سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التازي: شباط هدد حزب الاستقلال في 1997 بالذهاب إلى حزب آخر إذا لم يحصل على التزكية قال إن أحزاب الحركة الوطنية اختارت الاستسلام وارتداء «شاشية» المخزني بدون مقابل
عبد الحق التازي واحد من أول دفعة مهندسين استقبلهم مغرب ما بعد الاستقلال، ليجد نفسه يُهندس سياسات المغرب إلى جانب الحسن الثاني، بدءا من وضع أول تصميم خماسي للمغرب المستقل، إلى الانغماس في السياسة والوزارة، فكان شاهدا على مغرب ما بعد الاستقلال، بكل الآمال التي عقدها المغاربة عليه، والآلام التي تكبدوها من جراء الاصطدام بين القصر والحركة الوطنية. فوق «كرسي الاعتراف»، يكشف عبد الحق التازي العديد من التفاصيل الصغيرة التي كانت فاعلة في قرارات كبيرة، وظلت طي الكتمان، خصوصا وأنه جمع، بتناغم كبير، بين انتمائه إلى حزب الاستقلال وقربه من الحسن الثاني الذي ظل على اتصال دائم به في عدد من الملفات الدقيقة والحارقة، أيام كان التازي كاتبا للدولة في الشؤون الخارجية. بتلقائية كبيرة، وبدون لغة خشب، يتحدث التازي عن الحسن الثاني الذي أعلن للاستقلاليين أنه ينتمي إلى حزبهم، وعن «صفقات» حزب الاستقلال مع القصر، مثل تأسيس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والاتحاد العام لطلبة المغرب، وما راج عن قبول الحزب تزوير انتخابات 1977، وكيف هدد أوفقير باغتيال علال الفاسي الذي رفض استقلال موريتانيا عن المغرب، وحقيقة اختيار الحسن الثاني امحمد بوستة خلفا لعلال الفاسي، والعديد من الخبايا التي لا تتوقف عند تجربة التناوب بل تتجاوزها إلى ما يعيشه حزب الاستقلال حاليا وإلى من «صنع» حميد شباط. – عدتَ للترشح في فاس بمناسبة الانتخابات التشريعية في 14 نونبر 1997، ومن جديد لم يحالفك الفوز بالمقعد البرلماني؟ لقد ذكرت سابقا أنني تخليت على مضض عن دائرتي لصالح الأخ امحمد الدويري في اقتراع 1992؛ وكان طبيعيا أن أتقدم سنة 1997 في فاس، وهذه المرة «تكردعنا كاملين».. الدويري الذي تقدم في المدينة القديمة ومحمد السوسي الذي تقدم في فاس الجديد، وأنا الذي كنت قد ترشحت في «شراردة»، وهي دائرة يغلب عليها الطابع القروي – خارج السور – في حزام أسود حيث ينتشر البؤس الاجتماعي والسكن غير اللائق والبناء العشوائي، ولكنني بقيت دائما على اتصال بالتنظيمات الحزبية المحلية وبالمناضلين والمناضلات والمواطنين ومهتما بقضاياهم، وقد مكننا امتداد تنظيمات المفتشية خارج الأسوار من القيام بحملة ناجحة. في الواقع، كنت أفضل الترشح في دائرة المرينيين، غير أن حميد شباط -الذي كان يقدم نفسه كمنسق لمرشحي الحزب- اقترح أن نخصص تلك الدائرة لمقرب منه ومن السلطة أيضا، وكان يبتز الحزب ويهدد بالانتقال إلى حزب آخر إذا لم يحصل منا على التزكية.. لقد كانت طبخة مفضوحة أكدتها النتائج، حيث لم يفز سوى شباط والذين كان يزكيهم في تواطئه مع السلطة المحلية، وعلى رأسها عامل زواغة مولاي يعقوب عبد الله عميمي الذي استقبل بحفاوة كبيرة يوم 4 يناير 2015 في الحزب الذي يترأسه الآن شباط. – في ذلك الاقتراع، حصل حزب الاستقلال على نفس عدد المقاعد التي حصل عليها حزب عرشان الخارج من رحم الحركة الشعبية قبل الانتخابات بمدة قصيرة فقط، وهو ما اعتبره الاستقلاليون استهدافا لهم… مقاطعا، ورتبتنا طبخة السلطة في الصف الخامس ب32 مقعدا.. كان ذلك