مصطفى واعراب في حديث صحفي لإحدى الإذاعات المغربية الخاصة مطلع العام الماضي، هاجم وزير الصحة الحسين الوردي على نحو مفاجئ وبقوة ضريح بويا عمر، وصرح بشجاعة غير معهودة في المسؤولين الحكوميين عندنا أنه لو كان القرار بيده لأغلق الضريح إياه «غدا صباحا »، كما قال. لكن وزارته لا سلطة لديها على الأضرحة، ورغم ذلك لم يستسلم، وبنبرة غضب وصرامة، تعهد خلال الحديث الإذاعي نفسه بعمل كل ما في وسعه من أجل إغلاق ذلك الضريح المثير للجدل. تصريحات وزير الصحة نزلت بردا وسلاما على المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان بالمغرب، وهي التي لم تنفك تدعو إلى إغلاق «غوانتنامو» المغرب، كما تسمي ضريح بويا عمر، حيث تهان كرامة المرضى النفسانيين يوميا. لقد تواترت التقارير خلال السنين الأخيرة حول الممارسات المشينة التي يتعرض لها مئات المرضى المقيمين بضريح بويا عمر؛ من تكبيل بالسلاسل والأقفال، إلى الضرب والاستغلال في التسول، وانتشار المخدرات، وغيرها من المظاهر السلبية الأقرب إلى الممارسات التي سادت في عهود بائدة. لكن الغريب أنه رغم كون معاناة مرضى «بويا عمر» ظلت موضوعا لكثير من التقارير والدراسات النقدية في المغرب والعالم، فإنه لا أحد يستطيع تغيير واقع الضريح العصي على كل السلط، على ما يبدو. بل إن سدن الضريح لم يترددوا أكثر من مرة في الاعتداء على وسائل الإعلام التي سعت إلى كشف حقيقة ما يجري بداخله وفي محيطه. فعلوا ذلك دون أن يحاسبهم أحد. وما كاد الناس يتناسون مأساة «غوانتنامو» بويا عمر إلى حين، حتى عادت وزارة الصحة مرة أخرى إلى دق جدران الضريح بقوة، لتلفت انتباه من بيده أمر إغلاقه إلى الرعب الذي لازال يعيشه النزلاء المرضى. فقد عاد الوزير نفسه، خلال لقاء تشاوري عقد منتصف الأسبوع الماضي بقلعة السراغنة، إلى إدانة الانتهاكات التي يتعرض لها المرضى بضريح «بويا عمر» بشكل يتنافى مع الاتفاقيات الدولية حول حقوق الانسان التي صادق عليها المغرب، ومع مقتضيات الدستور الجديد. واستعرض الوزير أثناء ذلك الخلاصات الصادمة للتقصي الميداني الذي أنجزته مصالح وزارته في الضريح الشهير، وتناقلتها بسرعة البرق وسائل الإعلام المغربية والعالمية في شكل عناوين مثيرة. فكيف يبدو الواقع على الأرض؟ اقتصاد يقوم على المرض العقلي صباح ربيعي جديد يطل على القرية الصغيرة. تتسلق الشمس المتعبة سقف السماء بكسل، فتنشر دفئا لذيذا في ثنايا هذا الربع المنسي من المغرب العميق. هنا في «بويا عمر»، تستمد الحياة مقوماتها ومعناها من الضريح الذي يعلو المكان متحديا بقبته البيضاء الناصعة، وتنشر دبيبها في الأشياء والناس. تنام القرية وتفيق على إيقاع حركة الزوار الذين يزيد عددهم أو ينقص حسب الأيام. تفتح الدكاكين المجاورة للضريح أبوابها دون حماس، قبل أن تنتبه الحواس فجأة وتشرئب معها الأعناق في أرجاء المكان المتفرقة في اتجاه هدير سيارة قادمة. تتحرك عشرات الرؤوس خلف النوافذ المسيجة بقضبان الحديد، لتتطلع بفضول إلى أول الوافدين هذا النهار. عشرات الأشباح الأسيرة خلف ستائر