كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    والي بنك المغرب يعلن الانتهاء من إعداد مشروع قانون "العملات الرقمية"    "هيئة تحرير الشام" تخطط للمستقبل    8 قتلى في حادثتين بالحوز ومراكش    27 قتيلا و2502 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    فينيسيوس أفضل لاعب في العالم وأنشيلوتي أحسن مدرب    قطاع الطيران... انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ    بنك المغرب يخفض سعر فائدته الرئيسي إلى 2,5 في المائة    جوائز "الأفضل" للفيفا.. البرازيلي فينيسيوس يتوج بلقب عام 2024    تشييع رسمي لجثمان شهيد الواجب بمسقط رأسه في أبي الجعد    المغرب والسعودية يوقعان بالرياض مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات التحول الرقمي الحكومي    القنيطرة.. افتتاح معرض لإشاعة ثقافة التهادي بمنتوجات الصناعة التقليدية    الرباط.. انعقاد اجتماع لجنة تتبع مصيدة الأخطبوط    إحصاء 2024: الدارجة تستعمل أكثر من الريفية في الناظور    صحيفة 'لوفيغارو': المغرب يتموقع كوجهة رئيسية للسياحة العالمية    العام الثقافي 'قطر-المغرب 2024': الأميرة للا حسناء وسعادة الشيخة سارة تترأسان بالدوحة عرضا لفن التبوريدة        رسمياً.. المغرب يصوت لأول مرة بالأمم المتحدة على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام    المغرب "شريك أساسي وموثوق" للاتحاد الأوروبي (مفوضة أوروبية)    مجلس الشيوخ الشيلي يدعم مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية (سيناتور شيلي)    كلمة الأستاذ إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خلال اجتماع اللجنة الإفريقية للأممية الاشتراكية    فيفا ينظم بيع تذاكر كأس العالم للأندية‬    بنعلي: رفع القدرة التخزينية للمواد البترولية ب 1,8 مليون متر مكعب في أفق 2030    ردود فعل غاضبة من نشطاء الحركة الأمازيغية تُشكك في نتائج بنموسى حول نسبة الناطقين بالأمازيغية    84% من المغاربة يتوفرون على هاتف شخصي و70 % يستعملون الأنترنيت في الحواضر حسب الإحصاء العام    لماذا لا تريد موريتانيا تصفية نزاع الصحراء المفتعل؟    الأميرة للا حسناء تترأس عرض التبوريدة    دفاع الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال يؤكد أن وضعه الصحي في خطر    النظام الأساسي لموظفي إدارة السجون على طاولة مجلس الحكومة    تحقيق قضائي لتحديد دوافع انتحار ضابط شرطة في الدار البيضاء    ارتفاع معدل البطالة بالمغرب إلى 21% مع تسجيل ضعف في نسبة مشاركة النساء بسوق الشغل    مراكش.. توقيع اتفاقية لإحداث مكتب للاتحاد الدولي لكرة القدم في إفريقيا بالمغرب    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    حاتم عمور يطلب من جمهوره عدم التصويت له في "عراق أواردز"        ضابط شرطة يضع حدّاً لحياته داخل منزله بالبيضاء..والأمن يفتح تحقيقاً    ألمانيا تتجه لانتخابات مبكرة بعد سحب الثقة من شولتس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    سرطان المرارة .. مرض نادر يُشخّص في المراحل المتقدمة    كيوسك الثلاثاء | حملة توظيف جديدة للعاملات المغربيات بقطاع الفواكه الحمراء بإسبانيا    زلزال عنيف يضرب أرخبيل فانواتو بالمحيط الهادي    شوارع المغرب في 2024.. لا صوت يعلو الدعم لغزة    الصين تعارض زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على المنتجات الصينية    ماكرون سيعلن الحداد الوطني بعد إعصار شيدو المدمر في أرخبيل مايوت    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    أفضل لاعب بإفريقيا يحزن المغاربة    لماذا لا يستطيع التابع أن يتحرر؟    