها ملف الانتخابات    موريتانيا وإسبانيا.. نحو شراكات اقتصادية واعدة    الداخلة.. حجز 6,8 طن من الأسماك واعتقال 12 شخصاً: ملف جديد يسلّط الضوء على التهريب البحري    منظمة الصحة العالمية تسجل ارتفاع حالات الإصابة والوفاة بالكوليرا    دراسة : التدخين يزيد خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري    ارتفاع حالات الكوليرا حول العالم    دراسة: "حمية الكيتو" قد تساعد في علاج الاكتئاب    ناصر الزفزافي يرسل رسالة مؤثرة من داخل سجنه بطنجة بشأن جنازة الفقيد والده    الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية «تاسانو» لسعيد علوش : متخيل المتخيل

منذ سبعينيات القرن الماضي ما انفك الدكتور سعيد علوش ينحت مجرى مشروعه النقديوالأدبي حيث يتساوق الإبداع مع التنظير ضمن اختيار واسع و ثر هو الأدب المقارن.فكما أعطى كتبا نظرية وتطبيقية باتت مراجع لا يمكن تجاوزها أنتج متونا سردية لها نكهتها المتفردة والمائزة، ولاشك أن المتتبع لسيرة الكتابة الروائية لهذا الكاتب سيلمس نزوعه التجريبي المتجدد،منذ روايته»حاجز الثلج»1974 مرورا ب»إيميلشيل» 1980و»تاسانو» .. إلى «سيرك عمار» 2008.
وبالعودة إلى»تاسانو..ابن الشمس»2007 نرى المحكي فيها يأبى إلا أن يصرح سلفا بمرجعياته النصية والواقعية كاشتراط يستدرج فعل القراءة إلى متاهة التخييل المؤسس على الوقائع التي لا يمكن التأكد من تفصيلاتها. ومعناه أن الحكاية هاهنا تقوم على حكاية أو حكايات أخرى أكثر مما تقوم على التاريخ المتجسد بالعيان.لتغدو «الحقيقة الروائية» بعيدة عن مرجعها المادي المفترض بأكثر من درجة.وارتهان نص (نصوص) لاحق(ة) بنص (نصوص) سابق(ة)،بنزوع قصدي، كما في هذه الحالة، مبدأ تناصي يجسد المتعالية الثالثة في مرقاة المتعاليات النصية كما نظر لها جيرار جونيت في كتابة طروس. وعليه فاللحمة والسداة معلن عنهما للقارئ سلفا درجة الاستفزاز وهذا الكشف قد يثير شكوك أفق انتظاره بدل حثه على الاستكانة . إنها حكاية يتم تجريدها، رأسا، من رهان التحبيك عبر تقديم متنها دفعة واحدة باعتبارها «رواية الرواية» والروسم الذي تتقفى أثره حوافر السراد والرواة فيختلفون في شأنه طرائق قددا،بطلها «أول مغربي تطأ قدماه فلوريدا في القرن السادس عشر»، ليعيش مغامرات لا تخلو من إثارة: ازداد بأزمور ،» رحل مع البرتغال، بيع إلى الإسبان، رافقهم إلى أمريكا سنة 1527 ، «كان الناجي الوحيد من بين ستمائة بحار»»قضى ثماني سنوات متنقلا بين فلوريدا وتكساس والمكسيك وأريزونا،قطع 6200 كلم بحرا و10000 كلم برا ما بين 1528و1539»(ص.2) اعتبره الهنود نصف إله. حاز ثلاثة أسماء: تاسانو، استيبانيكو، ابن الشمس، ولعنته القارات الثلاث،أفريقيا،آسيا، أمريكا، لتخلد فيما بعد أريزونا ذكراه بعد خمسمائة عام ويقام له بالمكسيك بتمثال من برونز تكفيرا على هذا النكران والجحود.مما جعل الكتاب المغاربة،لاحقا، يسجلون حضوره التاريخي ويفاخرون به الأمم.ولعل الرواية، وهي تتخلص من ثقل الحكاية عبر إشارة استهلالية(صص.2و3) تعلن عن محاولتها استلهام روح «الواقعة» بدل محاكاتها أو إعادة إنتاجها.
