شكل المؤتمر الوطني الثالث المغربي للحقيقة والإنصاف، الذي احتضنته قاعة غرفة التجارة والصناعة بمراكش يوم الجمعة الماضي، فرصة لعرض عدد من المطالب، التي ترسي عدم تكرار ماضي الانتهاكات الجسيمة وتعمد إلى جبر الضرر الفردي والجماعي مع استجلاء الحقيقة. وطالب المنتدى، في سياق التطرق إلى الإصلاح المؤسساتي، بإصلاح المؤسسات الأمنية ومناهضة الإفلات من العقاب، الأمر الذي يقتضي، حسب ما ورد في مشروع الأرضية التوجيهية التي حصلت «المساء» على نسخة منها، «إحداث آليات للرقابة على الأداء العام للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وعلى ميزانياتها». وانتقد المنتدى «الأجهزة الأمنية والعسكرية المنفلتة من الرقابة القضائية والبرلمانية، فضلا عن أنها غير خاضعة من الناحية العملية للمسؤولية السياسية للحكومة». وبذلك حث المنتدى على ضرورة إخضاع الأجهزة الأمنية والعسكرية للرقابة البرلمانية وتوسيع اختصاصات اللجان البرلمانية المكلفة بالأمن والدفاع الوطني. وتأكيدا على ضرورة الارتقاء بقواعد الحماية في مجال حقوق الإنسان إلى المستوى الدستوري، شدد المنتدى، الذي اختار له شعار «ما مفاكينش»، على إلزامية «النص دستوريا على تجريم التعذيب والاختفاء القسري وجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية»، مضيفا أن من بين التدابير الرمزية والجوهرية في موضوع جبر الضرر الفردي أو الجماعي هو «اعتذار الدولة العلني والرسمي عما صدر من أجهزتها القمعية من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان». وبقدر ما يفيد الاعتذار الرسمي للدولة في رد الاعتبار للضحايا والمجتمع، فإنه يعبر في الآن نفسه عن «إرادة الدولة السياسية في القطع مع الماضي، والتعاقد مع المجتمع على عدم العودة إلى مظالم الماضي والالتزام بإرساء ضمانات وتدابير عدم التكرار». ولم يسلم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان من سهام نقد رفاق الصبار، فبعد أن طالب المؤتمر الوطني الثالث بمراجعة القانون المنظم للمجلس و«ملاءمته مع معايير باريس الخاصة بالمؤسسات الوطنية، وتحويله إلى مؤسسة مستقلة، وكذا إدماج ميزانيته ضمن الميزانية العامة للدولة»، أكد المنتدى على أنه بالرغم من أن المجلس الاستشاري، في إطار تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، أسس تنسيقيات محلية لجبر الضرر الجماعي، فإنه أقصى الفاعلين الحقوقيين وحركة الضحايا واقتصر على ضم بعض الجمعيات التنموية ورجال السلطة والمنتخبين. كما انتقد المنتدى «محدودية» عملية تسوية الوضعية المالية والإدارية لعدد من الضحايا المطرودين من وظائفهم، معتبرا أن المساطر المتبعة في إعادة المطرودين وتسوية ملفاتهم تتسم ب«البطء والبيروقراطية». وذهب المنتدى إلى اعتبار أن قرن التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة مسؤولية دفن ضحايا التعذيب خلال فترة ما سمي بسنوات الرصاص بصفات ومسؤوليات كالقائد والعامل ومحافظ المقبرة ومحافظ مصلحة حفظ الأموات، من شأنه تخويف المعارضين السياسيين والمجتمع وبث الرعب فيهم. وأوضح التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة أنه تم الكشف عن مصير 742 حالة من حالات الاختفاء القسري، وتم الإقرار