عن العُرس الرّيفي والتطريّة والفارس المغوار    علماء يكتشفون فصيلة "خارقة" من البشر لا يحتاجون للنوم لساعات طويلة    بريطاني أدمن "المراهنات الرياضية" بسبب تناول دواء    دراسة: الاكتئاب مرتبط بأمراض القلب عند النساء    باحثون يابانيون يختبرون عقارا رائدا يجعل الأسنان تنمو من جديد    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطفلات الخادمات.. تجارة النخاسة التي يزكيها الفراغ القانوني وتواطؤ الأسر مع السماسرة
نجية أديب: «90 في المائة من المنازل المغربية تشغل فتيات قاصرات»
نشر في المساء يوم 22 - 09 - 2009

كيف تستقدم فتيات القرى للعمل كخادمات في المنازل بالمدن؟ ومن يقف وراء عمليات استقدامهن؟ وتحت أي ظروف يتم تشغيلهن؟ وما دور الوسطاء في العملية؟ وما مقابلهم في ذلك؟.. أسئلة سنحاول الإجابة عنها من خلال زيارة ميدانية لنقط »استغلال براءة طفلات خادمات« بالعاصمة الاقتصادية التي لم تستثن هذه الفئة من «رسملتها».
الرميلة «سوق للنخاسة»
المكان، حي الرميلة بعين الشق بالدار البيضاء، الزمان: الاثنين أو الجمعة، حيث يكون «سوق النخاسة للخادمات» على موعد مع عرض خدمة خاصة. بأحد الشوارع الرئيسية بحي الرميلة، ترابض مجموعة من السيارات قادمة من إقليم تاونات، تحمل بالإضافة إلى الخضر والفواكه التي تعرض في المكان نفسه، عددا من الخادمات اللواتي يستقطبن من قرى تاونات وفق طلبات لسماسرة آخرين بمدينة الدار البيضاء الذين تبقى لهم مهمة التوزيع، وقد تنتقل أسر أخرى مباشرة إلى المكان المعلوم لجلب خادمة، غير أن إمكانية الحصول عليها تبقى جد محدودة لأن عدد الخادمات يوازي الطلب، وأن الفائض يكون فقط في حال رفض إحدى العائلات المشغلة للخادمة أو عدم التوافق في ما يخص الثمن أو السن أو شيء من هذا القبيل، ويظل السماسرة الحلقة الأساس في هذه العملية، إذ إنهم المستقبل والموزع.
ينقلن من وإلى دواويرهن، وكأنهن في مغامرة «حريك» نحو الضفة الأخرى، عن طريق شبكة متخصصة، في رحلة «غير عادية» من أجل تشغيلهن. أناس من طينة خاصة، لهم باع طويل في التجارة ب«طفلات»، لكن بطريقة أكثر تكتما، وأخريات راشدات، ورغم أن الوضع اختلف الآن وأصبح أكثر خطورة بالنسبة إلى السماسرة الذين يجيدون التنقيب عن القاصرات في مناطق نائية، وإقناع أسرهم بالموافقة على ذلك، وهو ما لا يستغرق وقتا طويلا، وهم «يتطوعون» ويقدمون خدمة لمن له ميول للخادمات القاصرات، ما بين عشر سنوات و17 سنة، فالأمر بسيط، وما على المشغل إلا أن يكون أكثر سخاء ليبلغ مراده في ظرف أسبوع واحد أو أقل.
في صباح الجمعة الماضي وقفت سيارتان من الحجم الكبير في المكان المعتاد، غير أنهما لم يكونا محملتين بفتيات من تاونات، كما كان معتادا من قبل، بل بالخضر وبعض الفواكه التي عرضت على الأرض، وسبب عدم جلب الفتيات، وفق ما صرح به أحد الأشخاص، أنه في مثل هذه الفترة تقل الخادمات، إذ لا ترغب الأسر في تشغيل بناتها في شهر رمضان واقتراب حلول عيد الفطر.
