ركز الناقد المغربي ميلود عثماني على الأهمية التي أصبح يكتسيها التخييل الذاتي مؤخرا في مجال الكتابة، خاصة في البلدان المتقدمة، مشيرا إلى أن رواية أخاديد الأسوار للزهرة رميج تنتمي إلى هذه الفصيلة من الكتابة. وأضاف عثماني، في مداخلة وسمها بـأخاديد الأسوار أو انبعاث الفينق، خلال لقاء نظم مساء الجمعة الماضية لتقديم وتوقيع هذه الرواية بالمكتبة الوطنية بالرباط، أن القارئ عندما ينتهي من قراءة هذا الكتاب يتساءل إذا كان الأمر يتعلق بسيرة ذاتية تستحضر فيها صاحبتها تجربة السجن أم برواية كما هو مكتوب على غلافها أم بالتخييل الذاتي. ورجح أن أخاديد الأسوار تنتمي إلى التخييل الذاتي، مستبعدا أن تكون رواية، بالنظر إلى كونها تعتمد التجربة الذاتية للكاتبة بقراءة ثانية توظف الخيال، مشيرا إلى أن الكتاب يدخل ضمن هذه الموجة العالمية من إعادة الاعتبار للذات وتثمينها. وقال إن التخييل الذاتي يتميز عن السيرة الذاتية في كون الأول يعتمد توازيا بين الذاكرة والكتابة، إذ على الكاتب أن يتذكر وينسى في نفس الوقت، ويقوم على المسافة، بينما في السيرة الذاتية، الكاتب والسارد والذاكرة يمثلان أمرا واحدا. واعتبر أن الذات في الأخاديد مهمة جدا، فهي محور الحكي والناطق الأساسي باسم الكاتبة، وبذلك كان البوح أهم جسر للمرور إلى الخارج، مشيرا إلى تعدد التفاصيل وتوزعها بين ما هو حميمي وما هو حقوقي (السجن) وما هو روائي، وأن الكاتبة مسيطرة على الجزئيات وهي التي تقدم لنا العالم من وجهة نظرها. وشبه انتهاء الكاتبة من روايتها بدخولها إلى حمام تركي، حيث تطهرت من أدرانها، قبل أن تخرج بلا ذاكرة وبلا آلام. ومن جهته، قارب الناقد سعيد جبار الرواية من زاوية أنا الساردة والآخر المسرود، مستبعدا المؤلفة، معتبرا أن الذاكرة تشتغل عبر ثلاث وظائف أساسية هي التخزين وإعادة الإنتاج والتعرف. وأوضح أن التخزين يتم في الماضي والتذكر في الحاضر وهو فعل ذهني، وإعادة الإنتاج هو تفعيل لهذا الماضي عبر عملية السرد، والتذكر هو إعادة إنتاج بإحساس جديد لا علاقة له بالحدث المنتَج. وذهب إلى أن الساردة تحاكم الماضي وهي تسائله وتحاكم الحاضر وهي تستحضر الفاعلين فيه مشيرة إلى أحداث16 ماي في البيضاء ومقاومة الاستعمار وقضايا عربية أخرى. وقال جبار لقد أطلقت الساردة العنان للذاكرة لتستحضر السجن والبلدة وفضاءات متعددة، معتمدة على لغة شعرية وجمل قصيرة، ومفارقات متعددة. وأخذت الكلمة الزهرة رميج لتوضح أنها وضعت رواية على غلاف كتابها على اعتبار أن السيرة الذاتية تعد بمثابة تعاقد بين الكاتب والقارئ على قول الحقيقة، وأنها لا تتناول حياتها الخاصة بقدر ما تحاول رد الاعتبار إلى زوجها الذي عانى كثيرا قبل وفاته، قائلة الذات لم تكن إلا وسيلة لنقل صورة الآخر. وللإشارة فقد سبق للزهرة رميج أن نشرت مجموعتين قصصيتين أنين الماء ونجمة الصباح كما ترجمت مجموعة من الأعمال كـتمارين في التسامح وقاضي الظل لعبد اللطيف اللعبي وامرأة ليس إلا لباهية الطرابلسي، كما شاركت في كتاب جماعي تحت عنوان الكتابة النسائية: التخييل والتلقي.