سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مبارك: عبد الرزاق أفيلال كان يتشاجر مع الأساتذة المتدربين لإقناعهم عنوة بالالتحاق بالاستقلال قال إن بلعالم الذي أصبح كاتبا في الداخلية كان كتوما جدا لما كان أستاذا بالرباط
حينما اعتقد الجميع أن صفحة جيش التحرير المغربي، بكل تناقضاتها، قد طويت إلى الأبد، ظهر رجل اسمه زكي مبارك، قادته الصدف إلى أن يضع يده على أخطر وثائق جيش التحرير حساسية. في سيرة زكي مبارك الكثير من الأحداث والشخوص. يقول إنه كان دائما يشتغل بجبة الأكاديمي، لكن خصومه من أحزاب الحركة الوطنية كانوا يعتبرونه «مؤرخا للمخزن». على كرسي «الاعتراف» يحكي مبارك قصة صراعه العنيف مع حزب الاستقلال، ويتذكر كيف خاطبه علال الفاسي يوما بلغة حازمة: إذا لم تبتعد عن هذا الموضوع -يقصد جيش التحرير- «تلقا راسك مليوح فشي بلاصة». على مدار حلقات طويلة يسرد زكي مبارك أحداثا عاشها مع المحجوبي أحرضان، علال الفاسي وإدريس البصري، ويشرح، بإسهاب شديد، كيف أصبح صديقا لعبد الله الصنهاجي، علبة أسرار عباس المساعدي، وكيف أخفى لمدة طويلة وثائق حساسة حول «ميليشيات حزب الاستقلال» والصراع العنيف بين محمد الخامس وأحزاب الحركة الوطنية.. – طبعا أكملت دراستك بثانوية مولاي يوسف التي كان باحماد يشتغل فيها؟ درست بمولاي يوسف ثم قررت بعد ذلك أن أسجل في المدرسة العسكرية، وكان حلمي وقتئذ أن أصبح طيارا، لكن بعض الأصدقاء قالوا لنا إن النجاح في المباراة أمر صعب جدا لأنه يخضع للمحسوبية، ثم إن الخدمة العسكرية شاقة جدا ولا يمكن أن نتحملها بسهولة. اقتنعنا بهذا الكلام وعدنا أدراجنا، ثم استقر القرار على الالتحاق بالمدرسة الإقليمية لتكوين المعلمين، التي كان يدرس فيها أساتذة أصبحوا فيما بعد وزراء وسياسيين كبارا. – مثل من؟ محمد بلعالم وعبد الرزاق أفيلال وسعيد حجي. ومن الأشياء الطريفة التي أتذكرها عن هذه المرحلة أن عبد الرزاق أفيلال رغم طبعه الهادئ فقد كان متعصبا في انتمائه لحزب الاستقلال، فكان يتشاجر دائما مع الأساتذة المتدربين الذين يلتحقون بالمدرسة الإقليمية لإقناعهم عنوة بالدخول إلى حزب الاستقلال. كنت أسمع صراخه الدائم وشجاره الذي لا ينتهي من أجل أن يتقوى حزبه في عز الصراع مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وقتئذ. – وماذا عن محمد بلعالم الذي سيصبح كاتبا في وزارة الداخلية فيما بعد؟ على عكس كل السياسيين الآخرين لم يكن محمد بلعالم مهتما بالسياسة كثيرا، ولم يعط الانطباع يوما بأنه يهتم بها. كان صامتا وكتوما جدا ولا يتحدث إلا نادرا، وقد ربطت معه صداقة متينة، حيث كنت أنا من يتكلف دائما بإيصال مستلزماته الإدارية إلى القسم . – هل كنت تتحدث معه في أمور سياسية؟ لا أبدا، كان بلعالم رجلا صامتا جدا، وكان جد كفء، ولم يسبق له أن عبر عن موقف سياسي أمامي على الأقل. كان يكتفي بالنصائح حول الدراسة والتحصيل، وعدا ذلك لن تنال منه أي شيء. لقد احتفظ بعلاقة متينة جدا مع خالي باحماد، وحتى عندما أصبح وزيرا للداخلية كان يناديه كي يلتحق بمنزله للقيام ببعض الأعمال. باحماد رغم كل شيء كان رجلا محبوبا من طرف المسؤولين التربويين والأساتذة، وكان على علاقة قوية بهم، ولا يمكن أن تقدر حجم الاحترام الذي كانوا يكنونه له. – بالنسبة إلى عبد الرزاق أفيلال، هل كان يحثكم على الانضمام إلى حزب الاستقلال؟ داخل المدرسة الإقليمية كان الصراع محموما جدا بين اليساريين وحزب الاستقلال، وكان الغرض من هذا الصراع هو إحكام السيطرة على المدرسة، لكن المنتمين إلى حزب الاستقلال كانوا أكثر تطرفا وتعصبا لحزبهم، ولذلك من الطبيعي جدا أن تجد أن أفيلال كان يريد استغلال منصبه كأستاذ كي يقنع بعض الأساتذة المتدربين للالتحاق بالحزب، وقد كان يواجه بالرفض في الكثير من المرات أيام كانت السياسة نبيلة. – كم بقيت داخل المدرسة الإقليمية؟ هناك الكثير من الأشياء حدثت كانت من باب الصدف، فقد قررت المدرسة أن تضيف مادتي الكيمياء والفيزياء إلى الامتحان النهائي، وعلاقتي بالمواد الرياضية كانت سيئة جدا، وعرفت أني لن أتمكن من النجاح في الامتحان النهائي. عشت مرحلة من التوتر، إذ بدأ الضغط يزداد علي من طرف والدتي وأختي، إذ كانتا تعولان علي كي أساعدهما على المستوى المادي. قلت لك إن الصدفة وحدها التي أنقذتني من هذه المدرسة، وسأحكي لك بالتفصيل ماذا حصل حتى انتقلت من المدرسة الإقليمية إلى ما أصبح يعرف بكلية الآداب والعلوم الإنسانية. داخل المدرسة الإقليمية، بدأ وعيي السياسي يتبلور، وبدأت أعرف الاتجاهات السياسية الكبرى بالمغرب والصراع المحموم الذي كان دائرا وقتئذ بين الأحزاب السياسية المغربية. – أفهم أنك بدأت تتموقع سياسيا. لا أبدا، لم أتموقع سياسيا في تلك الفترة، لكني سأميل نحو اليسار قليلا داخل الجامعة دون الانتماء إليه لأنه لم يقنعني يوما فيما يتعلق بالقضية الهوياتية، إذ كنت أحب أن أبقى معتدلا دائما، ومع ذلك خضت معهم معارك كثيرة وتعاطفت معهم وحضرت أنشطتهم داخل الجامعة. – بعد تعيين بلعالم بوزارة الداخلية، ألم يناد عليك؟ لا أبدا، وقد التقيت به فيما بعد، وظلت علاقتنا مطبوعة بالاحترام المتبادل.