السيارات الست التي أكد مصدر «المساء» أنها تنشط في النقل السري، تلعب دورا مهما بالنسبة إلى سكان مناطق تاونات، خاصة النائية منها، حيث تنقل السلع ومعها المسافرين من وإلى تاونات في ظل غياب وسائل نقل عمومية تصل إلى نقط معينة بالإقليم، حيث قال المصدر ذاته:
«هدوك الناس دايرين خير كثير في سكان تاونات»، في إشارة إلى أن جلب الخادمات ليس العمل الأساس لهذه السيارات.
«الدريسية 2» نقطة تعج بالسماسرة
نزل محمد (اسم مستعار)، من شقته بالدريسية 2 بالدار البيضاء، بعد أن استدعاه ابنه تحت طلبنا. أقبل محمد، بجسم نحيل، ولحية يغلب عليها الشيب، كان يبدو أكثر جدية وهو يحكي عن تضلعه في مهنة «الوساطة في الخادمات».
ثلاثون سنة من العمل في الوساطة مكنته من اكتساب زبناء من الطرفين، سواء تعلق الأمر بالمشغل أو بالأسر التي ترغب في تشغيل بناتها، حيث يقول إن له زبناء أوفياء من الرباط وطنجة وتطوان ونقط جغرافية أخرى بعيدة، والدليل على احترافيته أنه لم يسبق له أن واجه أي مشكل في هذا الصدد، وأن الأمر لا يتعدى استدعاءه إلى قسم الشرطة في ساعات متأخرة من الليل باعتباره طرفا في الموضوع، وغالبا ما يكون الأمر متعلقا بفرار الخادمة من منزل المشغل.
أبدينا إصرارا في رغبتنا بالحصول على خادمة لا يتجاوز سنها الثانية عشرة أو الرابعة عشرة على الأكثر، وبدونا أكثر إلحاحا وحاجة إلى ذلك، وعللنا ذلك بأن الفتيات في هذا السن لا يقمن بأي تصرفات قد تجر بنا إلى مخافر الشرطة ولا نعلم إلى أين تنتهي، غير أن محمد، ورغم التوسلات، أبدى رفضه التام، وقال إن تشغيل الخادمات القاصرات يكون محفوفا بالمخاطر، ويجر على الوسيط والمشغل معا «صداع الراس».
بمجرد ما يتلقى محمد طلبات «محترمة» من أسر ترغب في خادمة يشد الرحال إلى منطقة سوس، حيث يشرف بنفسه على جلب فتيات تميزهن الرزانة، الحيوية، والاحترام .. بالإضافة إلى «الحذاقة»، وقال في هذا الصدد إنه ينقب عنهم من »الجذر« دون حاجة إلى الاستعانة بوسيط آخر مادام هو يتحدر من المنطقة. وفور عودته لا يوجه الفتيات مباشرة إلى أماكن عملهن، بل إنه يجري لهن «امتحانا تجريبيا» بمنزله، ومن ثم يقرر تسليم الخادمة إلى مشغلها أو إعادتها إلى أسرتها إن كان بها عيب من العيوب، كأن تكون غير متمكنة بما فيه الكفاية من الأعمال المنزلية.
وقال محمد إنه يربط علاقات مع «سماسرة الأجساد الطرية» غير أنه لا يعمل وفق منطقهم، إذ إن المال لا يمكن أن يجعل منه وحشا «لا آدمية فيه» فيقطف وردة من جنان أسرتها ليرمي بها في أحضان أسر قد لا تراعي الجانب النفسي لها، ولا حتى الصحي أحيانا، وأضاف أن المشاكل التي أصبحت تعقب تشغيل مثل هؤلاء الطفلات زادت من عزمه على عدم لعب أي وساطة في تشغيل من لا يصل سنها ال 18 سنة. لكن ما نصيب محمد وغيره من «سماسرة الخادمات» في عملية السمسرة؟
رغم أن محمد أكد أن العامل المادي لا يمكن أن يفرغه من إنسانيته، ويرى في مهنته عملا إنسانيا قبل أي شيء آخر، لأنه يجر الخير إلى الجميع، غير أنه يضع لنفسه حدا أدنى من الأجر، ولا يمكن أن يستغني عن فلس منه، خاصة إذا تكبد عناء الانتقال إلى جبال الأطلس الكبير، وأن المبلغ لا يمكن أن ينزل عن 400 درهم، وقد يصل إلى 700 درهم، وتدخل فيها مصاريف التنقل، وهنا يقول محمد إن بعض الزبناء يفيضون عليه بسخائهم، ولا يدعون له مجالا للمطالبة بالمزيد لأنهم يقدمون له أكثر مما حدده كسقف.
