القمة التركية-الإيرانية التي نظمت مؤخرا بطهران كانت مناسبة للرئيسين حسن روحاني ورجب طيب أردوغان للدعوة إلى ضمان وقف إطلاق النار وإيجاد حل سلمي للأزمة اليمنية، في ظروف إقليمية مضطربة جدا. ومن المؤكد أن تركيا يمكنها، بفضل علاقاتها الجيدة بإيران، أن تلعب دور الوسيط بين هذه الأخيرة والعربية السعودية للتوصل إلى حل سياسي في اليمن. ومنذ فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية سنة 2002، وتولي رجب طيب أردوغان رئاسة الحكومة ثم رئاسة الدولة سنة 2014، تغيرت السياسة الخارجية التركية بشكل جذري؛ فقبل سنة 2002، لم تكن تركيا ضمن أهم الشركاء الاقتصاديين والسياسيين لإيران، وكانت تحسب عادة على المعسكر الغربي منذ تأسيس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية وإلغاء الخلافة العثمانية سنة 1924؛ فانضمام تركيا إلى منظمة معاهدة الشمال الأطلسي سنة 1952 كرس انحيازها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وبلدان أوربا الشمالية في صراعهم ضد الاتحاد السوفياتي وبلدان أوربا الشرقية، بل كانت تركيا تعتبر من أهم حلفاء إسرائيل في الشرق الأوسط بعد أن اعترفت بالكيان الصهيوني سنة 1949 وأبرمت معه اتفاقا عسكريا سنة 1996. وسياسة أردوغان الخارجية تميزت بتوجهات وقرارات ذكية سمحت لتركيا بأن تتقرب من الدول العربية وإيران دون التفريط في علاقتها الجيدة بالولاياتالمتحدةالأمريكية والكثير من البلدان الأوربية. وهذا التوازن الذي يطبع السياسة الخارجية لتركيا سمح لها بأن تلعب دور الوسيط بين إيران والغرب أو بين إيران والدول العربية أو حتى بين بعض الدول العربية. وهذه السياسة المتزنة لم تمنع الرئيس طيب أردوغان بأن يسجل مواقف جريئة في موضوع الحروب الإسرائيلية على غزة وأن يدافع عن حقوق الفلسطينيين، بل إنه لم يتردد في طرد السفير الإسرائيلي في أنقرة وتعليق اتفاقات تركيا العسكرية مع إسرائيل في شتنبر 2011، بعد أن رفضت هذه الأخيرة الاعتذار عن مداهمتها لأسطول الحرية وقتل تسعة أتراك على متن سفينة «مافي مرمرة». وفي ملف النووي الإيراني بالذات، لا شك أن الاتفاق بخصوص تبادل الوقود النووي، الذي أبرم بين إيرانوتركيا بطهران في ماي 2010، قد مهد الطريق لإنجاح المفاوضات التي أجريت بلوزان السويسرية بين إيرانوالولاياتالمتحدة في شأن تخصيب اليورانيوم. وأكيد أن كل النجاحات التي حققتها الدبلوماسية التركية في السنوات الأخيرة مستلهمة من نموذج الدولة العثمانية التي كانت من أهم الجسور الواصلة بين البلدان الإسلامية الأخرى وأوربا، بل كانت من أهم القوى العظمى في العالم من القرن الرابع عشر إلى القرن العشرين. واليوم، بعد أن حاول جزء كبير من النخب التركية أن يتبني هوية تركية غربية تقطع مع الماضي العثماني الإسلامي بشكل جذري، تبين أن الأتراك متشبثين بدينهم رغم الغلو العلماني الذي ميز دولة أتاتورك منذ أكثر من ثمانية عقود. كل هذه المحددات، المصطحبة بنمو اقتصادي مرتفع ومستدام، سمحت لتركيا بأن تستعيد نفوذها في الشرق الأوسط وأن تراكم نجاحات دبلوماسية على قدر كبير من الأهمية.