فوزي لقجع يعزز نفوذ المغرب في الكاف بمنصب نائب أول للرئيس    الدوري الماسي: البقالي يحل ثانيا في سباق 3000 متر موانع خلال ملتقى شيامن بالصين    الرصاص يلعلع في مخيمات تندوف    قتلى في انفجار بميناء جنوب إيران    توقيف أب تلميذ اقتحم إعدادية بساطور    الكرفطي ينتقد مكتب اتحاد طنجة: بدل تصحيح الأخطاء.. لاحقوني بالشكايات!    المباراة الوطنية الخامسة عشر لجودة زيت الزيتون البكر الممتازة للموسم الفلاحي 2024/2025    بنكيران: "العدالة والتنمية" يجمع مساهمات بقيمة مليون درهم في يومين    بنكيران: وفد حماس لم يحصل على التأشيرة لدخول المغرب وجمعنا أزيد من مليون درهم حتى الآن    الكلية متعددة التخصصات بالناظورتحتضن يوما دراسيا حول الذكاء الاصطناعي    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في مراسم جنازة البابا فرانسوا    مناظرة جهوية بأكادير لتشجيع رياضي حضاري    تتويج 9 صحفيين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    العثور على جثة بشاطئ العرائش يُرجح أنها للتلميذ المختفي    الجامعي: إننا أمام مفترق الطرق بل نسير إلى الوراء ومن الخطير أن يتضمن تغيير النصوص القانونية تراجعات    جديد نصر مكري يكشف عن مرحلة إبداعية جديدة في مسيرته الفنية    بواشنطن.. فتاح تبرز جاذبية المغرب كقطب يربط بين إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة    المغرب يرفع الرهان في "كان U20"    بدء مراسم جنازة البابا في الفاتيكان    المغرب يرسّخ مكانته كمركز صناعي إفريقي ويستعد لبناء أكبر حوض لبناء السفن في القارة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    إطلاق مشروعي المجزرة النموذجية وسوق الجملة الإقليمي بإقليم العرائش    مؤتمر "البيجيدي" ببوزنيقة .. قياديان فلسطينيان يشكران المغرب على الدعم    برهوم: الشعب المغربي أكد أنه لا يباع ولا يشترى وأن ضميره حي ومواقفه ثابتة من القضية الفلسطينية    جيدو المغرب ينال ميداليات بأبيدجان    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    هولندا.. تحقيقات حكومية تثير استياء المسلمين بسبب جمع بيانات سرية    شبكات إجرامية تستغل قاصرين مغاربة في بلجيكا عبر تطبيقات مشفرة    تصفية حسابات للسيطرة على "موانئ المخدرات" ببني شيكر.. والدرك يفتح تحقيقات معمقة    من تندرارة إلى الناظور.. الجهة الشرقية في قلب خارطة طريق الغاز بالمغرب    تتويج الفائزين في مباريات أحسن رؤوس الماشية ضمن فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب 2025    كرانس مونتانا: كونفدرالية دول الساحل تشيد بالدعم الثابت للمغرب تحت قيادة الملك محمد السادس    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة بالعيد الوطني لبلادها    ماذا يحدث في بن أحمد؟ جريمة جديدة تثير الرعب وسط الساكنة    بدء مراسم تشييع البابا فرنسيس في الفاتيكان    ولاية أمن الدار البيضاء توضح حقيقة فيديو أربعة تلاميذ مصحوب بتعليقات غير صحيحة    لقاء يتأمل أشعار الراحل السكتاوي .. التشبث بالأمل يزين الالتزام الجمالي    الشافعي: الافتتان بالأسماء الكبرى إشكالٌ بحثيّ.. والعربية مفتاح التجديد    المرتبة 123 عالميا.. الرباط تتعثر في سباق المدن الذكية تحت وطأة أزمة السكن    المعرض الدولي للنشر والكتاب يستعرض تجربة محمد بنطلحة الشعرية    فعاليات ترصد انتشار "البوفا" والمخدرات المذابة في مدن سوس (فيديو)    الصين تخصص 6,54 مليار دولار لدعم مشاريع الحفاظ على المياه    الهلال السعودي يبلغ نصف نهائي نخبة آسيا    وثائق سرية تكشف تورط البوليساريو في حرب سوريا بتنسيق إيراني جزائري    الجهات تبصِم "سيام 2025" .. منتجات مجالية تعكس تنوّع الفلاحة المغربية    من فرانكفورت إلى عكاشة .. نهاية مفاجئة لمحمد بودريقة    جريمة مكتملة الأركان قرب واد مرتيل أبطالها منتخبون    العالم والخبير في علم المناعة منصف السلاوي يقدم بالرباط سيرته الذاتية "الأفق المفتوح.. مسار حياة"    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    متدخلون: الفن والإبداع آخر حصن أمام انهيار الإنسانية في زمن الذكاء الاصطناعي والحروب    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطفلات الخادمات.. تجارة النخاسة التي يزكيها الفراغ القانوني وتواطؤ الأسر مع السماسرة
نجية أديب: «90 في المائة من المنازل المغربية تشغل فتيات قاصرات»
نشر في المساء يوم 22 - 09 - 2009

كيف تستقدم فتيات القرى للعمل كخادمات في المنازل بالمدن؟ ومن يقف وراء عمليات استقدامهن؟ وتحت أي ظروف يتم تشغيلهن؟ وما دور الوسطاء في العملية؟ وما مقابلهم في ذلك؟.. أسئلة سنحاول الإجابة عنها من خلال زيارة ميدانية لنقط »استغلال براءة طفلات خادمات« بالعاصمة الاقتصادية التي لم تستثن هذه الفئة من «رسملتها».
الرميلة «سوق للنخاسة»
المكان، حي الرميلة بعين الشق بالدار البيضاء، الزمان: الاثنين أو الجمعة، حيث يكون «سوق النخاسة للخادمات» على موعد مع عرض خدمة خاصة. بأحد الشوارع الرئيسية بحي الرميلة، ترابض مجموعة من السيارات قادمة من إقليم تاونات، تحمل بالإضافة إلى الخضر والفواكه التي تعرض في المكان نفسه، عددا من الخادمات اللواتي يستقطبن من قرى تاونات وفق طلبات لسماسرة آخرين بمدينة الدار البيضاء الذين تبقى لهم مهمة التوزيع، وقد تنتقل أسر أخرى مباشرة إلى المكان المعلوم لجلب خادمة، غير أن إمكانية الحصول عليها تبقى جد محدودة لأن عدد الخادمات يوازي الطلب، وأن الفائض يكون فقط في حال رفض إحدى العائلات المشغلة للخادمة أو عدم التوافق في ما يخص الثمن أو السن أو شيء من هذا القبيل، ويظل السماسرة الحلقة الأساس في هذه العملية، إذ إنهم المستقبل والموزع.
ينقلن من وإلى دواويرهن، وكأنهن في مغامرة «حريك» نحو الضفة الأخرى، عن طريق شبكة متخصصة، في رحلة «غير عادية» من أجل تشغيلهن. أناس من طينة خاصة، لهم باع طويل في التجارة ب«طفلات»، لكن بطريقة أكثر تكتما، وأخريات راشدات، ورغم أن الوضع اختلف الآن وأصبح أكثر خطورة بالنسبة إلى السماسرة الذين يجيدون التنقيب عن القاصرات في مناطق نائية، وإقناع أسرهم بالموافقة على ذلك، وهو ما لا يستغرق وقتا طويلا، وهم «يتطوعون» ويقدمون خدمة لمن له ميول للخادمات القاصرات، ما بين عشر سنوات و17 سنة، فالأمر بسيط، وما على المشغل إلا أن يكون أكثر سخاء ليبلغ مراده في ظرف أسبوع واحد أو أقل.
في صباح الجمعة الماضي وقفت سيارتان من الحجم الكبير في المكان المعتاد، غير أنهما لم يكونا محملتين بفتيات من تاونات، كما كان معتادا من قبل، بل بالخضر وبعض الفواكه التي عرضت على الأرض، وسبب عدم جلب الفتيات، وفق ما صرح به أحد الأشخاص، أنه في مثل هذه الفترة تقل الخادمات، إذ لا ترغب الأسر في تشغيل بناتها في شهر رمضان واقتراب حلول عيد الفطر.