للطبقات الغنية فقط
غير بعيد عن محمد، وفي الحي نفسه بالدريسية 2، طرقنا باب منزل رابحة، (إسم مستعار)، التي قيل إنها اعتزلت المهنة، غير أننا وقفنا على العكس. استقبلتنا بحرارة الأحباب بعد أن أكدنا لها أن أحد الأشخاص دلنا على عنوانها، حيث سبق أن تعامل معها وأبانت له عن تمرسها في وساطة الخادمات، كما أن الفتيات اللواتي تستقطبهن متميزات، ابتسمت رابحة لشهادة أثلجت صدرها ورفعت من معنوياتها، وقالت إن كل ما قيل عنها صحيح وأن السر في ذلك أن الفتيات اللواتي يجلبهن زوجها من المناطق الصحراوية «حاذقات»، وأنهن يُجدن الطبخ والتنظيف، كما أن أجورهن تكون هزيلة مقارنة مع ما يقدمنه من خدمات، إذ لا يتجاوز أجر الواحدة منهن مبلغ 1000 درهم، وغالبا ما لا يتجاوز المقابل 600 درهم، وقالت إن ما يميز الفتيات الصحراويات اللواتي يستقطبن لهذا الغرض هو رزانتهن، حيث إنهن لا يطالبن بعطلة نهاية الأسبوع، كما يمكن الاعتماد عليهن في أدق التفاصيل المنزلية، ولا يطالبن بالذهاب إلى منازلهن بين الفينة والأخرى وأن العطلة الوحيدة لهن هي تلك التي تتزامن مع عيد الأضحى لمدة عشرين يوما.
قالت رابحة إن العثور على خادمة في شهر رمضان أشبه بالمستحيل، إذ إن هناك من يرغب في دفع مبالغ مالية مهمة مقابل الحصول على خادمة تتحمل عبء الأعمال المنزلية التي تكون مرهقة في رمضان، وقالت إن زوجها يجلب الفتيات مرة في الأسبوع، وهن من قرية واحدة، والفقر عاملهم المشترك، وأن دورها هي يقتصر على البحث لهن عن عائلات ميسورة، وآخرهن أربع فتيات وزعتهن دفعة واحدة منذ ثلاثة أيام بأحياء راقية بالدار البيضاء من بينهم واحدة بعين الذئاب. ورغم تأكيدها لنا على أنها لا تتوسط في تشغيل الفتيات القاصرات إلا أنها أعطتنا وعدا بالبحث عن خادمة لا يتجاوز سنها 12 سنة أو 14 سنة على الأكثر. أسرت رابحة لنا أنها أصبحت تقرأ بحنكة خبايا أنفس الأسر المشغلة، وأن الرؤية الأولية لسيدة المنزل تفطن إلى مدى طيبتها أو قبحها، فإما أن تتراجع وتعود بالخادمة إلى منزلها، لأنها ليست حِملا للمشاكل، إلى حين أن تدبر لها منزلا آخر، أو أنها تعود بعد يومين لتأخذها بدافع أن أسرتها ترفض أن تظل لديها.
أزيد من 100 ساعة أسبوعيا
قالت المنظمة الحقوقية هيومن رايتس ووتش، في بلاغ سابق لها، أصدرته بداية غشت الماضي، إن العديد من خادمات المنازل بالمغرب هن في سن الطفولة، ويبلغن من العمر خمسة أو ستة أعوام، ويعملن بالمنازل لمدة مائة ساعة أو أكثر في الأسبوع، دون فترات راحة أو عطلة نهاية الأسبوع.