حديدية، لمن كانوا ذات يوم أرباب أسر مسؤولين وأبناء وإخوانا وأصحابا. تركوا أعمالهم وأسرهم وحياتهم السابقة قسرا منذ ضيعهم الإدمان أو الاختلال العقلي وأتوا إلى هنا، أو حُمِلوا في غفلة من أمرهم، ثم أكرهوا على البقاء الممل الطويل إلى جوار قاضي محكمة الجن الكبرى، «بويا عمر». عسى أن يفك أسرهم يوما ويعودوا من جديد إلى الحياة التي كانت حياتهم. تتوقف سيارة سوداء، وحتى قبل أن تفتح أبوابها، تسارع إليها كوكبة من المتسولين شبه حفاة وشبه عراة وعلى سيماهم أثر جوع مزمن. عند مدخل الضريح، جلس بعض سدن الضريح في انتظار قدوم الزبائن يراقبون ما يجري في صمت، وفي صحن الضريح تمددت أجساد رجال ونساء حول قبر «بويا عمر» المغطى بدثار بلون الجنة الأخضر. انفتحت الأبواب، فتحرك الوافدون خارج السيارة وقد حملوا في أيديهم أكياسا من المؤونة لقريب لهم مقيم بالمكان، ثم توجهوا صوب أحد البيوت القريبة. لكن المتسولين الذين كان بعضهم مكبل اليدين بسلاسل صدئة، عرقلوا حركة الزوار وقد تسابقوا لتقبيل الرؤوس والأكتاف توسلا لمال أو أكل. فيتخلص منهم الزوار بصعوبة في مشهد يبدو مألوفا للمحليين، بحيث لا أحد منهم اكترث لما يجري. ثم اهتز هدوء الصباح مرة أخرى لهدير سيارة قادمة، فأسرعت نحوها كوكبة المتسولين وقد انضاف إليها آخرون. إن هؤلاء المتسولين هم في الغالب مرضى نفسيون أو مدمنون تخلى عنهم الأهل في هذا المكان الغريب، الذي ليس لهم فيه سوى رحمة الله الواسعة وعطف الكرام. يشحذون أكلا أو مالا لشراء سجائر أو مخدرات أو طعام. وبعضهم يتسول كرها لحساب أقوياء.. كما يوجد آخرون غيرهم تركهم أهلهم الميسورون في عهدة أشخاص يوفرون لهم الأكل والمأوى في مقابل تعويض مالي قد يصل إلى ألفي درهم كل شهر. ومنذ أن ظهرت نتائج المسح الميداني الذي قدمه وزير الصحة، الأربعاء الماضي، باتت ملامح هذه الكتلة البشرية أكثر وضوحا. فأزيد من 97 في المائة من نزلاء «بويا عمر» هم رجال، أغلبهم (86 في المائة) غير متزوجين. بينما لا تتجاوز نسبة المتزوجين بينهم 7 في المائة، والمطلقون 5.4 في المائة. كما أن 5 في المائة منهم لديهم مستوى جامعي. أما من حيث الأصول الجغرافية للنزلاء المرضى، فتشير الإحصائيات إلى أن أغلبهم ينحدرون من جهة الدارالبيضاء بحوالي 154 نزيلا، تليها جهة طنجةتطوان، ثم الجهة الشرقية في مرتبة ثالثة، بينما تحتل جهة مراكش المرتبة السادسة. وتصل نسبة المصابين باضطرابات ذهانية بينهم إلى 88 في المائة، بينما 99 في المائة منهم مصابون بالفصام. هؤلاء الضحايا المساكين هم الذين يحركون (رغما عنهم) اقتصاد قرية «بويا عمر»، وحتى خارجها. فقد أفادت معطيات المسح الميداني ذاته بأن معظم محتضني المرضى النفسيين داخل بويا عمر وعددهم 55 فاعلا، ينحدرون من بعض المدن المجاورة. ويتوزعون بين 28 من قلعة السراغنة، و7 من مدينة سطات و4 من الجديدة. ومعنى ذلك أن إيواء المرضى بجوار ضريح «بويا عمر» تطور بمرور الوقت إلى تجارة مربحة، أصبحت تستقطب أكثر فأكثر فاعلين جددا من خارج المنطقة. إشكالية «العلاج» في «بويا عمر» إلى جانب