السيارات الست التي أكد مصدر «المساء» أنها تنشط في النقل السري، تلعب دورا مهما بالنسبة إلى سكان مناطق تاونات، خاصة النائية منها، حيث تنقل السلع ومعها المسافرين من وإلى تاونات في ظل غياب وسائل نقل عمومية تصل إلى نقط معينة بالإقليم، حيث قال المصدر ذاته:
«هدوك الناس دايرين خير كثير في سكان تاونات»، في إشارة إلى أن جلب الخادمات ليس العمل الأساس لهذه السيارات.
«الدريسية 2» نقطة تعج بالسماسرة
نزل محمد (اسم مستعار)، من شقته بالدريسية 2 بالدار البيضاء، بعد أن استدعاه ابنه تحت طلبنا. أقبل محمد، بجسم نحيل، ولحية يغلب عليها الشيب، كان يبدو أكثر جدية وهو يحكي عن تضلعه في مهنة «الوساطة في الخادمات».
ثلاثون سنة من العمل في الوساطة مكنته من اكتساب زبناء من الطرفين، سواء تعلق الأمر بالمشغل أو بالأسر التي ترغب في تشغيل بناتها، حيث يقول إن له زبناء أوفياء من الرباط وطنجة وتطوان ونقط جغرافية أخرى بعيدة، والدليل على احترافيته أنه لم يسبق له أن واجه أي مشكل في هذا الصدد، وأن الأمر لا يتعدى استدعاءه إلى قسم الشرطة في ساعات متأخرة من الليل باعتباره طرفا في الموضوع، وغالبا ما يكون الأمر متعلقا بفرار الخادمة من منزل المشغل.
أبدينا إصرارا في رغبتنا بالحصول على خادمة لا يتجاوز سنها الثانية عشرة أو الرابعة عشرة على الأكثر، وبدونا أكثر إلحاحا وحاجة إلى ذلك، وعللنا ذلك بأن الفتيات في هذا السن لا يقمن بأي تصرفات قد تجر بنا إلى مخافر الشرطة ولا نعلم إلى أين تنتهي، غير أن محمد، ورغم التوسلات، أبدى رفضه التام، وقال إن تشغيل الخادمات القاصرات يكون محفوفا بالمخاطر، ويجر على الوسيط والمشغل معا «صداع الراس».
بمجرد ما يتلقى محمد طلبات «محترمة» من أسر ترغب في خادمة يشد الرحال إلى منطقة سوس، حيث يشرف بنفسه على جلب فتيات تميزهن الرزانة، الحيوية، والاحترام .. بالإضافة إلى «الحذاقة»، وقال في هذا الصدد إنه ينقب عنهم من »الجذر« دون حاجة إلى الاستعانة بوسيط آخر مادام هو يتحدر من المنطقة. وفور عودته لا يوجه الفتيات مباشرة إلى أماكن عملهن، بل إنه يجري لهن «امتحانا تجريبيا» بمنزله، ومن ثم يقرر تسليم الخادمة إلى مشغلها أو إعادتها إلى أسرتها إن كان بها عيب من العيوب، كأن تكون غير متمكنة بما فيه الكفاية من الأعمال المنزلية.
وقال محمد إنه يربط علاقات مع «سماسرة الأجساد الطرية» غير أنه لا يعمل وفق منطقهم، إذ إن المال لا يمكن أن يجعل منه وحشا «لا آدمية فيه» فيقطف وردة من جنان أسرتها ليرمي بها في أحضان أسر قد لا تراعي الجانب النفسي لها، ولا حتى الصحي أحيانا، وأضاف أن المشاكل التي أصبحت تعقب تشغيل مثل هؤلاء الطفلات زادت من عزمه على عدم لعب أي وساطة في تشغيل من لا يصل سنها ال 18 سنة. لكن ما نصيب محمد وغيره من «سماسرة الخادمات» في عملية السمسرة؟
رغم أن محمد أكد أن العامل المادي لا يمكن أن يفرغه من إنسانيته، ويرى في مهنته عملا إنسانيا قبل أي شيء آخر، لأنه يجر الخير إلى الجميع، غير أنه يضع لنفسه حدا أدنى من الأجر، ولا يمكن أن يستغني عن فلس منه، خاصة إذا تكبد عناء الانتقال إلى جبال الأطلس الكبير، وأن المبلغ لا يمكن أن ينزل عن 400 درهم، وقد يصل إلى 700 درهم، وتدخل فيها مصاريف التنقل، وهنا يقول محمد إن بعض الزبناء يفيضون عليه بسخائهم، ولا يدعون له مجالا للمطالبة بالمزيد لأنهم يقدمون له أكثر مما حدده كسقف.