الاقتراع من جديد مظهرا صارخا لأزمة الديمقراطية في بلادنا وضرب عرض الحائط بكل الالتزامات التي أعلن عنها الملك بنفسه وتوافقت على احترامها كل الأطراف ابتداءً من التوافق على دستور 1996 والقوانين التنظيمية والانتخابية المتمخضة عنه، وصولا إلى توقيع كل أمناء الأحزاب على ميثاق للشرف تم خرقه طولا وعرضا بالتزييف والتزوير وشراء الذمم.. كانت انتخابات فاسدة بكل المقاييس. وقد أحس أغلب مناضلي حزب الاستقلال بإهانة كبرى وهم يرون أمينهم العام يوقع «ميثاق شرف»، معلنا بذلك الاصطفاف النهائي لحزبهم مع أحزاب الإدارة، والتخلي عن هويته وعلى الرسالة التي طوقها به علال عند إنشائه على هدى وتقوى من الله. – الحزب رفض هذه النتائج في مؤتمر استثنائي؛ هل كان ذلك رد فعل على الشعور بالإهانة؟ مهمة المؤتمر الاستثنائي، الذي التأم مباشرة بعد الانتخابات، كانت هي الإصغاء لما في نفوس المناضلين الذين عاشوا هذه المهزلة، وكان فرصة لإدلائهم بآرائهم في المواقف التي ينبغي اتخاذها إزاء إصرار المخزن على التحكم في الخريطة السياسية. طبعا، كان الغرض إذلال أول مكونات الكتلة الديمقراطية والتحكم في كل تناوب محتمل على السلطة في البلاد.. الاستقلاليون رفضوا النتائج جملة وتفصيلا. – طالب حزبكم، في بيان المؤتمر الاستثنائي، بإلغاء الانتخابات ونتائجها وحل البرلمان وإجراء انتخابات نزيهة شفافة ومتوفرة على الضمانات الكافية. لما يطلع المرء على هذا البيان يقول إن حزب الاستقلال يقاطع نهائيا المشاركة في أية حكومة منبثقة من هذه الانتخابات، ولكن العكس هو ما سيحصل بعد مراجعة المؤتمر الثالث عشر لهذا الموقف في مارس 1998؛ كيف تفسرون انقلاب الموقف؟ حين ننظر إلى مقررات المؤتمر الاستثنائي نجدها تحليلا فيه تعبير صادق من قبل الحزب عن وضعية البلاد بعد ما وقع في الانتخابات. دعَوْنا إلى حل جذري، سواء في خطاب الأمين العام أو في البيان الختامي الذي كان شديد اللهجة.. فقد كان من الطبيعي اتخاذ قرار فاصل بين أعوام التزوير وديمقراطية الواجهة، ومع الأسف يمكن القول إننا أخلفنا من جديد الموعد مع التاريخ، ليس الملك وحده بل حتى الكتلة التي لم تتخذ الموقف الحازم الذي كان يقتضيه الوضع. – ما هي الدوافع التي جعلت الكتلة تستجيب، هذه المرة، لانتظارات ورغبة الحسن الثاني، رغم ما حصل؟ المحدداتُ الله وحده يعلمها، كان هناك استقبال عبد الرحمان اليوسفي من قبل جلالة الملك، والكل يعلم بأن جلالته دعا ابنيه -ولي العهد سيدي محمد وصنوه مولاي رشيد- للسلام على عمهما اليوسفي. وإثر خروجهما، طلب الحسن الثاني من اليوسفي (عهدا شخصيا) قيل إنه كان في صيغة قسم على المصحف، الله يعلم ما راج بينهما، ولكن المؤكد أن وطأة المرض ورغبة الملك في ترتيب مسبق لانتقال هادئ للعرش وإرساء تناوب على طريقته جعلتاه يستصدر وعدا بأن يساهم أكبر خصومه في هذه المرحلة الدقيقة من انتقال الحكم، وذلك ما حصل فعلا. ولكن، من الناحية المنهجية، التدبير الديمقراطي للبلاد لم يحصل؛ مرة أخرى لم يبرم أي عهد مكتوب يتضمن الالتزامات المتبادلة لإنقاذ المغرب من السكتة القلبية التي تهدده، وبدلا من التفكير في حل جذري لإقرار ديمقراطية أصيلة اخترنا الأسلوب التقليدي المعلوم أي الاستسلام وارتداء «شاشية» المخزني بدون مقابل، أي إقامة نظام ديمقراطي أصيل تكون فيه السيادة الفعلية للشعب، أي ملكية دستورية برلمانية.