من ثم فإن ما يهم في هذا المتن هو الاشتغال على حكاية الحكاية لا الحكاية ذاتها، كشفا وتغميضا، بناء ونقضا، تأكيدا ونفيا،من خلال المناظرة والحجاج ومقارنة الروايات والأدلة والبراهين والنصوص.وتبعا لمنطق يجافي منطق الروايات فإن البطل»تاسانو» أو إبن الأحلام،الذي سيسكن «رواية الرواية»، تبعا لتعبير المؤلف، سوف يكون هو نفسه المتناظر مع الذين صنعوا أسطورته وتمثلوا أحلامه، وشككوا فيها، من «عصابة السوء»: التي تجمع فرقد،قرفد،و بندق، نافيا كينونته الواقعية التي لم تكن برأيه سوى من وحي أحلام الرواة(ص.8). صحيح أن السارد- الكاتب يصرح في البدء بأن بطله «كان ذا كينونة حيوانية، ووجود إنساني» لا يقبلان الدحض، بيد أن السارد- البطل يميل إلى التشكيك في الحكاية، جملة وتفصيلا، لكن مجال مناوراته يظل محدودا مادام مجرد صوت ضمن أصوات عديدة تتطارح وتتعارض داخل مجرى السرد وعبر توزيعاته وتنويعاته الكبرى المتمثلة في لوحات و فصول جاءت تحمل أسماء رواة على الشكل التالي: ابن الأحلام ?ابن الوزان ? ابن رياح ? ابن حيران-ابن آش، ابن سراج - ابن الشمس - ابن سبيولا. إننا، في الحقيقة، أمام ألقاب(وفق التمييز الذي يفرق به النحاة بين الاسم واللقب والكنية) مغفلة الأسماء،أي أنها متعيَّنة بآبائها لا بذواتها وعلميتها، وهي في مجملها مشيرات تناصية، أو على الأصح متناصات تجعل الفصول مجالا لتفاعلات من شأنها بناء فعل التلقي في النص الكلي وإرباكه معا، متنا ومبنى.وإذا كان المتن الحكائي في الرواية منسجا لمرويات بلا نهاية فإن معادله البنائي والفني، بدوره، يتوزعه الأخذ والرد كما توزع دم بطله بين المدن والقارات وتضاربت أخباره بين الرواة عبر مر العصور، لذا تدرج التضفير من النظم العامي والغناء الدارج: الكناوي والمرساوي (ص.ص.57-58-65-67-68) إلى النظم الفصيح الرعوي(ص.69) إلى قصائد عربية (المعتمد بن عباد) (ص.115)،وأخرى مترجمة لشعراء برتغاليين وإسبان كغاسبارأغيلان (ص.102)،وخوان دي لا إنثينا (107)،وألبارو غوميتاكاسترو(ص.116) وخوسي توريا(ص.ص.121-122) وهي ومثلها من المقتبسات والاستعارات و الأشطر والمقطوعات، لشعراء معروفين ومجهولين، لا يمكن التأكد من صحتها إلا من خلال ما تكشف عنه اللغة والكتابة.وجودها سيميائي أكثر منه إحالي، مثلها مثل شخصية «المغيريبي مصطفى الذي يناديه أبوه : مصيطيفي وتدلله أمه صطيطيف»(ص.2) من دون أن يقر قرار الرواة على اسم مخصوص.وصولا إلى ركام من الأمثال والأقوال المأثورة والعتبات والاقتباسات النثرية المستوحاة من مصادر مشار إليها دونما تدقيق أو هي على الأرجح تضاعف الإيهام بالاقتباس ،فقائلوها وكتابها منهم من عاش منذ زمن بعيد ومنهم من مازال يعيش الآن في الواقع كما في الأخيلة. فبقدرما تكثر التفاصيل تقل إمكانيات القبض على صورة مدققة للحكاية فأحرى بملامح بطلها الإشكالي المثير للجدل . إنها فسيفساء من الحكايات «الواقعية» والتعجيبية المنشبكة لصوغ أسطورة «تاسانو» وتفتيتها في آن. هذا العابر لقارات ثلاث ولمخيالات بمرجعيات دينية(إسلامية ومسيحية ويهودية) وإثنيات بلا حصر. المتحقق في التاريخ والذي يستحيل القبض على حقيقة كينونته في الآن ذاته. من هنا نرى السرد يتقدم خطوة ليتراجع خطوات في استجماع سيرة (سير) الحكاية،فكلما أضيئت مساحة من فضاءات وجوده طرأت عتمات طامسة لهذه الكوى المضيئة. فالأزمنة متداخلة وكذا الأمكنة والأحداث والخطابات واللغات.