مرّ عام على العدوان الإسرائيلي الثالث على قطاع غزة. كانت الاستباحة نتيجة قرار اتخذته إسرائيل من البداية، بعد إعادة التموضع ومغادرة القطاع، على أساس اعتبار غزة «كياناً عدائياً»، ما يفسر الحروب الثلاث التي شنتها على القطاع. بمعنى آخر، كان هناك تعامل مع عدو، في حين تعاملت إسرائيل مع الضفة الغربية كساحة استهدفتها بالغزو، من خلال التمدد الاستيطاني المتواصل، الأمر الذي ينطوي على أن استعمال كلمة احتلال لم تعد مطلقاً منطبقة على الوجود الإسرائيلي في الضفة. ولذا، من الخطأ الجسيم توصيف هذا الوجود بالاحتلال، فالمحتل لا يجوز له بموجب اتفاقية جنيف الرابعة التصرف بالأرض والسكان، إلا إدارياً وليس تغييرياً، والمستوطنات دليل الغزو على طريق الضم. وهنا تجدر الإشارة إلى ما سبق و زعمته إسرائيل وجماعات الضغط في واشنطن، أن الرئيس السابق جورج بوش أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إرييل شارون، موافقته على مواصلة الاستيطان، وقد كذّبت وزيرة خارجية بوش كوندوليزا رايس ذلك. المأخذ أن فضح هذه الكذبة تأخر جداً ثم إن إدارة بوش، كما إدارة باراك أوباما، امتنعت عن التصدي لهذا الزعم، كما لبناء المستوطنات، علماً أن أوباما طلب تجميد المستوطنات، في حين كان المطلوب الضغط الفعال لوقفها. أدى هذا الوضع إلى انفلات إسرائيلي تمثل في التمادي الاستيطاني، خصوصاً في القدس الشرقية لإلغاء معالمها العربية. وبالتالي، تقزيم جغرافيتها ورمزيتها العربية، بحيث تصبح بمثابة «ضاحية» من القدس الغربية؛ ما يعزز الانطباع بأن القدس كلها عاصمة إسرائيل. ومثل هذا الزعم غير مقبول، حتى في واشنطن التي أيدت المحكمة العليا بقرار حاسم وبأغلبية واضحة، رفض الإدارات الأميركية المتعاقبة الاعتراف بأن القدس عاصمة لإسرائيل، والاستمرار بالتعامل معها مدينة غير محسوم أمرها، ومتروك للتفاوض على أساس أن تكون عاصمتين لإسرائيل وفلسطين. حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة شنت إسرائيل في السابع من يوليو 2014، حربًا على قطاع غزة، أسمتها «الجرف الصامد»، انتهت في 26 غشت 2014، فيما أطلقت عليها حركة «حماس»، التي تدير القطاع، «العصف المأكول». وكما ذكر موقع فلسطينيو 48 الذي أورد هذا التقرير، فلا يزال حطام ما خلّفته الحرب (قدرته وزارة الأشغال الفلسطينية بنحو 2.5 مليون طن)، ماثلاً أمام أعين الفلسطينيين، يذكرهم بقسوة آثار العدوان الإسرائيلي ومرارته. وعلى مدار «51 يومًا» تعرض قطاع غزة، الذي يُعرف بأنه أكثر المناطق كثافة للسكان في العالم، (1.8 مليون فلسطيني) لعدوان عسكري إسرائيلي جوي وبري، تسبب باستشهاد 2147 فلسطينيًا، بينهم 578 طفلاً، و489 امرأةً، و102 مسنًا، فيما جُرح 11 ألفاً، بينهم «ألفًا» باتوا يعانون «إعاقة دائمة»، بحسب تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية. إذ ارتكبت إسرائيل مجازر بحق 144 عائلة، استشهاد منها ثلاثة أفراد أو أكثر، بحسب التقرير. في المقابل، كشفت بيانات رسمية إسرائيلية عن مقتل 68 عسكريًا من جنود جيش الإحتلال، و4 مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وإصابة 2522 إسرائيلياً بجروح، بينهم 740 عسكريًا، حوالي نصفهم باتوا معاقين، بحسب بيانات عبرية نشرت الأسبوع الماضي. وخلال الحرب، أعلنت كتائب القسام الجناح المسلح لحركة «حماس» في 20 من يوليو 2014، عن أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري للجيش الإسرائيلي شرق مدينة غزة. وبعد يومين، اعترف الجيش الإسرائيلي بفقدان آرون، لكنه رجح مقتله في المعارك مع مقاتلي «حماس». وتتهم إسرائيل حركة «حماس» باحتجاز جثة ضابط آخر يدعى هدار غولدن قُتل في اشتباك مسلح شرقي مدينة رفح، يوم 1 غشت 2014، وهو ما لم تؤكده الحركة أو تنفه. ومؤخرا، نشرت الصحف الإسرائيلية تقارير حول إمكانية وجود أسرى «أحياء» لدى حركة حماس، التي تلتزم «الصمت» . وشنت القوات الإسرائيلية قرابة 60 ألفًا و664 غارة على القطاع، جواً وبراً وبحراً، وحسب إحصائية، أعدتها وزارة الأشغال ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي (UNDP)، فإن عدد الوحدات السكنية المهدمة كلياً بلغت 12 ألف وحدة، فيما بلغ عدد المهدمة جزئياً 160 ألف وحدة، منها 6600 وحدة غير صالحة للسكن. ووفق بيانات للأمم المتحدة، فإن مراكز الإيواء التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» استطاعت استيعاب ثلاثمائة ألف نازح، في أكثر من واحد وتسعين مدرسة، ومنشأة تابعة للمنظمة الأممية. ولا يزال نحو 22 ألف فلسطيني مشردين، حتى اللحظة في مراكز الإيواء والمساكن المؤقتة، أو لدى عائلاتهم الممتدة وفق إحصائيات وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية. ووزعت وزارة الأشغال الفلسطينية ومؤسسات خيرية عربية ودولية «منازل متنقلة» للمتضررين بفعل العدوان الأخير. وتقول لجنة الإيواء في الوزارة:» عدد الوحدات السكنية المؤقتة (الكرفانات) التي يقطنها أصحاب البيوت المدمرة بلغ نحو 600 منزل متنقل، يعيش سكانها في ظروف غاية في القسوة». وبحسب إحصائيات مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) فإن الهجوم تسبب بالتدمير الكلي ل22 مدرسة بالإضافة إلى تضرر 118 مدرسة أخرى. وخلال 51 يومًا من الحرب، قدّرت وزارة الاقتصاد الفلسطينية الخسائر الإجمالية المباشرة وغير المباشرة، في المباني والبنية التحتية، وخسائر الاقتصاد الوطني في قطاع غزة بكافة قطاعاته ب 5 مليارات دولار تقريبًا. ولحق الضرر 500 منشأة اقتصادية من المنشآت الكبيرة و الإستراتيجية، والمتوسطة والصغيرة. ووفق وزارة الزراعة، فإن الحرب، تسببت بخسائر في القطاع الزراعي، وصلت 550 مليون دولار. وتقول وزارة الأوقاف، إن إسرائيل دمرت خلال العدوان 64 مسجدا بشكل كلي، إضافة إلى تضرر 150 مسجدًا بشكل جزئي. واستهدفت الطائرات الإسرائيلية، أكثر من 20 مستشفىً ومركزًا صحياً، بحسب وزارة الصحة. ووفق نقابة الصيادين، فإن نحو 4 آلاف صياد، يعيلون أكثر من 50 ألف نسمة، تعرضوا لخسائر فادحة طيلة العدوان، تجاوزت 6 ملايين دولار. وتسببت الحرب، برفع عدد العاطلين عن العمل إلى قرابة 200 ألف عامل، يعيلون نحو 900 ألف نسمة، وفق بيان لاتحاد