سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الغزالي يفصل بين تقنين السمعي البصري وتقنين الصحافة المكتوبة في تصريحه ل«المساء» اعتبر أن الدول المتقدمة لا تعمل على إلحاق تقنين الصحافة المكتوبة بالسمعية البصرية
«إحداث الهاكا جاء في إطار سياسة حكيمة لتحرير القطاع السمعي البصري التي تعد بدورها مندرجة في إطار مشروع أشمل وهو تحديث ودمقرطة المجتمع المغربي. وخلال خمس سنوات من العمل، قمنا بمهامنا في إطار تفعيل المبادئ والقيم التي جاء بها الظهير المؤسس للهيئة. مما سمح سواء للهيئة أو للتجربة المغربية في ميدان تحرير القطاع، بكسب موقع أكيد في ما يتعلق بالجدية والمصداقية في محيطنا الوطني، الجهوي والدولي. إلحاق تقنين الصحافة المكتوبة بتقنين السمعي البصري لا يعمل به في الدول المتقدمة في ميدان تقنين الاتصال. هذا الخلط لا يفيد لا تقنين الاتصال السمعي البصري ولا تقنين الصحافة المكتوبة»، هكذا رد أحمد الغزلي، رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري - في تصريح ل«المساء» على كل تلك الأخبار التي تناسلت خلال الأسبوع الماضي دفعة واحدة، حول إمكانية إلحاق تقنين الصحافة المكتوبة بالهاكا. متتبعون لمسار النقاش يعتبرون أن فكرة هذا الإلحاق لم تولد إلا في سياق بعض الحلول التي تسعى بعض الجهات إلى الترويج لها لاحتواء التشنج الحاصل، مؤخرا، بين الدولة والصحافة، دون مراعاة مدى قانونية أو حتى مدى صلاحية وسلامة مثل هذا المقترح. إذ لا وجود مثلا لأي مقتضى قانوني في الظهير المحدث للهاكا يخول لها مثل هذا التدخل في الصحافة المكتوبة، مما يعزز فرضية «الهدية المسمومة» التي ألصقها بعض المهنيين بهذا المقترح، لأنها ستكون مضرة لتقنين الاتصال السمعي البصري الذي راكم إلى حد الساعة، وعلى مدى خمس سنوات من اشتغال الهاكا في إطار قانوني واضح، مجموعة من النتائج الملموسة، ومضرة لتقنين الصحافة المكتوبة التي تبقى محتفظة بخصوصيتها كما تظل شأنا مهنيا بامتياز. المهنيون أنفسهم هم أصحاب الحل والعقد فيه، كما تقول بذلك النقابة الوطنية للصحافة المغربية وفيدرالية الناشرين، وحتى وزارة الاتصال على عهد وزيرها السابق نبيل بنعبد الله. وللتدليل على «عبثية» اقتراح إلحاق تقنين الصحافة المكتوبة بالهاكا، يقول مصدر مطلع متتبع للملف، يكفي التأكيد على أن الهاكا لا تراقب الإذاعات والتلفزات إلا بناء على مقتضيات قانونية واضحة في دفتر التحملات متعلقة بالجانب المالي والتقني والتحريري، وهو ما يبدو من غير المنطقي فرضه على الجرائد، اعتبارا أولا وقبل كل شيء لكون الممارسة الصحافية مرتبطة أساسا بالجانب الحقوقي والنضالي منذ نشأتها، وبالتالي فهل يجب وقف الصحف الحزبية كذلك مادام قانون الاتصال السمعي البصري يمنع تأسيس قناة أو إذاعة على أساس حزبي. وكيف يمكن تطبيق مفاهيم التعددية السياسية واللغوية والثقافية وحماية الجمهور الناشئ ودعم الإنتاج الوطني على الجرائد التي لا تحتكم إلا إلى خطها التحريري، صانع تميزها في سوق تنافسية غامضة، علما بأن «الهاكا» بدورها لا تتدخل في الخطوط التحريرية للإذاعات والتلفزات. كما يمكن التساؤل يضيف المصدر ذاته، حول كيفية زجر الصحف في حالة المخالفة، والقضاء موجود دائما على الخط وبمرجعيات قانونية مختلفة، حيث يتم الاستناد تارة إلى القانون الجنائي وتارة إلى قانون الصحافة والنشر، علما بأن هذا القانون الأخير بدوره غير مرحب به بين المهنيين بما في ذلك مشروع تعديله، خصوصا في ما يتعلق بالعقوبات السالبة للحريات وثقل الغرامات المالية، وإن كان يضم بين مواده تنصيصا على إحداث مجلس وطني للصحافة بتمثيلية مهنية، كثمرة لمسلسل طويل من المشاورات بين الدولة والمهنيين (نقابة الصحافة وفيدرالية الناشرين)، وهو المشروع الذي من المنتظر عرضه على أنظار البرلمان خلال الولاية التشريعية الحالية بعدما ظل يراوح مكانه لأكثر من ثلاث سنوات». مثل هذا الجمع بين تقنين الصحافة المكتوبة وتقنين الاتصال السمعي البصري في مؤسسة واحدة لا أثر له في الدول المتقدمة سياسيا وإعلاميا. إذ لكل منهما منطقه البين قانونيا ومؤسساتيا وليست بينهما أمور متشابهة. ففي فرنسا مثلا لا علاقة للمجلس الأعلى للسمعي البصري بالصحافة المكتوبة، بل إن قواعد مهنية وأخلاقيات جرائدها لا يحددها إلا المهنيون أنفسهم. نفس الشيء في كندا وسويسرا وألمانيا.. حيث التنظيم الذاتي للمهنة هو سيد الموقف من خلال تكوين مجالس تضم الصحافيين والناشرين والكتاب وفي بعض الأحيان ممثلين عن المواطنين، تصدر قرارات ذات طبيعة مهنية لا تتعدى في أقصى الحالات نشرها على صفحات الجرائد المرتكبة للمخالفة، مع الاحتكام إلى ميثاق شرف مهني يحدد المبادئ العامة الواجب احترامها من طرف المهنيين، كما تسعى إلى إعطاء توصيات وتوجيهات لتطوير القطاع الصحافي، أضف إلى ذلك وجود قضاء متخصص في الجنح المرتكبة من طرف الصحافة مثل الغرفة 17 بفرنسا. هذا التنظيم المهني هو ما يفترض أن تقوم به الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات المهنية وحرية التعبير بالمغرب، لكن هذه الهيئة ظلت جامدة منذ إحداثها سنة 2005، كما أن العديد من توصيات الملتقى الوطني للصحافة في الصخيرات في نفس السنة لم يتم تفعيلها باستثناء تخصيص 50 مليون درهم لدعم الصحافة، مبلغ لم يكن له أي انعكاس على تحسين الممارسة المهنية، بل ازدادت تعقيدا. أما في الدول التي تجمع تقنين القطاعين في مؤسسة واحدة، مثل بعض الدول الإفريقية (مالي، موريطانيا، السينغال، بوركينافاصو، الكوت ديفوار....) فلا يكون هناك وضوح في الاختصاصات مما يؤدي إلى تحول هذه المجالس إلى لعب دور رقابي هدفه سياسي أكثر مما هو مهني.