كثيرا ما طرح آباء وأولياء أمور التلاميذ استفسارات عديدة حول سبب عدم تمكن أبنائهم وبناتهم من استيعاب مواد اللغات الفرنسية والانجليزية والاسبانية، وكيف أنهم يقضون السنوات الطوال يدرسون تلك المواد ولا يستطيعون نطق حتى جملة صحيحة منها، فاللغة الفرنسية تدرس بداية من الفصل الثالث ابتدائا، ومادتا الإنجليزية أو الإسبانية تدرسان ابتداء من مرحلة الإعدادي، مما يجعل الحاصل على شهادة الباكالوريا يكون قد استفاد من دراسة الفرنسية مدة عشرة مواسم دراسية، والإنجليزية أو الإسبانية مدة تفوق الأربع سنوات، هذا عن التعليم العمومي. أما في التعليم الخصوصي، فإن التلاميذ يدرسون اللغات حتى قبل دخول المستوى الأول ابتدائي. سنوات عديدة يقضيها التلاميذ في دراسة اللغات في المؤسسات الابتدائية والثانوية، والنتيجة أننا نحصل على حاملين لشهادة الباكالوريا بمختلف شعبها، لا يفقهون شيئا في تلك اللغات التي يجدونها المسلك الوحيد لإتمام دراستهم الجامعية. هل تلك اللغات معقدة إلى درجة أن أبناءنا وبناتنا لا يستطيعون استيعابها رغم السنوات الطوال؟ أم أن السبب يعود إلى أمور أخرى... وهل يجب إعادة النظر في البرامج التعليمية التي تعددت واختلفت دون نتيجة؟ أم في طريقة التدريس... أم أن المغاربة الجدد لم تعد لهم القدرة على تعلم اللغات... أسئلة كثيرة حيرت الآباء الذين يستغربون كيف أن المطرودين من الدراسة ومعهم الشيوخ والأميون الذين يحظون بإقامات مؤقتة بفرنسا أو أمريكا أو كندا أو اسبانيا يعودون وألسنتهم تنسج الكلمات والجمل بلغات تلك البلدان، وكيف أن أبناءهم وبناتهم يزدادون كرها وسأما من تلك اللغات. لا تعدو المشكلة في عمقها أن تكون أولا، نتاجا لعشوائية تدريس تلك اللغات، فالمفروض هو التركيز على تلقين التلاميذ المبادئ الأولية لكل لغة والتأكد من أنهم قد استوعبوها كاملة، وجعلهم يوظفونها في جمل وحوارات شفوية ومحادثات داخل الفصل، قبل الدخول في عمق البرامج الأخرى. ولعل المطلع على البرامج المعتمدة في تدريس اللغات، يجد أن عملية الانتقال إلى عمق تلك اللغات يتم بسرعة، مما يجعل التلاميذ غير قادرين على مسايرة المقررات، وبالتالي قطع التيار التعليمي بينهم وبين المدرس المرغم على احترام البرامج المقررة. وثانيا بسبب عملية تعريب المواد المدرسة بالتعليم الابتدائي والثانوي (الطبيعيات، الرياضيات، الفيزياء والكيمياء...)، فالتلاميذ كانوا يدعمون مكتسباتهم في اللغة الفرنسية ويصقلونها عند حضورهم الحصص الدراسية للمواد الأخرى التي كانت (مفرنسة). وكانوا يجدونها مجالات خصبة للاعتياد على الحديث باللغة الفرنسية كما أنهم كانوا مضطرين للاطلاع أكثر من أجل استيعاب شروحات مدرسي المواد المفرنسة. وثالث سبب يحد من استيعاب التلاميذ للغات، يبقى العبث وعدم الاهتمام الذي أصبح شيمة سلوكات معظم التلاميذ، وهذا الوضع يخيم بظلاله على كل المواد المدرسة، فنادرا ما تجد تلميذا مواظبا ونجيبا يتابع باهتمام شروحات المدرسين ويحرر ملخصات الدروس والتمارين في الدفاتر المخصصة لذلك، ليعمد إلى الاطلاع عليها في منزله. إضافة إلى أن معظم التلاميذ يعمدون إلى نسيان ما تلقوه من دروس بمجرد الاختبار فيها. ولا يبذلون جهودا بديلة من أجل تخزين المعلومات للاستعانة بها من أجل استيعاب دروس أخرى.