العمال الفلسطينيين. وفي 22 مايو/أيار الماضي، أصدر البنك الدولي، بيانًا قال فيه إنّ «نسبة البطالة في قطاع غزة وصلت 43%، وهي الأعلى في العالم، وأن نحو 80% من سكان القطاع يحصلون على «إعانة اجتماعية»، ولا يزال 40% منهم يقبعون تحت خط الفقر». وفي 26 غشت 2014، توصلت إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، برعاية مصرية، إلى هدنة أنهت حرب ال»51» يوماً، وتضمنت بنود الهدنة استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية غير المباشرة في غضون شهر واحد من بدء سريان وقف إطلاق النار. وتوافق الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي، في 23 شتنبر من العام نفسه، على عقد مفاوضات غير مباشرة، بوساطة مصرية، بهدف تثبيت التهدئة، ولم يتم تحديد موعد جديد لاستئناف تلك المفاوضات حتى الساعة. ومنذ إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية بقطاع غزة جرى تسجيل حوادث فردية لسقوط قذائف صاروخية على جنوبي إسرائيل، تبنت إطلاقها جماعة غير معروفة، يُعتقد أنها تتبني الفكر السلفي الجهادي، وتطلق على نفسها اسم «سرية عمر حديد»، وهو ما رد عليه الجيش بقصف مواقع لحركة حماس، كونها «الجهة المسؤولة عن القطاع». وبعد عام من الحرب لم يبدأ الإعمار الفعلي لما خلفته الحرب، بسبب العراقيل التي تضعها إسرائيل في وجه إدخال مواد البناء. وقد تعهدت دول عربية ودولية في أكتوبر الماضي بتقديم نحو 5.4 مليارات دولار، نصفها تقريباً تم تخصيصه لإعمار غزة، فيما النصف الآخر لتلبية بعض احتياجات الفلسطينيين، غير أن إعمار القطاع، وترميم آثار ما خلّفه العدوان، يسير بوتيرة بطيئة جداً عبر مشاريع خارجية بينها أممية، وأخرى قطرية. غزة تدخل إسرائيل مفاوضات مريرة في الوقت الذي أعلنت فيه اسرائيل اعتبار جنديها شاؤول آرون و هدار غلولدين اللذين فقدا في قطاع غزة أثناء العدوان الأخير- في عداد القتلى، وأن حركة المقاومة الإسلامية حماس تحتفظ بجثتيهما، نقلت صحيفة القدس المقدسية عن مصادر في حماس أن الحركة لديها أسرى أحياء. وقالت الصحيفة إن المصادر التي وصفتها بالخاصة أكدت أن لدى الحركة جنودا أحياء وجثثا لقتلى، وأنها لن تمنح إسرائيل أي معلومات مجانية عن حياة جنودها وستفاجئها بكثير من المعلومات. وأشارت المصادر إلى أن المفاوضات ستكون «طويلة ومعقدة» في حال واصلت إسرائيل تعنتها واعتمدت على معلوماتها الخاطئة.ووفق تصريحات منسوبة لقيادات بحماس فإن الحركة لديها من الأسرى ما يكفي لتفريغ السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، وإبرام صفقة وفاء الأحرار2 على غرار صفقة شاليط عام 2011 و التي أفرج بموجبها عن نحو 1000 أسير فلسطيني. ونشرت حماس مؤخرا ملصقات في شوارع غزة تظهر عناصر كتائب عز الدين القسام ( الجناح العسكري لحماس) و هم يأسرون الجندي آرون، كما نشرت صورا خالية وعليها علامات استفهام توحي بوجود أسرى آخرين، وهو ما اعتبرته إسرائيل جزءا من الحرب النفسية، لكن وسائل إعلام إسرائيلية ترى أن كل هذه التصريحات تأتي في إطار الحرب النفسية وضمن محاولة حماس