الانفجار الذي هز، يوم 19 يوليوز الماضي، أحد أحياء فاس لم يكن انفجارا عاديا. فقد قاد مختلف الأجهزة الأمنية، بالصدفة، إلى تفكيك شبكة دولية للاتجار في المخدرات، بعض أفرادها لا يزالون في حالة فرار. كانت العائلة قد أخبرت رجال الشرطة والإسعاف بوقوع انفجار قنينة غاز في مرآب إقامتها في حي النرجس، مما أدى إلى إصابة حارس المرآب إصابات بليغة نقل على إثرها إلى المستشفى الجامعي الحسن الثاني وتوفي بعد مدة قصيرة، كما ألحق الانفجار خسائر بالإقامات والمنازل المجاورة وعدد من السيارات المركونة بالقرب منها. وكادت الأبحاث تنتهي، والأب والابن وهما من عائلة تتحدر من الريف وتقيم بفرنسا يحافظان على هدوئهما، مع الإشارة في التقارير إلى أن الأمر فعلا يتعلق بانفجار قنينة، لولا أن قارورات عطر داخل المرآب أثارت بعض مسؤولي ال«الديستي» الذين أحسوا بأن تواجدها بكمية كبيرة في المرآب يثير أكثر من سؤال. كما أن إفراغها وثقل وزن بعضها أثار الشبهات. وبادر أحد هؤلاء المسؤولين إلى فتح إحداها، وأدى هذا «الفتح» إلى تحول فارق في مسار التحقيقات. فقد عثر بداخل القارورة على كمية من المخدرات. في تلك الأثناء، تغير وجه الأب والإبن، وتغيرت السرعة التي تتم بها التحقيقات، فيما تمكن الأب، في ظروف غامضة، من الفرار وسط تجمع جماهيري كان يواكب حدث الانفجار. مخدرات «معطرة» تبين من خلال التحقيقات أن هذه الشبكة «العائلية» لتهريب المخدرات إلى فرنسا، تقوم بإفراغ القارورات من المعطر بتقنيات عالية ويتم حشوها بالمخدرات وتلف بنسيج بلاستيكي تحته مادة بيضاء عبارة عن طلاء يستعمل في الصباغة وحولها كمية من القطن. تم العثور على 153 وحدة من عبوات معطر الجو. وعند تفحصها تم العثور على 16 كيلوغراما من مخدر الشيرا تم دسها بكل عناية في 22 منها. وحجزت عناصر الأمن ما يقرب من 70 عبوة فارغة كان يجري العمل من أجل ملئها بالمخدرات، إلا أن الانفجار حال دون إتمام العملية، في انتظار تهريبها إلى فرنسا أسبوعا بعد ذلك. واتضح أن الافجار لم يحدث بسبب قنينة غاز وإنما تم بسبب سيجارة كان حارس المرآب يحاول إطفاءها وسط هذه «العبوات الناسفة» داخل قبو مغلق وسط المرأب. ولكي لا يفتضح أمر هذه الشبكة، فإنها عمدت إلى إظهار المرآب وهو يحتوي على كميات من الأجهزة المتقادمة من السيارات وخصوصا محركاتها التي تقول العائلة إنها تتاجر فيها بالمغرب، وعمدت، في المقابل، إلى إعداد قبو بباب صغير خفي وسط المرآب، كان يعد لشحن عبوات معطر الجو بالمخدرات. واتضح كذلك أن العائلة لم تكن تتوفر على أي ترخيص لتحويل هذا المرآب المعد لركن السيارات، إلى محل تجاري. مخدرات في حصير المسجد أوردت التحريات التي قام بها رجال الأمن أن الابن المعتقل ولد بفرنسا ويتحدر من عائلة متوسطة. تابع دراسته إلى غاية المستوى الرابع من الإعدادي وتوقف عن الدراسة بعد فشله فيها. وخضع لتدريب في تعلم مهنة زلايجي بفرنسا ثم التحق بالعمل في مجزرة للأرانب لمدة معينة، وأصبح بعد ذلك يعمل بمتجر والده الخاص بالمواد الغذائية بمدينة موندغاكون. وقال إن دافعه إلى المال هو حاجته إلى تسديد مخالفات السير التي اقترفها. وجاءت قصة اتفاقه مع مغربي آخر مقيم في فرنسا لتهريب المخدرات. ويعمل عبد الحكيم ك. وهو من نواحي تازة، بين فرنسا والمغرب وتخصص في نقل المهاجرين المغاربة إلى فرنسا. وسلمه عبد الحكيم مبلغا من المال وعرض عليه العمل في المخدرات لكسب المال الوفير. حيث