المعاناة الاجتماعية، كشفت نتائج المسح الميداني الذي قدمه وزير الصحة الحسين الوردي حول إشكالية انتهاك حقوق المرضى المصابين بأمراض نفسية وعقلية بضريح «بويا عمر»، من جهة أخرى، عن حقائق مروعة تهم معاناتهم الصحية. فالمرضى يتم حشرهم جماعة في غرف بئيسة، رغم معاناتهم جميعا من أمراض عقلية خطرة. حيث يوجد 23 في المائة منهم في حالة صحية سيئة، في حين لا يتلقى أغلبهم (70 في المائة) أي علاج خلال الإقامة بالضريح. بل إن المسح الميداني يذهب إلى أن 24 في المائة منهم لا يحظون حتى بزيارة أهلهم، التي تعتبر طبيا من عوامل نجاح العلاج. بمعنى أن الأسر تدفع المال لجهات الإيواء فقط للتخلص من أبنائها الميؤوس من شفائهم، وقد تتخلى عنهم نهائيا متى طال أمد بقائهم ويئست من شفائهم. طبعا تقصد وزارة الصحة أن نزلاء ضريح «بويا عمر» محرومون من الرعاية الطبية المخصصة للمرض النفسي. بينما يزعم المشرفون على الضريح إتيانهم سبلا تقليدية للعلاج تقوم على قاعدة أن أشرار الجن مسؤولون عن كل مس يصيب قوى البشر النفسية والعقلية. ووفق هذه الرؤية الغيبية، يعتبر المريض خاضعا لإرادة الجن. ولذلك يتم تكبيل الأكثر ثورة بين المرضى بسلاسل يقال إنها محملة ببركة الجد «بويا عمر»، بحيث إنه ما إن يكبل بها المريض الأكثر عنفا حتى يهدأ. والمقيمون في ضيافة الولي «بويا عمر» حسب ما ذكرنا، صنفان: صنف ينتظر أن تبت المحكمة الكبرى في «ملفه» مع الجني الذي «يلبسه». وقد تطول فترة الانتظار أو تقصر حسب مشيئة الولي (أي أحفاده المسيرين للضريح). وأما الصنف الثاني من ضيوفه، فهم أولئك الذين صدر في حقهم «حكم» يقضي ببقائهم في جوار الضريح لأشهر عديدة أو حتى لسنوات! وضمن هذا الصنف، فاقت مدة إقامة بعض المرضى ب»بويا عمر» الثلاثة عقود دون أن يأذن لهم «السيد» بالمغادرة. فطالت بالتالي معاناتهم مع الفقر والمرض.. ماذا بعد التشخيص؟ أطياف بشرية ترتدي أسمالا وتمشي حافية القدمين، مكبلة المعصمين والقدمين، في ظل واقع يذكر بعصور العبودية المقيتة. ومرضى يعانون الجوع والتعذيب البدني والنفسي باستمرار. هكذا يبدو الوضع الآن في «بويا عمر». لكن، هل يكفي تشخيص وزير الصحة لظواهر صحية موغلة في السلبية لتجاوزها؟ دراسة المسح الميداني للوزارة المشار إليها، تنتهي من التشخيص إلى طرح بعض الاقتراحات والإجراءات على المدى القريب والمتوسط والبعيد. وهكذا «تقترح» الوزارة إحداث مركز طبي اجتماعي مستقل بطاقة استيعابية من 120 سريرا، بهدف حماية حقوق المرضى النفسيين وتسهيل الولوج إلى العلاج وتوفير خدمات الإدماج الاجتماعي، وإعادة التأهيل للمرضى النفسيين والمدمنين. وتقترح أن تؤول إدارة هذا المركز المقترح إنشاؤه بديلا عن ضريح بويا عمر الحالي إلى مجلس إداري يمثل مختلف القطاعات المعنية بمتابعة وتحسيس ومواكبة المرضى. ويقدر أن تناهز التكلفة الإجمالية لإنجاز هذه الوحدة الاستشفائية 25 مليون درهم، فيما تقديرات ميزانية التسيير في حدود 5ر3 مليون درهم سنويا. كما تقترح الدراسة تأهيل وتنظيم خدمات الإيواء العائلي، وتطوير العرض العلاجي في