وأضاف البلاغ أنه كثيرا ما يسيء إليهن أصحاب المنازل بدنيا وشفاهيا، كما يحرمن من التعليم وأحيانا يحرمن حتى من الطعام الملائم والرعاية الصحية، كما أن بعض الفتيات يعانين من التحرشات الجنسية من أصحاب العمل أو من أفراد من أسرة صاحب العمل.
وأكدت المنظمة أنه كثيرا ما يستعين أصحاب المنازل بالتهديدات أو القيود من أجل إجبار الفتيات على الاستمرار في العمل ضد إرادتهن، كما في حالات الضرب من أجل الانصياع إلى الأوامر، أو احتجازهم داخل البيوت، أو رفض دفع الأجور للراغبات في ترك العمل، فإن الإساءات قد ترقى إلى مستوى الاتجار في البشر من أجل العمل بالسخرة.
وقالت سارة ليا ويتس، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش:« تتعرض الكثير من العاملات في الشرق الأوسط لمعاملة مخزية، والكثير من أصحاب العمل ليست لديهم أدنى فكرة عن حقوق العمل الأساسية الخاصة بعاملات المنازل». ودعت هيومن رايتس ووتش أصحاب العمل إلى احترام خمسة التزامات دنيا بشأن توظيف الخادمات.
تشغيل الأطفال مشروع إجرام
أكدت نجية أديب، رئيسة جمعية «ما تقيش ولدي« أن 90 في المائة من البيوت المغربية تشغل فتيات قاصرات، وأن الوضع ينذر بمستقبل يكتنفه الظلام، حيث إن تشغيل القاصرين بصفة عامة هو جرم في حق الطفولة المغربية، وبخاصة تشغيل القاصرات في البيوت، لأن وضعهم الطبيعي هو المدرسة واللعب والترفيه. واعتبرت أديب أن تشغيل الأطفال في سن غير قانوني هو «مشروع إجرام» ليس إلا، إذ إن هؤلاء الأطفال يكبرون وتكبر معهم مجموعة من العقد، أهمها إضمار الكره والحقد للمجتمع ككل، وقد يصل إلى كره الوالدين، تقول :«هناك نماذج عايناها من بينها شابة أبانت عن كره لوالدها، حيث ترفض اليوم مده بجزء من أجرتها، وسبب ذلك أنه دفعها إلى العمل في سن مبكرة جدا، حيث كانت تستعين بكرسي لغسل الأواني بالمطبخ».
واعتبرت أديب الفراغ القانوني جانبا يجعل السماسرة والأسر وحتى المشغلين يتمادون في «تجارة غير مشروعة»، وأن وقف هذا النزيف الإنساني يتطلب أولا وضع قوانين رادعة لتشغيل القاصرين بشكل عام، وأن ذلك لن يتأتى إلا بإقرانها بعقوبات زجرية، وأن هذه العقوبات يجب أن تنزل بكل من له يد في استغلال الأطفال بدءا بالأسر، مرورا بالسماسرة وانتهاء بالمشغل.
وفي ظل الفراغ القانوني، ورغم أن مدونة الشغل تمنع تشغيل الأطفال، يظل الطفل المغربي نقطة استغلال، ولقمة سائغة في أفواه المتاجرين، فما السبيل إلى وقف نزيف الاستغلال حتى لا نسمع حكايات زينب اشطيط، وحنان العكري وآخرين يعذبون في صمت.
الطفلة حنان.. تحت التعذيب
مازالت حنان ذات ال 13 ربيعا، والمتحدرة من أحد دواوير تاونات، تستفيق على كوابيس مخيفة، بل إنها مازالت تنتقل من مقر سكناها إلى أحد مستوصفات تاونات لتلقي العلاج من الحروق والكدمات، كانت حصيلة ستة أشهر قضتها بمنزل إحدى العائلات بالدار البيضاء.
