يعرض الفنان التشكيلي المغربي، محمد خصيف، برواق "ميندار" بالدارالبيضاء أعماله الجديدة، التي جمعت أزيد من ثلاثين لوحة تحتفي بالتجريد. ويندرج معرض البيضاء، الذي يمتد إلى غاية 31 يناير الجاري، ضمن عودة خصيف إلى الساحة التشكيلية وتجديده الوصل مع الفرشاة والألوان، التي ارتضاها، بعد غياب قارب 20 عاما. من أعمال التشكيلي محمد خصيف عن هذا المعرض، الذي يحمل عنوان "سمفونية الأسود"، قال الفنان التشكيلي، محمد خصيف، إنه " يجد راحة في التعامل مع اللون الأسود، بعيدا عن النظرة التشاؤمية التي تطغى على هذا اللون الأصلي، حسب عدد من النقاد التشكيليين". وأضاف في لقاء مع "المغربية"، أن الأسود لون خالص ومحايد، ويحاول في منجزه البصري أن يدمج معه ألوانا أخرى في نسق تجريدي، مبرزا أن العودة إلى التشكيل جاءت بتصور جديد، إذ اعتمد في مقتربه الفني لغة تشكيلية خاصة متفردة في المكان والزمان. وبخصوص تحوله من التعامل مع الجسد إلى التجريد، أوضح خصيف أنه تأثر بمجموعة من الفنانين التشكيليين، منهم أمريكيون مغمورون إلى جانب الفنان التشكيلي العالمي سولاج، الذي يتعامل مع الأسود، فضلا عن الفنان المغربي ربيع، الذي افتتن هو الآخر بالأسود، وتطبع تجربته حركية خاصة. ألهمت أعمال خصيف الصباغية العديد من النقاد الأجانب والمغاربة، فهذا الناقد الفني والجمالي، محمد الجعماطي، كتب نصا نقديا أضاء فيه معالم هذه التجربة بقوله "عندما نسافر عبر عوالم الفنان المغربي محمد خصيف التشكيلية، نكاد نتصور أن عفوية لمساته في الصباغة تكاد تكون سيمة أسلوبه المطلقة. الأسندة عنده لا تتحكم مقاساتها الحسابية في تراكيب وتكوينات لوحاته الزيتية، ولا حتى في دينامية وحركية ارتجالية لطخات أصباغ ألوانه. تجربته التشكيلية ومهاراته التقنية والحسية، التي راكمتها عنده معالجات متنوعة وغنية تشهد عليها أعماله في الصباغة الزيتية والأكريليك المدعم بخامات مختلفة، تجعل من مساحات لوحاته، كما من النتوءات والمسطحات المطلقة، بفعل حفره وخدشه الملازم لأبجدية لغته التشكيلية. فاللون عنده على نحو كثافة تضاريس مادية يحكمها ملوانه الجنوبي الساطع والمتوهج". ويرى الناقد الجعماطي أنه لا يمكن حصر أسلوب خصيف في مدرسة أو أسلوب تشكيلي مذهبي معين، بل تظل أعماله التشكيلية منفردة بخصوصياتها، التي تحكمها ثقافته وقناعته الفكرية المتجذرة. إنه فنان يشتغل بصمت وتواضع، حسب الناقد الجعماطي، إذ يبحث في عوالمه التشكيلية، التي اختارها ليعبر عما يختلط في عمقه وفكره المتنور والملتزم، من أحاسيس ورموز، بعيدا عن أي إثارة مجانية، رغم حضور اسمه في الساحة التشكيلية المغربية. ويبرز الناقد الجعماطي أن الفنان خصيف له إسهامات نقدية في ذاكرة الفن التشكيلي المغربي، نشرت في مجموعة من المجلات والصحف الوطنية والعربية. جماليا يصعب حصر تجربة الفنان التشكيلي المخضرم، محمد خصيف، في خانة أو مدرسة تشكيلية محددة، من حيث سياقها التاريخي والفني، بقدر ما يمكن وصف أسلوبه بالتعبيرية التجريدية، ليس كمرجعية من حيث الخصوصية الفنية أو التقنيات التشكيلية الموظفة في إبداعاته، بل كتجربة شخصية، مرتبطة بمحيط الفنان المباشر وغير المباشر، أي ذلك المحيط السردي الأدبي أو المرئي، المؤثر في كل مبدع ذي حساسية فنية مرهفة. مقترب الفنان خصيف البصري معادل موضوعي لتعبيراته التي تظل غير خاضعة لمساحة اللوحة، بمعنى أن لمساته وتلويناته ترتبط بدرجة انفعالاته لحظة نشوة "الصباغة"، إذ يفرز الفنان عبر فرشاته وأدواته الخاصة، فضاءات تجريدية عميقة الرؤية والمضمون، مستوحاة من واقع معيش أو حلم عابر، تعبيرية في سيرورتها الوجدانية للإنسان الفنان، تذكرنا بأول آثار الإنسان على الأرض، فصنيعه البصري ليس بدائيا بقدر ما هو عفوي وتعبيري. في حضرة أعمال خصيف، لا مكان لأي تمرد أو موقف نقدي أو رد فعل. اللوحة بيان بصري مسالم يفتح آفاقا رحبة للحلم نحو عوالم دينامية تنتصر لأشكال وبناءات أفقية. كل مشهد بمثابة لوحة مستقلة مثيرة للدهشة، لأنها مستوحاة من الخيال بكل تداعياته وهواجسه التعبيرية، إذ تعلن كل تركيبة لونية بوصفها صيغة شاعرية وشذرية عن الحياة الصغيرة والحتمية لعبقرية الفن المستقل والغريب والحر. يرسم خصيف حاجته المتزايدة للمعنى والمجاز، بناء على حركية شاملة تتماهى مع بساطة الإحساس العميق الذي يجعل الفنان ينير أشياءه الصغيرة والكبيرة، تماما كما أحلامه الكبيرة والصغيرة دون أدنى استنساخ أو تقليد. ما يثير في هذه التجربة هو هذا الحرص الكبير على جعل المشاهد في قلب اللوحة/المتاهة. آمن الفنان التشكيلي، محمد حصيف، الذي يمارس سحرا بصريا لا يكرس أي تمييز بين الجزء والكل والصورة والشيء والذات والموضوع، بمقولة ريجيس دوبري:"الصورة أكثر عدوى وأكثر وباء من الكتابة". فالصورة من منظوره الجمالي تذكير وانفعال في الآن نفسه، فهي تحيى بسلطتها الرمزية والروحية، وتنعش الذاكرة وتنتج المعنى والأثر.