مجال الصحة العقلية والنفسية بجميع أنحاء المغرب، فضلا عن حزمة إجراءات مواكبة يعتقد أن من شأنها تقليص الإقبال على مراكز العلاج التقليدية المشابهة لضريح «بويا عمر». معنى ذلك أن المركز الاستشفائي البديل لن يستقبل أكثر من 120 مريضا، فيما يعيش في ضريح «بويا عمر» لوحده حاليا مئات المرضى. وإذا كانت حالة ضريح «بويا عمر» مجرد مظهر من مظاهر الصحة النفسية للمغاربة الأشد بؤسا، فماذا عن نزلاء ومرتادي عشرات الأضرحة الأخرى الأقل ظهورا في المشهد العام، مثل سيدي ابن عاشر بسلا، وسيدي عبد الرحمن بالدارالبيضاء، وسيدي احمد بن يشو بالمحمدية، وسيدي عبد العزيز بن يفو بآسفي، وغيرها؟ الولي بويا عمر.. تاريخ كتب بمداد الأسطورة يقال إن بويا عمر هو عمر بن عبد العزيز بن رحال الكوش [ المعروف بسيدي رحال البدالي ]. يعد «بويا عمر» من أشهر عشرة أولياء في المغرب باحتساب حجم الإقبال على ضريحه. لكن شهرته ليست قديمة، إذ لا نجد له ذكرا في كتب الرحالة والجواسيس والمغامرين الغربيين الوفيرة، الذين زاروا المغرب أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ولا في مصنفات المناقب المغربية التي تطرق بعضها باستفاضة لمناقب جدهسيدي رحال البدالي وأساطيره. ورغم أن مقربين من أحفاد الولي «بويا عمر» يزعمون بأن تاريخ تشييد ضريحه (يسمونه القبة) يعود إلى العام 1912 أو 1917، إلا أننا لا نجد ما يدعم ذلك في الكتابات الكولونيالية حول الإسلام المغربي ولا في غيرها من كتابات حول تاريخ المنطقة حتى أوائل العقد السابع من القرن العشرين. والأقرب إلى الحقيقة ما تشير إليه مصادر من المنطقة من كون ضريح «بويا عمر» لم يبدأ في شد الأنظار إليه إلا منذ العام 1970، وأنه لم يكن قبل ذلك التاريخ سوى مزارة بسيطة لا يبيت فيها أحد، وكل من زارها نهارا ينصرف لحال سبيله قبل الغروب. وكانت المزارة عبارة عن حانوت بسيط وسدرة [أحراش شوك] ونخلة ومقبرة. وقد بقي الولي إلى حدود التاريخ المذكور معروفا لدى المحليين باسم سيدي عمر وبكون ماء نهر تساوت الذي يمر بالقرب من ضريحه مباركا يشفي أمراض البشر والبهائم، وكذلك تراب الأرض المحيطة بقبره. ثم تغير اسمه إلى «بويا عمر» بعد أن ازدادت شهرته في علاج الأمراض العقلية والعصبية. وهي شهرة يبدو أنها انتقلت إليه من الولي الصالح سيدي بوبكر، الذي يقع ضريحه على الواد الأخضر إلى الشرق من مدينة قلعة السراغنة. وترجح بعض التقديرات أن يكون «بويا عمر» ولد خلال العقدين الاخيرين من القرن 16 عشر الميلادي وناهز عمره المائة سنة. لكن الغريب أنه على شهرته الذائعة، لا تذكر المأثورات المروية أي تفاصيل عن حياته الأولى، وكل ما يتداول حول سيرته بشكل عام هو تاريخ كتب بمداد الأسطورة. فقد بقي بويا عمر أميا الى حدود سن الأربعين ثم شد الرحال إلى زاوية تامكروت الناصرية على ضفاف نهر درعة (جنوب المغرب)، وهناك تتلمذ على يد مؤسسها سيدي محمد بن ابراهيم الأنصاري. وقد راكم «بويا عمر» من الكرامات ما جعل شيخه يورثه «دربالته» (أي لباسه المرقع) المحمل ببركته، والتي بفضلها تقول الأسطورة