بحصول القناعة ب66 حالة تجتمع فيها العناصر المكونة للاختفاء القسري، إضافة إلى 367 من المختفين قسرا، الذين نجوا من المعتقلات السرية، كما أن 67 حالة كانت محسوبة في عداد المختفين قسرا في إطار النزاع حول الصحراء تم تسليمهم للجنة الدولية للصليب الأحمر. وأشار التقرير إلى حدوث 15 حالة وفاة طبيعية، وإلى 36 حالة وردت بشأنها معطيات من الدرك الملكي، توفي اثنان منها أثناء الاعتقال التعسفي، وواحد نفذ فيه حكم الإعدام. وبذلك تكون هيئة الإنصاف والمصالحة قد عالجت ما مجموعه 1293 حالة من حالات الاختفاء القسري. أما فيما يخص مجهولي المصير فقد أوضح مشروع الأرضية التوجيهية للمنتدى أن الأبحاث المجراة أفضت إلى تحديد مصير 742 حالة من مجهولي المصير، وبقيت 66 حالة ضمن الحالاتالعالقة. لقطات من المؤتمر شبان يزرعون الرعب لم يكن يتوقع العديد من الحاضرين للمؤتمر الوطني الثالث للمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، الذي احتضنته قاعة غرفة التجارة والصناعة بمراكش يوم الجمعة الماضي، اقتحام ستة شبان مجردين من بعض الملابس، يرددون عبارات «شكون قال باللي ما مفاكينش». وفي الوقت الذي قام ابن المختطف قاسم وزان باعتراض الشبان الستة، الذين قدموا لوحة فنية تعبيرية بالجسد بعنوان «زمن القهرة»، إذ حسبهم مسخرين لنسف المؤتمر، هرولت ناشطة نسائية وحقوقية معروفة نحو المنصة، لكن إحدى «الرفيقات» التي كانت تعلم مسبقا بعزم الشبان (3 فتيان و3 فتيات) تقديم لوحة فنية هدأت من روع «الرفيقة» سابقا، وأوضحت لها أن الأمر يتعلق بمسرحية تصور معاناة المعتقلين السياسيين داخل السجون. الصبار وعمدة مراكش رفض محمد الصبار، رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، تقديم الشكر لفاطمة الزهراء المنصوري، عمدة مدينة مراكش. والسبب يعود إلى امتناع هذه الأخيرة عن منح المنتدى قاعة بمقاطعة جليز من أجل إجراء ندوة حقوقية تمهيدية للمؤتمر الوطني الثالث، في الوقت الذي قالت فيه مصادر مقربة من عمدة مراكش في اتصال مع «المساء» إن هذه الأخيرة أعطت موافقتها لمسؤولي المنتدى بإجراء الندوة في القاعة التابعة للمجلس الجماعي. وبعد شكر الصبار لعدد من المسؤولين المحليين التابعين لبعض المصالح التي قدمت المساعدة للمؤتمرين، قال الصبار «إنه كان بودنا أن نشكر السيدة العمدة، لكن مع الأسف حرماننا من قاعة عمومية حرمها من ذلك». محاولة إحراج حاول محمد الصبار، الذي كان يسير الندوة التمهيدية للمؤتمر، إحراج محمد سؤال، عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، عندما سأله حول ما إذا كان يحس بالحرج حول التأخر الذي يعرفه تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، في الوقت الذي طالب فيه حزب إسماعيل العلوي بالإسراع بتنفيذ توصيات الهيئة. احتجاج ضد المنصوري في خطوة احتجاجية على قرار رفض فاطمة الزهراء المنصوري، عمدة مدينة مراكش، الترخيص لعقد ندوة تمهيدية للمؤتمر بعنوان: «مغرب بدون انتهاكات جسيمة: الاشتراطات، الضرورات، المخارج»، قرر المؤتمرون توجيه رسالة احتجاجية إلى العمدة يدينون فيها قرار المنع. وشكل المؤتمر لذلك لجنة تقوم بجمع الرسائل الاحتجاجية مرفوقة بثلاثة دراهم ثمن الظرف والطابع البريدي.