للطبقات الغنية فقط
غير بعيد عن محمد، وفي الحي نفسه بالدريسية 2، طرقنا باب منزل رابحة، (إسم مستعار)، التي قيل إنها اعتزلت المهنة، غير أننا وقفنا على العكس. استقبلتنا بحرارة الأحباب بعد أن أكدنا لها أن أحد الأشخاص دلنا على عنوانها، حيث سبق أن تعامل معها وأبانت له عن تمرسها في وساطة الخادمات، كما أن الفتيات اللواتي تستقطبهن متميزات، ابتسمت رابحة لشهادة أثلجت صدرها ورفعت من معنوياتها، وقالت إن كل ما قيل عنها صحيح وأن السر في ذلك أن الفتيات اللواتي يجلبهن زوجها من المناطق الصحراوية «حاذقات»، وأنهن يُجدن الطبخ والتنظيف، كما أن أجورهن تكون هزيلة مقارنة مع ما يقدمنه من خدمات، إذ لا يتجاوز أجر الواحدة منهن مبلغ 1000 درهم، وغالبا ما لا يتجاوز المقابل 600 درهم، وقالت إن ما يميز الفتيات الصحراويات اللواتي يستقطبن لهذا الغرض هو رزانتهن، حيث إنهن لا يطالبن بعطلة نهاية الأسبوع، كما يمكن الاعتماد عليهن في أدق التفاصيل المنزلية، ولا يطالبن بالذهاب إلى منازلهن بين الفينة والأخرى وأن العطلة الوحيدة لهن هي تلك التي تتزامن مع عيد الأضحى لمدة عشرين يوما.
قالت رابحة إن العثور على خادمة في شهر رمضان أشبه بالمستحيل، إذ إن هناك من يرغب في دفع مبالغ مالية مهمة مقابل الحصول على خادمة تتحمل عبء الأعمال المنزلية التي تكون مرهقة في رمضان، وقالت إن زوجها يجلب الفتيات مرة في الأسبوع، وهن من قرية واحدة، والفقر عاملهم المشترك، وأن دورها هي يقتصر على البحث لهن عن عائلات ميسورة، وآخرهن أربع فتيات وزعتهن دفعة واحدة منذ ثلاثة أيام بأحياء راقية بالدار البيضاء من بينهم واحدة بعين الذئاب. ورغم تأكيدها لنا على أنها لا تتوسط في تشغيل الفتيات القاصرات إلا أنها أعطتنا وعدا بالبحث عن خادمة لا يتجاوز سنها 12 سنة أو 14 سنة على الأكثر. أسرت رابحة لنا أنها أصبحت تقرأ بحنكة خبايا أنفس الأسر المشغلة، وأن الرؤية الأولية لسيدة المنزل تفطن إلى مدى طيبتها أو قبحها، فإما أن تتراجع وتعود بالخادمة إلى منزلها، لأنها ليست حِملا للمشاكل، إلى حين أن تدبر لها منزلا آخر، أو أنها تعود بعد يومين لتأخذها بدافع أن أسرتها ترفض أن تظل لديها.
أزيد من 100 ساعة أسبوعيا
قالت المنظمة الحقوقية هيومن رايتس ووتش، في بلاغ سابق لها، أصدرته بداية غشت الماضي، إن العديد من خادمات المنازل بالمغرب هن في سن الطفولة، ويبلغن من العمر خمسة أو ستة أعوام، ويعملن بالمنازل لمدة مائة ساعة أو أكثر في الأسبوع، دون فترات راحة أو عطلة نهاية الأسبوع.
