محمد الجعماطي فنان تشكيلي ولد بتطوان، يعمل مستشارا تربويا في التربية التشكيلية ومفتشا رئيسيا للتربية التشكيلية، ساهم في تكوين أجيال من الفنانين الشباب وعمل كمدرس بالمعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، له كتابات عن الفن التشكيلي كما كتب قصائد شعرية مصاحبة وملازمة لإبداعاته التشكيلية، ونظرا لالتزامه بالعيش في منطقته كانت كل أعماله وبدون استثناء، ترجمة للحب والعشق الذي يكنه لبلده، قامت تجربته بالاشتغال على المكان، بكل تفاصيله، خاصة عندما وظف الحمامة في جل لوحاته، بشكل لافت للنظر، تأكيدا لما يكنه لهذا المكان من تفاؤل في أفق نظرة مستقبلية بحرية تخضع لشروط وجودية يلتقي فيها الجمال بحرية التعبير، فكانت مواضيعه مستمدة من هذا الوجود بطبيعته ومناظره وبحره بغروبه ورماله وطيوره وقواربه، مشتغلا في هذه المرحلة بالذات على قضايا إنسانية تركت في نفسه جرحا عميقا بعدما كان يتلقى أخبار المهاجرين من غرقى عابري البحر الأبيض المتوسط بحثا عن لقمة عيش شريفة، عن طريق القنوات الإسبانية القريبة للحدود المغربية، فكانت القوارب عنوانا لهذه المأساة غالبا ما كان يرسمها فارغة تعبيرا عن الصمت الذي يطالها في غياب العابرين الذين ابتلعهم البحر، متأملا في ظروف هذه الوقائع التي تحولت من موقع القوة إلى موقع الضعف ومن حال الاستقرار إلى حال الهجرة السرية، إلى مكان كانوا يملكونه في المدى البعيد عندما سكنه أجدادهم من عرب الأندلس. حيث نظم قصيدة في الموضوع إذ يقول فيها: من مراسي باردة تزحف المراكب أفواجا تتطاير أمواج شاردة تبيض غثاء متأججا نفير السفن العاتية على الأفق تنتظر حيزا على الرصيف صدئة أفواهها متثائبة صخب دون ضجيج تؤنسه أنشودة النوارس بنسيم البحر يصيح. إن اشتغال الفنان محمد الجعماطي على موضوع «الحريك»، لم يرتبط فقط بموجة عابرة، بل هو واقع عايشه لقربه لمنطقة العبور، ومصادر الخبر، ولم يتناول هذا الموضوع من جانبه الشكلي فقط بل انطلاقا من عمق معرفي مرتبط بالتاريخ الحضاري للمنطقة، بما تحمله من ثقل ثقافي كان له حضور دام ثمانية قرون، مما ساعده على توظيف شذرات وتفاصيل من زمن الأندلس المفقود من خلال الهندسة والمعمار كالأبواب والجدران والنوافذ والأضرحة واستحضارها في عمله الفني، بجماليتها وهدوئها وبساطتها كذلك، وكأنه يعيد سرد مغامرة «أبو حيان في طنجة» للروائي المغربي بهاء الدين الطود، التي تحكي عن قصة أبو حيان العابر بين المغرب وإسبانيا بحثا عن حبيبته «نهاوند»، فكانت قصائد الفنان محمد الجعماطي المصاحبة والمجاورة لبعض أعماله التشكيلية، ترجمة لهذا الشوق والتعلق بالأمكنة، كما هو الحال بالنسبة لعمل تشكيلي استوحاه من جدران قرطبة تحت عنوان «لا غالب إلا الله»، إذ يقول في قصيدة أنجزها لهذا الغرض: على مشارف قرطبة، تذوب ثلوج الأشقياء من حنينها اخضرت ضفاف الأرجاء اسأل عن مجد عرب تبقت من أطلال، اختلطت حروفها ببلاغة العجم والعرب ليت السلام يعود مجددا بدون غالب غير الله. أين أحبتي وأين أعدائي؟ كل في دنيا الفنا من بني أمية إلى بني الأحمر حين من الدهر يمحوه الزمان. آآآه يا قرطبة العلم والفن، ارجعي.. لتحيى من جديد. لم يكتف الفنان محمد الجعماطي بكتابة الشعر فقط، بل بكتابة نصوص نقدية عن الفن التشكيلي كذلك، ولم يتقن الصباغة الزيتية دون غيرها، بل أتقن فن الرسم Dessin والصباغة المائية وأبدع فيهما بشكل ملفت للنظر، فكان هذا الاتقان مطية للانخراط في قضايا إنسانية ومجتمعية مع متابعة وتحليل الوضع السياسي المغربي والعربي بصريا، وتحت عنوان الحيرة والشك كانت له حكاية مع لوحة لم يستطع فيها تحديد توجهه المستقبلي لاكتشاف المجهول، فبقي حائرا بين مسلكين في حالة شرود عن الواقع، الذي اعتبره الفنان أحيانا هروبا من شدة قلق الحياة اليومية العادية والقلق الإبداعي، حيث عمل على رسم مشهد حكائي لبابين تتوسطهما دراجة هوائية، تعبيرا عن الحيرة في اختيار ولوج أحد هذين البابين، وإلى أي مصير سيفضي اختياره بعدما انسحب كليا من التكوين الإجمالي كإنسان من اللوحة ليصبح هذا التكوين طبيعة ميتة، باعتبار أن هذه الحيرة والشك في نظره أساس الإبداع وأن كل الحكاية هي قصة حب صامت.