إن هذا التداخل ينفي تاريخية المتن الحكائي المعلن عنها في العتبات الممهدة، ضمن لعبة البناء والتفكيك،سيما وأن مواد البناء والتفكيك ذاتها تقوم على التنافر وعدم التجانس في أفق نسج متخيل أسطوري كلي يوائم بين التمثلات المختلفة كي ينقضها في مجازفة تقترب من النقطة الحرجة المهددة لانفجار النص القائم على استيحاءات مفرطة في التنوع والكثافة. فكما صنعت القارات مشتركا أسطوريا تضاربت تسمياته وتفاصيل الأوهام المتناسلة حول سيرته، ستشارك ،هذه القارات معا، في إنتاج فيلم سينمائي ضخم يعيد تشخيص هذه الأحلام والتمثلات، يتولى إخراجه المخرج ألمودوفار وتلعب فيه سريسرة بنت الغول دور بوكاهاتس زوجة استيبانيكو،وواضح،بالاستناد إلى خارجيات النص، أن اسم المخرج حقيقي (المخرج الإسباني المعروف بيدو ألمودوفار) فيما لا وجود لشريط «ابن الشمس « ضمن ريبيرتواره الفيلموغرافي. وغني عن البيان كذلك أن سريسرة(سرايا؟) بنت الغول ليست ممثلة ولا كائنا من لحم ودم حتى.إننا، والحال هذه، إزاء مزيج من الواقعي والتخييلي، من الكذب التاريخي والحقائق الروائية إذا جاز لنا أن نحرف قليلا عبارة روني جيرار الشهيرة.وهو ما اصطلحنا عليه بمتخيل المتخيل، أو متخيلا من الدرجة الثانية بالمعنى الرياضي لا الأفلاطوني. بيد أن أثارا غابرة قد تثوي أطراسها خلف هذا الحافر الوهمي الذي يتغير فيه السند من الشفوي إلى المكتوب إلى المرئي،ذلك أن للمخرج الأمريكي كين دون هيجو روزا شريطا للرسوم المتحركة حول «ابن الشمس» موناكو كاباك كأول إمبراطور أسطوري للأنكا، هذا عدا كون الفرعون أخناتون كان بدوره يحظى بهذا اللقب التبجيلي القريب من روح العالم(الشمس) التي بنيت معابد لها على امتداد الأرض .كما لا يخفي أن للكاتب المصري سيد نجم رواية للفتيان بعنوان»كامس..ابن الشمس» صادرة عن دار الهلال، وكامس هو آخر ملوك الأسرة الفرعونية السابعة الذي انتصر على الهكسوس ومات سنة 1540 ق. م..(هل هي المصادفة وحدها التي جعلت ابن الشمس تاسانو يخوض مغامرته في الفترة ذاتها ....لكن بعد الميلاد؟) وتتناسل استيحاءات الأقباس من الشمس لما ظلت تمثله حتى زمننا هذا من سطوة ومصدر للحياة. وجدير بالذكر أن نشير إلى حضور «ابن الشمس» في بعض المؤلفات المغربية ككتاب»مغامرة استبانيكو في أرض الهنود الحمر» أول رحلة شرقية إلى أمريكا الشمالية 1500-1539 الذي نشره مصطفى واعراب منجما ضمن جريدة الأحداث المغربية، و رواية الكاتب المغربي حمزة بن إدريس العثماني، الفائزة بجائزة المغرب لسنة 2006 المكتوبة بالفرنسية والمعنونة ب»لوفيس دي سولاي»...إلخ.