وأضاف البلاغ أنه كثيرا ما يسيء إليهن أصحاب المنازل بدنيا وشفاهيا، كما يحرمن من التعليم وأحيانا يحرمن حتى من الطعام الملائم والرعاية الصحية، كما أن بعض الفتيات يعانين من التحرشات الجنسية من أصحاب العمل أو من أفراد من أسرة صاحب العمل.
وأكدت المنظمة أنه كثيرا ما يستعين أصحاب المنازل بالتهديدات أو القيود من أجل إجبار الفتيات على الاستمرار في العمل ضد إرادتهن، كما في حالات الضرب من أجل الانصياع إلى الأوامر، أو احتجازهم داخل البيوت، أو رفض دفع الأجور للراغبات في ترك العمل، فإن الإساءات قد ترقى إلى مستوى الاتجار في البشر من أجل العمل بالسخرة.
وقالت سارة ليا ويتس، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش:« تتعرض الكثير من العاملات في الشرق الأوسط لمعاملة مخزية، والكثير من أصحاب العمل ليست لديهم أدنى فكرة عن حقوق العمل الأساسية الخاصة بعاملات المنازل». ودعت هيومن رايتس ووتش أصحاب العمل إلى احترام خمسة التزامات دنيا بشأن توظيف الخادمات.
تشغيل الأطفال مشروع إجرام
أكدت نجية أديب، رئيسة جمعية «ما تقيش ولدي« أن 90 في المائة من البيوت المغربية تشغل فتيات قاصرات، وأن الوضع ينذر بمستقبل يكتنفه الظلام، حيث إن تشغيل القاصرين بصفة عامة هو جرم في حق الطفولة المغربية، وبخاصة تشغيل القاصرات في البيوت، لأن وضعهم الطبيعي هو المدرسة واللعب والترفيه. واعتبرت أديب أن تشغيل الأطفال في سن غير قانوني هو «مشروع إجرام» ليس إلا، إذ إن هؤلاء الأطفال يكبرون وتكبر معهم مجموعة من العقد، أهمها إضمار الكره والحقد للمجتمع ككل، وقد يصل إلى كره الوالدين، تقول :«هناك نماذج عايناها من بينها شابة أبانت عن كره لوالدها، حيث ترفض اليوم مده بجزء من أجرتها، وسبب ذلك أنه دفعها إلى العمل في سن مبكرة جدا، حيث كانت تستعين بكرسي لغسل الأواني بالمطبخ».
واعتبرت أديب الفراغ القانوني جانبا يجعل السماسرة والأسر وحتى المشغلين يتمادون في «تجارة غير مشروعة»، وأن وقف هذا النزيف الإنساني يتطلب أولا وضع قوانين رادعة لتشغيل القاصرين بشكل عام، وأن ذلك لن يتأتى إلا بإقرانها بعقوبات زجرية، وأن هذه العقوبات يجب أن تنزل بكل من له يد في استغلال الأطفال بدءا بالأسر، مرورا بالسماسرة وانتهاء بالمشغل.
وفي ظل الفراغ القانوني، ورغم أن مدونة الشغل تمنع تشغيل الأطفال، يظل الطفل المغربي نقطة استغلال، ولقمة سائغة في أفواه المتاجرين، فما السبيل إلى وقف نزيف الاستغلال حتى لا نسمع حكايات زينب اشطيط، وحنان العكري وآخرين يعذبون في صمت.
الطفلة حنان.. تحت التعذيب
مازالت حنان ذات ال 13 ربيعا، والمتحدرة من أحد دواوير تاونات، تستفيق على كوابيس مخيفة، بل إنها مازالت تنتقل من مقر سكناها إلى أحد مستوصفات تاونات لتلقي العلاج من الحروق والكدمات، كانت حصيلة ستة أشهر قضتها بمنزل إحدى العائلات بالدار البيضاء.
تحدثت حنان بصوت مخنوق مرتجف عن لحظات من التعذيب وعن ليال وساعات قضتها بشرفة المنزل، وعن وجبات «ريجيمية» تخلو من الدهون ومن البهارات، بل إنها لا تتعدى كسرة خبز «حافي».