ابتزاز الإسرائيليين وقيادتهم. ووفق محللين فإن «صندوق حماس» سيظل مغلقا إلى أن يفتح في جلسات تفاوض رسمية لإتمام صفقة تبادل جديدة للأسرى، بحيث تكون كل معلومة بثمن أقله تحرير عدد من الأسرى. مشيرين إلى أن كتائب القسام هي الجهة الوحيدة المختصة بهذا الملف وأنها لم تقل كلمتها بعد. وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن «حماس تحاول أن ترهق الإسرائيليين وقيادتهم بالتفاوض لإعادة جثتي الجنديين آرون وغولدينغ». وأضافت الصحيفة أن حماس «بدأت حربا نفسية». وأنها لا تتخلى عن حيلة نجحت في الماضي بالتأثير على المجتمع الإسرائيلي، حيث بدأت تطلق تصريحات لدحض زعم إسرائيل عثورها على أجزاء من جثث الجنديين. فيما اعتبره مراقبون استعدادا لمفاوضات عسيرة وطويلة وربما بأثمان باهظة، إذ ذكر موقع "واللا" العبري،أن حركة حماس رفضت أكثر من طلب إسرائيلي عبر عدة وسطاء للكشف عن مصير الأسيرين اللذين أعلن عن وجودهما في غزة لدى حركة حماس أسرى, مما دفع وزير الحرب الإسرائيلي، موشيه يعلون، إلى الإعلان عن عدم التفاوض مع حماس بشأن الجنديين الأسيرين وان جيش الاحتلال ابلغ عائلتي الأسيرين بذلك. وحسب الموقع، فإن المفاوضات المتعثرة بشأن اورون شاؤول وهدار غولدبن، تتسبب برفض حركة حماس الكشف عن مصير الأسيرين الآخرين لديها وربط القضية بجميع الجنود المفقودين بغزة. ونقل الموقع عن مصادر سياسية إسرائيلية أنه قد يتم فرض عقوبات على قطاع غزة دون العمل على خنقها، ولكن ستكون هناك محاولات لدفع ملف المفاوضات ولتفهم حماس أنه لا يمكن تجاهل هذه القضية. ويرى المحللون أن "هناك قرار بفصل الحالتين ما بين الجنود والمدنيين خاصةً وأن منغستو ذهب لغزة طوعا ولا يمكن الخلط بين المسألتين"، مشددا على أنه لن يتم الإفراج عن أي أسرى خاصةً الذين اعتقلوا في أعقاب عملية اختطاف وقتل 3 مستوطنين قرب الخليل. وأشار الموقع إلى أن المسؤول عن ملف التفاوض ليئور لوتان يجري اتصالات لمعرفة مصير الأسيرين واحدها كان مع السلطات المصرية. من جهة أخرى قال وزير الحرب الإسرائيلي، موشيه يعلون، أن إسرائيل لن تفاوض "حماس" على الأسيرين المحتجزين لديها في قطاع غزة. وحول تصريحات أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام التي طالب فيه إسرائيل بالاستعداد لدفع استحقاقات الأوراق المفتوحة، قال»إن ذلك يأتي في سياق أوسع من قضية الجنود، فبالإضافة للجنود يتحدث عن استحقاق رفع الحصار على غزة بعد أن صمدت المقاومة في الحرب وبعدها وبعد أن تيقن الاحتلال أنه لا مجال لإسقاط حماس بالقوة وأن عليه التعامل معها ورفع الحصار عن القطاع خوفا من انفجار الأوضاع، وهو ما صرح به قادة الجيش في أكثر من مناسبة. ورأى أن هناك تخوفا إسرائيليا حقيقيا من وجود جنود أحياء لدى القسام بالقطاع، لأن القيادة الإسرائيلية تردد بشكل متواصل أن جنودها قد قتلوا بميدان المعركة، وظهور جنود أحياء أسرى سيشكل ضربة حقيقية لمصداقية المؤسسة العسكرية الإسرائيلية كما سيعتبر هذا الأمر سابقة خطيرة وهزيمة مكتملة الأركان أمام المقاومة الفلسطينية وحركة حماس.