رافقه في تجربة أولى هرب خلالها المخدرات عبر عبوات معطر الجو. وحاول فؤاد خ. في محضر الاستماع إليه إسقاط جل التهم عنه وإلصاقها بصديقه عبد الحكيم. كما حاول نفي التهمة عن والده المختفي. وذكر أنه كان يرغب في إخفاء قارورات معطر الجو في سيارة محمد خ. المحجوزة والتي كان سينقل بها كميات من الحصير التقليدي من فاس لوضعه رهن إشارة مسجد في فرنسا، قبل أن تفشل العملية في آخر لحظاتها بينما كان الحارس عز الدين يحاول وضع اللمسات الأخيرة لتعبئة القارورات. ونفى الابن أن يكون والده على علم بموضوع تهريب المخدرات، لكنه، في الوقت نفسه، أبدى جهله للأسباب التي دفعته إلى الاختفاء بسرعة فائقة وفي ظل غموض تام، مباشرة بعد اكتشاف أمر المخدرات. تهريب نحو فرنسا أسفر التحقيق مع رشيد ك. وهو من أبناء المغاربة الذين ولدوا بالمهجر عن أنه سبق له أن اعتقل بتهمة تهريب المخدرات، وذلك بعدما اعتقل بمطار الدارالبيضاء وهو يحاول العودة إلى ديار المهجر. ونفى أي تورط له في هذه الشبكة، معتبرا أن إيراد اسمه من قبل فؤاد إنما يرمي إلى الانتقام منه لما عمد، أثناء اعتقاله سابقا، إلى إيراد اسمي شقيقي. فؤاد خ. في اعترافاته في صيف 2006، بعدما ألقي القبض عليه في طنجة. وطبقا لأبحاث المحققين، فإن الشبكة تتكون من أخوين، هما عبد الحكيم ك. ورشيد، وكذا من الأب محمد خ. وابنه فؤاد خ. وكان تنقيط الأخوين في حاسوب الشرطة الحدودية قد بين أنهما دخلا إلى المغرب يوما واحدا قبل حكاية الانفجار. أما الأب محمد. خ فإن المحققين أشاروا إلى شكوك تحوم حول ضلوعه في هذه القضية خصوصا وأنه لاذ بالفرار من مكان الانفجار ولم يظهر له أثر بعد ذلك. ووضع الفارون في لوائح المبحوث عنهم على الصعيد الوطني، في حين وضعت محجوزات المخدرات رهن إشارة إدارة الجمارك، ووضعت المحجوزات الأخرى كأدلة إثبات رهن إشارة القضاء. واستعان المحققون بألبوم صور يوضح الخسائر التي ألحقها الانفجار بالإقامة والمنازل المجاورة وبعض السيارات. وقال رجال الشرطة القضائية إن هذا الانفجار كان من الممكن أن يسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح لولا أن وقوعه تزامن مع وقت لا يعرف فيه الشارع رواجا من حيث المارة نظرا إلى حرارة الجو. ولم تتطرق تحقيقات الشرطة إلى طرق وملابسات تهريب هذه المخدرات إلى فرنسا وإلى الاتجاهات التي تسلكها بعد وصولها إلى دولة المهجر ولا إلى هويات الأشخاص الذين تباع لهم السلعة بعد وصولها. عنصران في حالة فرار وأسفر تفكيك هذه الشبكة «العائلية» إلى حد الآن عن اعتقال فردين من أعضائها، ولا زال البحث جاريا لاعتقال العضوين الآخرين. وصدرت في حق المعتقلين الاثنين أحكام قضائية ابتدائية، في غياب العنصرين الآخرين. وضمن الحكمين، فقد آخذت المحكمة الابتدائية فؤاد خ. من أجل حيازة المخدرات وحيازة التبغ بدون سند ومحاولة تهريب المخدرات، وحكمت عليه بسنتين ونصف السنة وغرامة نافذة قدرها 10 آلاف درهم. وقررت المحكمة ذاتها عدم مؤاخذته من أجل جنحة الاتجار في المخدرات والتصريح ببراءته مع إتلاف المخدرات المحجوزة ومصادرة المحجوزات المتمثلة في عبوات معطر الجو ولفافات بلاستيكية وشرائط بلاستيكية وأربع علب من القطن لفائدة الخزينة العامة. وقررت أن يؤدي هذا الشاب تعويضا مدنيا قدره 700 285 2 درهم لفائدة إدارة الجمارك والضرائب وسنتين حبسا نافذا ومصادرة وسيلة النقل وكذا العربة المجرورة المحجوزتين لفائدة نفس الإدارة.