حوَّل بويا عمر رمل الصحاري إلى حبات قمح. وأظهر في طلب العلم نبوغا غير مسبوق، بحيث استوعب من علوم الباطن والظاهر وأصول الدين، خلال شهر واحد ما يكتسبه غيره من طلاب العلم بالزاوية الناصرية في أربعين عاما من الكد والجد. وإثر عودته من زاوية تامكروت إلى تساوت، أنشأ بويا عمر «مْحَضْرة»، أي فصلا دراسيا يجتمع فيه الإنس والجان لتلاوة القرآن، فتأكدت بذلك سلطته المطلقة على كائنات الخفاء كما على البشر. على هذا النحو الموغل في الأسطورة بنيت شهرة الولي «بويا عمر» على جملة من العناصر الأسطورية التي ترتبط ببعضها على نحو وثيق، لتشكل نسق عقائد وشعائر يعتقد في قدراتها الخارقة ملايين من الناس. والأكثر أهمية بينها عنصران أسطوريان اثنان يبرران الاقبال الكثيف للناس على زيارة ضريح بويا عمر، وهما: محكمة الجان الكبرى، وعين الماء العجيبة التي تنبع من نهر تساوت في أوقات يلفها الكثير من الغموض. بالنسبة للمحكمة الكبرى للجان، تعددت الأساطير حول أصول نشأتها وتفاصيلها الغيبية. ومنها أسطورة قائلة إن «بويا عمر» أنشأها على نموذج محكمة النبي سليمان، وتأتى له ذلك بفضل «المْحَضْرة» التي منحته سلطانا على الجان. وثمة أسطورة رحالية أخرى تذهب إلى إنه اجتمع في زمن غابر «ديوان الصالحين» المؤلف من أربعة وأربعين وليا من كبار أولياء المغرب، كي يوزعوا بينهم التخصصات والكرامات فقرروا بإجماع أعضاء «الديوان» على أن يمنحوا لواحد منهم، هو الولي «بويا عمر» مطلق السلطات على الجان، وفوضوا إليه مهمة الفصل في النزاعات التي تحدث بين الانس والجان الى أن يشاء الله. فكان اجتماع ديوان الصالحين ذاك إعلان نشأة محكمة الجان الكبرى التي تنعقد يوميا في صحن الضريح، للفصل في نزاعات الانس والجان. أما بالنسبة إلى ماء نهر تساوت الذي يجري قريبا من ضريح «بويا عمر»، فإنه يعتبر مباركا يشفي كل العلل والأمراض خصوصا تلك التي يتسبب فيها نوع من الديدان يمتص الإنسان إلى أن يموت. ويقال إنه يكفي أن يشرب المريض بضع جرعات ليرمي من جوفه ذلك العلق القاتل. لكن الماء الذي يطلبه الجميع دون أن يبلغوه هو ماء العين العجيبة التي تروي الأساطير أنه أبيض مثل الحليب، ويمنح كل من يشرب منه قدرات ذهنية تيسر له سبل النباهة والذكاء أو علاج ما استعصى من الأمراض العقل والبدن. وتروي أسطورة أن تلك العين تنبع من الكوثر الذي هو نهر في الجنة فقط ليلة عيد المولد النبوي، فتسيل من قعر نهر تساوت. وتذهب أسطورة أخرى إلى أن العين العجيبة تظهر ليلة العيد نفسه عند كهف قريب من ضريح «بويا عمر» وتصب في واد تساوت. وتذهب أخرى إلى أنها تنبع كل ليلة بعد صلاة العشاء، بينما تزعم أخرى أن جريانها يقتصر على الليالي الأربع للموسم السنوي الكبير [المُولُودية]، الذي يلتم حوالي الضريح خلال الأيام التي تسبق عيد المولد النبوي (9 و10 و11 ربيع الأول). ولأجل ذلك يفد الموسم السنوي زوار كثر، خصوصا من تلاميذ المدارس القرآنية، طمعا في التبرك بماء العين التي يقال إنها تفتح عقول من شرب منها للحفظ والاستيعاب بفضل القدرة الخارقة لذلك الماء.