تقول إن الأم وابنتها، ذات الثانية والعشرين سنة، كانتا تتفننان في تعذيبها بسادية، إذ لا يمكن أن يفوتا على نفسيهما فرصة رسم خطوط لزفافيد اكتسبت الحمرة فوق لهيب النار، وبكيفية يوميةعلى جسدها الطري. قالت حنان إنها كانت تتوسلهما لكن رغبتهما في «تأديبها» لتطويعها وتركيعها إلى أبعد الحدود هي التي كانت ترفع معنوياتهما أكثر بمجرد ما تشرع حنان في البكاء.
وعن أسباب تعنيفها قالت الطفلة إنها لم تكن تنبني على أساس، إذ تثور ثائرتهما أحيانا هكذا ودون سابق إنذار ودون أسباب منطقية، في حين تتعرض أحيانا أخرى للضرب لأنها لا تجيد الطبخ وغسل الأواني.
ألحت صاحبة المنزل في يوم من الأيام على الزوج بأن يرسل الطفلة إلى بيتها، وفي ذلك الصباح أيقظت الأسرة حنان في ساعة مبكرة، كالمعتاد، حيث إن الزوجة أو ابنتها كانتا توقظانها في السادسة صباحا أو السابعة، تحت أي ظرف. كانت الوجهة محطة أولاد زيان إذ تم اقتناء تذكرة لها في أول حافلة صادفها الزوج. وقالت حنان إنها لم تتناول فطورها بالمنزل، وفي مقابل ذلك لم تقبض درهما واحدا من الأسرة التي تقول إنها بمجرد ما صعدت إلى الحافلة دخل الزوج والزوجة في مشادة أمام العيان لأن الزوج كان طيبا ويمنع الزوجة وابنتها من ضربي.
يقول محمد العكري، والد حنان، إن رب الأسرة الذي كانت ابنته تعمل لديه، والتي حملها بيديه إليها قبل ستة أشهر، ظنا منه أنها ستعامل بطيبة ومسؤولية، عرض عليه مقابلا ماديا مقابل طي الصفحة، غير أن الأب رفض أي مساومة في هذا الصدد وقال إن القضاء سيقول كلمته في القضية بعد أن تقدم بشكوى قضائية ضد الأسرة المشغلة.
«لا أحد يسترخص أطفاله ويقدمهم إلى أناس غرباء إلا عند الضرورة القصوى. هنا بإقليم تاونات لا وجود لفرص للعمل، لذلك كنت مضطرا إلى تشغيل ابنتي البكر «سعاد» وحنان في المنازل كخادمتين»، وأضاف محمد :«ما سبيلي إلى العيش أنا وزوجتي. لو أتيحت لي فرصة عمل كخياط تقليدي لما سمحت بتشغيل طفلتي«.
فقلة فرص الشغل، وانتشار الفقر بالمنطقة جعل تشغيل الفتيات بالمنطقة كخادمات بالمدن أمرا عاديا، بل ضروريا في أحيان كثيرة من أجل إنقاذ باقي أفراد الأسرة من الجوع، فلا يمكن أن تجد منزلا بقرى تاونات لم يسبق له أن شغل ابنته أو بناته كخادمات في البيوت مقابل مبالغ زهيدة غالبا ما لا تتجاوز ال500 درهم للشهر، وعوض أن تكون الوجهة المدرسة لتلقي أبجديات المعرفة وتحصيل العلم ورسم معالم مستقبل واضح تكون الوجهة المطابخ بمنازل غرباء قليلا ما يراعون إنسانيتهن، كما هو حال خادمات كثر، جعلتهن ظروفهن الاجتماعية يتنقلن بين المنازل في رحلة بحث عن لقمة عيش لهن ولعائلاتهن، منهن من حالفها حظها وعملت لدى أسر اعتبرتها فردا من العائلة وعاملتها بحب وحنان، وأخرى حملها سوء الحظ إلى أسر عاملتها بجفاء ونفذت على جسدها أحكام التعذيب .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.