ولا شك أن الحفر في دلالة الاسم»تاسانو» -الذي اختاره المؤلف- في الثقافة الأمازيغية من شأنه أن يطلعنا على أمرين: - ارتباطه بعضلة الكبد ككناية على المحبة القوية والعميقة،- وتأكيده على الجذر التربيعي لمسقط رأس ابن الشمس: دكالة حيث أناخت لزمن غير يسير قبائل أمازيغية- كمصمودة مثلا-دخلت في تحالف وتنافر مع إمارة بورغواطة وعاصمتها أزمور، التي ساسها طريف المتغاري الأمازيغي بشريعة مزيفة. مما يماهي بين ابن الشمس وطريف المتغاري.
والرواية، عبر اشتغالها المعقد تنحو مناحي شتى:
- فهي تستعيد سيرة متخيلة عبر نفيها- بالمعنى الذي يعطيه كيركوغارد لمفهوم النفي. أي أنها تطرح احتمالية عدم وجودها من خلال أصداء وجودها، وهي بالتالي تصنع متخيلا حكائيا جديدا قائما بذاته كسيرة مفترضة لتاسانو ابن الشمس.
- وهي تتوسل بالإركام النصوصي لإنتاج نص شامل يجمع كل الممكنات السردية لمتخيل يقوم على متخيلات سابقة.
- كما أنها تنسّب المعنى ووجهات النظر كي تبني معناها ومبناها، على أسس التماهي والتباين بين ممكنين، ممكن سردي قائم وممكن سردي مفترض. لهذا فهي، من جهة، تاريخية بمقدار ما توهم به من وقائع تاريخية، وهي، من جهة أخرى، لاتاريخية في كسرها لكل إيهام.
ومعنى ذلك أن رهان الكاتب كان رهانا روائيا قبل أي شيء آخر، أو هو على الأصح رهان كتابة ضمن جنس الرواية، وإن بدا التمويه قد اتخذ ذريعة الخوض في «مادة جاهزة» لخلق كتابة غير ناجزة قبلا، أو على الأقل كتابة مختلفة قوامها البحث عن المختلف ضمن مؤتلف مزعوم. ولعل ما يزكي هذا الاستنتاج هو تلك التعرية- التعمية التي وردت في الاستهلال عن أندري فوزينييسيينسكي من كتاب»الصفر والمطلق» التي جاء فيها:» أيتها الرواية الجهمة وداعا! ها أنا على وشك الانتهاء منك في القريب العاجل.....لا أرى الورق ولا القلم ولا اليد...كل شيء يغرق في الظلام...قضيت معك أياما كثيرة....من أجلك نسيت الأصدقاء والقضايا المهمة...لقد أتعبتني للغاية! شكرا لك فقد عثرت علي...»(ص.1). وما يستخلص في هذا التلميح الاستهلال بناء على قراءة المتن ككل:
- أن رواية «تاسانو....ابن الشمس.. ملعون القارات» لسعيد علوش رواية جهمة فعلا. بالمعنى الشعري لهذا الوصف مادامت تعرضت لموضوع حدّي بين مجد وانكسار، بين رغبة وخيبة رديفة لكل تجريب إبداعي. وهي بالتالي رواية متعبة كتابة وقراءة،لأن ماصرف فيها من جهد كتابي يتطلب فعلا قرائيا يوازيه أو يقاربه. بمعنى أن «رواية الرواية» لن تتحق إلا بانكتاب ثان ينهض به مثلقوها. حينها فقط يمكن لها أن تستوي دونما حاجة إلى كاتبها الأول..أليس هذا ما تومئ به عبارة» شكرا لك...فقد عثرت عليّ»؟!.
سعيد علوش « تاسانو ابن الشمس ملعون القارات»، دار أبي الرقراق للطباعة والنشر، الرباط، 2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.