تقرير غولدستون هو ظاهرة نادرة. في بلادنا على الأقل يخيل أن عدد الكتاب عنه يفوق بعشرات الأضعاف عدد قرائه. قراءة التقرير حقا، صعبة. فهو مكتوب بالإنجليزية وهو مليء بالتفاصيل المضنية. الحبكة ليست شيئا مميزا (نحن مرة أخرى نسارع إلى حل المشاكل المعقدة بمطرقة: هناك الكثير من «الأضرار الشمولية» المؤسفة ولكن المحتمة). تنقصه أيضا النهاية المحببة لذينا كثيرا (النصر الكبير والساحق للمحقين والتصفيق العاصف من العالم الذي ذهل من الجيش الناجع وفي نفس الوقت الأكثر أخلاقية في العالم). كان بوسعنا أن نقول لكم، مسبقا، إن الجمهور الإسرائيلي لن يحب هذا. أفضل له باولو كوالو ما. أما الكتابة عن التقرير، بالمقابل، فليست صعبة. حتى بدون قراءته يشعر المرء أن هذا ليس جيدا وليس صحيحا. ما الذي لم يكتب عن تقرير غولدستون؟ كتب أنه وثيقة لا سامية (الأمر الذي استوجب تحليلا نفسيا لكاتبه اليهودي)، أنه بيان مزدوج المعايير ضد حق الدفاع عن النفس للدول ضد الإرهاب، أنه محاولة ذكية للدفع نحو خراب دولة إسرائيل. بوق وزير الدفاع إيهود باراك –إذ إضافة إلى الحاشية الرسمية لنابليون الرابع فإن له بوقا في الصحافة العبرية، ذهب إلى حد التصريح بأن كومة الأوراق هذه ستجلب علينا الحرب القادمة، والتي أعطاها فورا اسما مناسبا «حرب غولدستون». ليس الغباء السياسي الإسرائيلي، إذن، ضيق الأفق، ليس الغياب التام لخطة حقيقية لحل النزاع، ليس الجمود الفكري (ذات مرة أسموه ببساطة «المفهوم الجامد») الذي يسيطر علينا، ولا حتى الميل الإسرائيلي المشروع «إلى استخدام القوة مرة كل بضع سنوات»، على حد قول البوق، بل غولدستون. دماء الأبرياء التي سفكت وستسفك (يبدو ذلك أكيدا) في رقبة غولدستون. أما بالنسبة إلينا، فكل ما تبقى لنا هو رفع اللوم والخروج بيدين نظيفتين. ولا تقولوا إننا لم نحذركم. وما يغيظنا على نحو خاص هو الإحساس غير اللطيف بان هذا التقرير لا يريد أن يذهب على الفور إلى جحيم كل التقارير، مثل أمثاله المحليين. انظروا مثلا إلى تقرير لجنة برودت (أو باسمه الرسمي «تقرير اللجنة لفحص ميزانية الدفاع»). فهذا لم يصدر منذ زمن بعيد، كان ذلك في 2007 فقط. وتحدث التقرير عن سياقات من الارتفاع في النفقات الأمنية، عن غياب الشفافية، عن انعدام التخطيط وعن تجاهل احتياجات الاقتصاد والمجتمع. وأشار إلى منظومة كاملة تحمي جهاز الأمن من التدخل والرقابة المدنيتين. مبالغ طائلة تتدحرج تحت ورقة التين الهائلة للاحتياجات الأمنية. التبذير، سوء النية وانعدام المسؤولية التي ظهرت في الرحلة الأخيرة لوفد وزارة الدفاع إلى الصالون الجوي في باريس هي فقط طرف الجبل الجليدي الأمني، الذي تحاول دولة إسرائيل، بشكل ما، الاختباء خلفه. وعلى طريقته تبنى الجيش الإسرائيلي بسرعة توصية اللجنة بزيادة ميزانيته ورد كل المطالب الأخرى التي كانت زيارة الميزانية مشروطة بها. إذن كان هناك تقرير. كان ولم يعد. وتقرير لجنة فينوغراد، أتذكرون؟ التقرير أوصى بتغيير راديكالي في كل عملية اتخاذ للقرارات في دولة إسرائيل. ومثل تقارير أخرى، أشار إلى غياب الرقابة المدنية على جهاز الأمن وإلى النتائج الخطيرة لهذا الغياب. حسنا؟ فقد ذهب إلى الجحيم ككل التقارير. وتقرير لجنة التحقيق الرسمية في موضوع اقتصاد المياه للعام 2002؟ وتقارير لا تحصى عن وضع المواصلات وعن جهاز التعليم؟ أين التقارير كلها، تلك التي أحببناها؟ كلها حملها الريح. فما العجب إذن في أن دولة إسرائيل ذهلت من حقيقة أن تقرير غولدستون (الذي ينطوي على خطر كامن مثل تقرير برودت) يرفض الاختفاء بالسرعة اللازمة؟ فضيحة. السياسة الإسرائيلية هي أنه من الأسهل إخفاء التقارير بدل معالجة المشاكل التي تشير إليها. خسارة أنهم في العالم لم يفهموا هذا بعد.