سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مبارك: أوفقير خاطبني غاضبا: تريد أن تقوم بثورة.. هذه مشكلتكم أبناء البادية تذبحون أنفسكم بأيديكم حكى أن أوفقير قال له إن أبناء المدينة يدرّسون أبناءهم ليحكموا «أما أنتم فتريدون القيام بالثورة»
حينما اعتقد الجميع أن صفحة جيش التحرير المغربي، بكل تناقضاتها، قد طويت إلى الأبد، ظهر رجل اسمه زكي مبارك، قادته الصدف إلى أن يضع يده على أخطر وثائق جيش التحرير حساسية. في سيرة زكي مبارك الكثير من الأحداث والشخوص. يقول إنه كان دائما يشتغل بجبة الأكاديمي، لكن خصومه من أحزاب الحركة الوطنية كانوا يعتبرونه «مؤرخا للمخزن». على كرسي «الاعتراف» يحكي مبارك قصة صراعه العنيف مع حزب الاستقلال، ويتذكر كيف خاطبه علال الفاسي يوما بلغة حازمة: إذا لم تبتعد عن هذا الموضوع -يقصد جيش التحرير- «تلقا راسك مليوح فشي بلاصة». على مدار حلقات طويلة يسرد زكي مبارك أحداثا عاشها مع المحجوبي أحرضان، علال الفاسي وإدريس البصري، ويشرح، بإسهاب شديد، كيف أصبح صديقا لعبد الله الصنهاجي، علبة أسرار عباس المساعدي، وكيف أخفى لمدة طويلة وثائق حساسة حول «ميليشيات حزب الاستقلال» والصراع العنيف بين محمد الخامس وأحزاب الحركة الوطنية.. – بعض الروايات تقول إن الخطيب اقترح على عبد السلام ياسين الانضمام إلى حزبه قبل أن يعرض الأمر على حزب العدالة والتنمية. لا أعرف شيئا عن هذا الأمر، لكن ياسين لم تكن علاقته جيدة بالخطيب، ولم يكن ليمضي خطوة واحدة معه إلى الأمام. – نرجع إلى فترة الستينيات من القرن الماضي. بعد أن خرجت من وزارة المالية، أين اتجهت بالذات؟ في تلك الفترة كنا نشتغل بجدية داخل جمعية الشباب والتقدم، وكنا ننافس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في نشاطاته، وقد اقترح بعض أعضاء المكتب أن ننسق مع الاتحاديين، لكن القرار استقر على عدم التنسيق معهم. كنت أشغل مهمة رئيس الجمعية، وكانت الأنظار متجهة نحو الجمعية بسبب نشاطاتها. لن أخفيك أن الكثير من الجهات أرادت التنسيق معنا، وفي مقدمتها السفارة الصينية بالمغرب. وبالفعل ذهبت الجمعية في اتجاه التنسيق مع هذه السفارة، وكنا نعرض أفلاما تؤرخ للثورة الشعبية في الصين، ومن ثم تقوت علاقتنا بهم إلى درجة أني أقنعت عميد الجامعة بأن يستقبل 30 من الطلبة الصينيين لاستكمال دراستهم في جامعة محمد الخامس، وكنت أنا من أشرف على تأطيرهم دون أن أعي أبدا أن ما أقوم به يدخل في باب العمالة للصين. – لا أفهم كيف تكون رئيسا للجمعية وتقود نخبة من المثقفين دون أن تعرف أن تعاونك مع السفارة الصينية يحسب في خانة العمالة ولا يمكن تصنيفه في أي باب آخر. توقعت منك هذا السؤال. أولا، يجب أن يعرف الجميع أننا لم نتلق سنتيما واحدا من الدعم المادي من السفارة الصينية، وكل ما كانوا يقومون به هو أنهم يأتون إلينا بالشاي والحلويات الصينية. – لكن كيف نفهم أنكم تروجون لأفكارهم دون تلقي أي دعم. لا شك أن صفقة ما كانت ب ينكم. مرة أخرى أؤكد لك أنه لم تكن هناك أي صفقة بيننا وبين السفارة الصينية، حيث لم نكن ندرك أن الصين لديها صراع إيديولوجي مع الاتحاد السوفياتي. ففي الوقت الذي كانت الصين تؤمن بعقيدة الثورة للفلاحين كان الاتحاد السوفياتي يؤمن بعقيدة الثورة للعمال. ولهذا السبب بالتحديد شرعنا في تسجيل سكان بادية السهول بالرباط في الحالة المدنية. هنا بالضبط سيبدأ منعطف جديد في حياتي، حيث سيزورني الكوميسير الماحي، أحد المتهمين باختطاف المهدي بنبركة، وقال لي لي إن الجنرال أوفقير يريد مقابلتي. تملكني الخوف يومئذ، لاسيما أن الجميع كان يعرف سطوة أوفقير. ذهبت مع الماحي في سيارته والتقيت بلعالم، كاتب الدولة في الداخلية، وكان صديقا لي أيام كان أستاذا في المدرسة الإقليمية، فاستفسرته عن مضمون اللقاء، فأجابني باقتضاب: ستعرف بعد قليل. أعترف أني كنت متوترا جدا، وكنت أتوقع أن يتم اعتقالي فورا. ولأن مكتب أوفقير كان قريبا جدا من مكتب بلعالم، فقد التقينا في الردهة. الحقيقة أن شرارة الغضب كانت تتطاير من عينيه، إذ خاطبني حانقا: لم يبق لك سوى الصينيين لتتعاون معهم، هل تريد القيام بالثورة في البادية المغربية؟ هذه هي مشكلتكم أنتم أصحاب البادية، تذبحون أنفسكم بأيديكم، أنتم تقومون بالثورات وتتمردون على السلطة، أما أصحاب المدن، فيدرّسون أبناءهم في المعاهد والمدارس والجامعات الأجنبية. قبل أن يضيف بنبرة فيها الكثير من المرارة: لهذا بالتحديد سيحكمكم أهل المدينة ما حييتم. اتسعت عيناي، ولم أستوعب قط ما كان يقوله أوفقير لي، فسألته: ما الذي تريده مني، فأخبرني أن بلعالم سيخبرني بكل شيء، ثم اختفى. لكن ما قاله ظل يحاصرني من كل اتجاه: الرجل الأقوى في مملكة الحسن الثاني يتحدث معي بهذه اللغة. هذا يعني شيئا واحدا ولا يمكن أن يتحمل أي قراءة أخرى: حياتي أصبحت في خطر.