زهرة رميج قاصة وروائية وشاعرة ، صدرت لها مجموعتان قصصيتان: « أنين الماء »4002، «زهرة الصباح» 6002، ثم رواية «أخاديد الأسوار» 7002، وقريبا تصدر لها مجموعة قصص قصيرة جدا عنوتنها ب»عندما يومض البرق»، كما في جبتها الكثير من الترجمات. في هذا الحوار اقتراب من أغوارترجمات وكتابات زهرة القص كما يسميها أصدقاؤها من المصابين بالقصة: - ما الذي يحملك على الكتابة وماذا تحملين لها؟ < يحملني على الكتابة التوتر والقلق الدائمين الذين أعيشهما سواء على المستوى الذاتي أوالجماعي وعدم القدرة على الصمت أمام ما يحدث حولي. تحملني رغبتي في التعبير عن أفكاري وآرائي ومواقفي ومشاركة الآخرين أحاسيسي ومشاعري وتجاربي. لا أدعي تغيير الواقع عن طريق الكتابة، ولكن على الأقل، أستطيع أن أرفع صوتي وأقول «لا» بطريقتي الخاصة لكل مظاهر القبح والرداءة التي لا تتوقف عن الزحف. من هذا المنطلق، يكون للكتابة فضل علي لأنها تحررني من اغترابي الداخلي وتطلق العنان لمكبوتاتي بكل أشكالها النفسية والسياسية والاجتماعية. أما ماذا أحمل لها أنا، فلا شيء غير الصدق. - أيهما يسيطر عليك الآن؟ القاصة أم الروائية ؟ < يسيطر علي الإبداع السردي بشكل عام. ولا يهم إن كان قصة أورواية. الذي يشغلني أساسا، هوأن تكون كتابتي في مستوى ما أطمح إليه. هذا هوالهاجس الذي يسيطر علي دائما. - ما السر في اختيار «أنين الماء» عنوانا بدل خريره وانسيابه؟ < العنوان كما تعلم، مهم جدا في أي عمل إبداعي. فهوالنافذة التي تنفتح عليه. وهوالمقبّل الذي يفتح شهية القارئ. ومن هنا، لا بد أن يكون مستفزا. لا شك أن القارئ يجد نفسه مع هذا العنوان يتساءل: كيف يئن الماء؟ في هذا السؤال وحده تكمن الإثارة. أما لوكان العنوان «خرير الماء»، فسيكون عاديا، وقد يحيل على نصوص مفعمة بالسعادة والرومانسية، والحال أنها عكس ذلك تماما. فالشخصيات في «أنين الماء» كلها تئن جراء احتراقها بنار الواقع وإكراهاته الخانقة. - ثمة روح ساخرة في قصصك.. بم تعللينها؟ < المثل المغربي يقول:«كثرة الهم تضّحّك». والشعوب عندما تتفاقم مشاكلها، تتخذ السخرية وسيلة للتنفيس عن آلامها. فقد أفرز الواقع التركي مثلا، أعظم كاتب ساخر هوعزيز نيسين. لذلك، لا شك أن مبعث السخرية في الأعمال الإبداعية هومرارة الواقع والرغبة في لفت الأنظار ودق نواقيس الخطر بخصوص ما ينتقد. عندما توظف السخرية كوسيلة جمالية، لنقد بعض الظواهر السياسية والاجتماعية، فإن درجة التأثير تكون أكثر قوة. - «أخاديد الأسوار» شهادة حارة بصوت روائي صارخ، واحتراقا في حب الوطن، مارأيك؟ < يسعدني أن تصلك حرارة صوتي وتشم رائحة احتراقي.. ذلك أني أردتها فعلا، شهادة حارقة عما يعانيه الوطن من هدر للطاقات الخلاقة بقمعه لحرية الرأي وحرية التفكير، وبعدم ضمانه لكرامة المواطن. كثيرا ما أرقني هذا السؤال: «لماذا ينعدم حب الوطن عند المغربي؟» إن غياب الديمقراطية الحقيقية التي تضمن حقوقه كاملة، واتباع سياسة توسيع الهوة بين الطبقات وإسدال الستائر السوداء في وجه المستقبل، كلها أمور تجعل من الوطن سجنا كبيرا يسعى كل واحد إلى الهروب منه بطريقته الخاصة. - ما درجة إحساسك بالحرية، وأنت تكتبين هذا النص الروائي، بعيدا عن الرقيب المفترض؟ < كتبت هذه الرواية وأنا في حالة نفسية غاية في التوتر والانفعال. كتبتها بوتيرة سريعة مثلما تكتب القصيدة عندما تنفجر دفعة واحدة كالشلال. لم أفكر أبدا، في الرقيب المفترض. كتبتها وأنا أختلي بنفسي وكأن لا أحد غيري سيقرؤها. لذلك، كان إحساسي بالحرية مطلقا. فقد عبرت عن أحاسيسي وأفكاري ومواقفي بكل صدق ودون مراعاة لأي طرف كان. - ما هوالحجم الذي يشغله القارئ في كتابتك؟.. هل تفكرين بقارئ معين؟ - لا أفكر عادة، في القارئ وأنا أكتب. ما يشغلني أثناء الكتابة، هوالنص نفسه وطريقة التعامل معه والتقنيات التي تناسبه. ما يهمني هوأن أرضى شخصيا، على النص باعتباري قارئة لا مؤلفة. عندما يتحقق ذلك، تنتهي مهمتي. ما أطمح إليه هوأن يجد كل قارئ كيفما كان مستواه، شيئا ما يثيره في نصي. - كمترجمة، إلى أي حد تتدخلين في تفاصيل العمل المترجم، وهل يتم بالاتفاق مع صاحب العمل؟ < عندما أقوم بترجمة نص إبداعي ما، أضع دائما نفسي مكان المترجم له. فمن خلال تجربتي ككاتبة، أعرف أن الكثير من التفاصيل التي قد تبدوأحيانا، لا أهمية لها، تكون أساسية في العمل الإبداعي. لذلك، أحرص على احترام هذه التفاصيل ما دامت لها وظيفة محددة في النص وما دامت لا تتنافر واللغة المترجم إليها. واتفاق صاحب العمل مرهون بالتواصل معه ومناقشته في هذه الأمور مثلما حدث مع الكاتب عبد اللطيف اللعبي الذي كانت لي معه تجربة جميلة بهذا الخصوص. - بعد هذه الرحلة ماذا حققت لك الكتابة؟ < رحلتي في الكتابة، ليست طويلة. لا أزال في بدايتها. ومع ذلك، يمكنني القول إن الكتابة حققت لي بالدرجة الأولى، التوازن النفسي، وحررتني من صمتي وأعطت لحياتي معنى إذ ارتقت بي من وضع «الإنسان الأخير» إلى وضع «الإنسان الذي يسير في الطريق» بمفهوم الفيلسوف نيتشه. - ما جديد زهرة رميج؟ < جديدي يتمثل في مجموعة قصصية قصيرة جدا، بعنوان «عندما يومض البرق» تصدر قريبا و كتابين مترجمين هما: «نهر شيسوان، مختارات من القصة الصينية» لكاتبات صينيات سيصدر بتونس، و»عقدة دي» للروائي الصيني داي سيجي الذي يكتب باللغة الفرنسية ويصدرها المركز الثقافي العربي. - بالمناسبة، من أين أطللت على القصة القصيرة جدا ؟ وما هومبرر وجودها عندك؟ < لا أدري إن كنت أنا التي أطللت عليها أم هي التي أطلت علي! كل ما أعرفه أني كتبتها بالموازاة مع الشعر والقصة القصيرة. لعلها جاءت من قراءاتي وإعجابي بما كتبه الكثير من الكتاب ومنهم جبران خليل جبران ونجيب محفوظ ومحمد إبراهيم بوعلوالذي كنت أحرص على قراءة قصصه التي كان ينشرها كل أسبوع بجريدة المحرر. وهي القصص التي جمعها ونشرها في مجموعته «خمسون أقصوصة في خمسين دقيقة». أما مبرر وجودها، فهوشبيه بمبرر وجود البرق في السماء. إنه نور خاطف، لكنه رغم سرعته الهائلة يكشف في تلك اللحظة الدقيقة، عالما لا حدود له وينبئ بهزيم الرعد وهطول الأمطار الطوفانية. أولنقل إنه شبيه بمبرر وجود القصيدة التي تفاجئك على حين غرة وتجتاحك في لحظة خاطفة دون أن تعرف لذلك سببا أومعنى.