نلاحظ تغير أسلوب التربية حيث كان الأمر بالصلاة على سبع سنين ثم إن لم يطبق وينفذ الأمر يكون الضرب غير المبرح ولكن لعشر سنين. فتغيرت التربية بتغير المرحلة التي يمر بها الابن كما أن تربية الابن ليست كتربية البنت نظرا إلى ما بينهما من اختلاف وهذا من جميل وعظيم أمر الإسلام لقد امتازت أمتنا بأنها أمة وسط في كل شيء، وكان ذلك من أهم ما يميزها عن الأمم وهذا ما أقره القرآن حين قال: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) ولكن للأسف فإن أمتنا في هذا الزمان تخلت عن تلك الميزة بعد أن كانت مطبقة في أوج عصور الحضارة الإسلامية، فإذا بنا نجد أمتنا تنقسم بين إفراط وبين تفريط، وهذا الإفراط والتفريط أصبح موجودا في كافة شؤون حياتنا بصورة تدعو إلى الانتباه وحتمية العودة إلى الوسطية من جديد. وإذا أردنا أن نوضح ما ندعو إليه فإننا نضرب لذلك العديد من الأمثلة التي تُظهِر بجلاء أننا نصبح إما مُفرِطين أو مُفَرطين ومن هذه الأمثلة: تربية الأبناء: فبدلا من أن يسلك الآباء سلوكا وسطا في تربية أبنائهم كما دعاهم القرآن والسنة إلى ذلك نجد الآباء ينقسمون بين إفراط في تربية أبنائهم على الإسلام وبين تفريط في تلك التربية، فكثير من الآباء قد يدعوهم التزامهم غير المضبوط إلى تربية أبنائهم على الحق بصورة تتمثل في الأمر والنهي غير المناقش فيه بصورة تدعو الأبناء إلى كراهية الدين ومحاولة التمرد عليه في أقرب وقت ممكن، إذ إن الأبناء لن يظلوا تحت أعين آبائهم في كل الأوقات، فتربيتهم على الخوف فقط من الآباء لن يجعل الأبناء يلتزمون شريعة الإسلام، وكم رأينا من شباب كانوا من أسر متدينة ولكن تضييق آبائهم على حريتهم وإلزامهم بالأمور دون نقاش أو حوار جعلهم حين يبتعدون عن آبائهم يفعلون كل ما يريدونه وما يرغبون فيه. وعلى الجانب الآخر نجد آباء لا يربون أولادهم ولا يهتمون بهم ويكون كل همهم جمع المال واعتلاء المناصب، معتقدين بذلك أنهم يوفرون لأبنائهم حياة سعيدة ولكنها للأسف ليست كذلك، فكما أن الآباء مطالبون بالسعي نحو المعيشة فإنهم مطالبون في الأساس بتربية أبنائهم على الحق وحمايتهم من الغواية والانحراف. ولقد رأينا وسمعنا كثيرا عن آباء تركوا أبناءهم للانحراف لانشغالهم بالسعي وراء المال، ولعل هذا التفريط في التربية موجود بصورة كبيرة للغاية في أمتنا الإسلامية نظرا إلى أننا نعيش في زمن انشغلنا فيه بالسعي وراء المعيشة التي أصبحت صعبة وغير ميسرة نظرا إلى أننا نطبق أنظمة اقتصادية وضعية تقدم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وتعاني من ظلم في توزيع الدخول بين الأفراد. وعموما فإن الإفراط والتفريط أمران يرفضهما الإسلام بكل قوة لأنه يدعو إلى الوسطية في تربية الأبناء والتي من أهم سماتها على سبيل المثال لا الحصر: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) فإسلامنا يدعونا إلى أن نقي أنفسنا وأهلينا نار جهنم وهذا لن يكون إلا بالتربية على الإسلام تربية سليمة. يقرر الإسلام بأن تربية الأبناء يجب أن تكون على أساس الخشية من الله وليس من الآباء فقط، فالابن الذي تدرب وتعلم وتربى على الخوف من الله لن يرتكب ذنبا أو معصية سواء كان ذلك في حضور الأب أو في غيابه. يقرر الإسلام بأن يكون هناك حوار دائم بين الآباء وأبنائهم في كافة الأمور وأن يكون الإقناع هو السبيل الوحيد للحوار والنقاش لا الإلزام مع ضرورة ألا توضع الحواجز بين الآباء وأبنائهم والتي من شأنها لجوء الأبناء إلى غير آبائهم للسؤال عن أمور يتعرضون إليها ويكون من نتيجة ذلك الضلال، خاصة عندما يكون السؤال موجها إلى جماعة من الفاسقين وما أكثرهم في هذا الزمان. يقرر الإسلام بأن تربية الأبناء يجب أن تأخذ منحنى في التدرج وأن تتناسب التربية مع المرحلة التي يمر بها الأبناء، فتربية ذوي السبع سنين، ليست كتربية ذوي العشر سنين، ولعل ذلك ملاحظ في قوله صلى الله عليه وسلم «مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر»، فلعلنا نلاحظ تغير أسلوب التربية حيث كان الأمر بالصلاة على سبع سنين ثم إن لم يطبق وينفذ الأمر يكون الضرب غير المبرح ولكن لعشر سنين. فتغيرت التربية بتغير المرحلة التي يمر بها الابن كما أن تربية الابن ليست كتربية البنت نظرا إلى ما بينهما من اختلاف وهذا من جميل وعظيم أمر الإسلام. وهذا الإفراط والتفريط في الدعوة إلى الله أمر غير مرغوب فيه أيضا فإن دعوتنا يجب أن تتسم بالوسطية من حيث الشكل والمضمون والأسلوب فيجب على المسلم أن يتعلم دينه تعلما صحيحا ويأخذه عن العلماء الثقاة ويحسن فهم الدين ويعرف مقاصد الشريعة ثم يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، دون غلظة أو قسوة أو إكراه بل بيسر وود ومحبة ورغبة في الخير. وبهذا يستطيع أن يقطف ثمار دعوته ويحقق غايته من الدعوة إلى ربه، فإسلامنا قضية رابحة تحتاج إلى محام ناجح يحسن عرضها وإيصالها إلى الناس، وغير ذلك من الأمور التي أبتعدت عنها الوسطية كالتعامل مع المرأة والعلاقة مع غير المسلمين وغير ذلك.