تحدثت حنان بصوت مخنوق مرتجف عن لحظات من التعذيب وعن ليال وساعات قضتها بشرفة المنزل، وعن وجبات «ريجيمية» تخلو من الدهون ومن البهارات، بل إنها لا تتعدى كسرة خبز «حافي».
تقول إن الأم وابنتها، ذات الثانية والعشرين سنة، كانتا تتفننان في تعذيبها بسادية، إذ لا يمكن أن يفوتا على نفسيهما فرصة رسم خطوط لزفافيد اكتسبت الحمرة فوق لهيب النار، وبكيفية يوميةعلى جسدها الطري. قالت حنان إنها كانت تتوسلهما لكن رغبتهما في «تأديبها» لتطويعها وتركيعها إلى أبعد الحدود هي التي كانت ترفع معنوياتهما أكثر بمجرد ما تشرع حنان في البكاء.
وعن أسباب تعنيفها قالت الطفلة إنها لم تكن تنبني على أساس، إذ تثور ثائرتهما أحيانا هكذا ودون سابق إنذار ودون أسباب منطقية، في حين تتعرض أحيانا أخرى للضرب لأنها لا تجيد الطبخ وغسل الأواني.
ألحت صاحبة المنزل في يوم من الأيام على الزوج بأن يرسل الطفلة إلى بيتها، وفي ذلك الصباح أيقظت الأسرة حنان في ساعة مبكرة، كالمعتاد، حيث إن الزوجة أو ابنتها كانتا توقظانها في السادسة صباحا أو السابعة، تحت أي ظرف. كانت الوجهة محطة أولاد زيان إذ تم اقتناء تذكرة لها في أول حافلة صادفها الزوج. وقالت حنان إنها لم تتناول فطورها بالمنزل، وفي مقابل ذلك لم تقبض درهما واحدا من الأسرة التي تقول إنها بمجرد ما صعدت إلى الحافلة دخل الزوج والزوجة في مشادة أمام العيان لأن الزوج كان طيبا ويمنع الزوجة وابنتها من ضربي.
يقول محمد العكري، والد حنان، إن رب الأسرة الذي كانت ابنته تعمل لديه، والتي حملها بيديه إليها قبل ستة أشهر، ظنا منه أنها ستعامل بطيبة ومسؤولية، عرض عليه مقابلا ماديا مقابل طي الصفحة، غير أن الأب رفض أي مساومة في هذا الصدد وقال إن القضاء سيقول كلمته في القضية بعد أن تقدم بشكوى قضائية ضد الأسرة المشغلة.
«لا أحد يسترخص أطفاله ويقدمهم إلى أناس غرباء إلا عند الضرورة القصوى. هنا بإقليم تاونات لا وجود لفرص للعمل، لذلك كنت مضطرا إلى تشغيل ابنتي البكر «سعاد» وحنان في المنازل كخادمتين»، وأضاف محمد :«ما سبيلي إلى العيش أنا وزوجتي. لو أتيحت لي فرصة عمل كخياط تقليدي لما سمحت بتشغيل طفلتي«.
فقلة فرص الشغل، وانتشار الفقر بالمنطقة جعل تشغيل الفتيات بالمنطقة كخادمات بالمدن أمرا عاديا، بل ضروريا في أحيان كثيرة من أجل إنقاذ باقي أفراد الأسرة من الجوع، فلا يمكن أن تجد منزلا بقرى تاونات لم يسبق له أن شغل ابنته أو بناته كخادمات في البيوت مقابل مبالغ زهيدة غالبا ما لا تتجاوز ال500 درهم للشهر، وعوض أن تكون الوجهة المدرسة لتلقي أبجديات المعرفة وتحصيل العلم ورسم معالم مستقبل واضح تكون الوجهة المطابخ بمنازل غرباء قليلا ما يراعون إنسانيتهن، كما هو حال خادمات كثر، جعلتهن ظروفهن الاجتماعية يتنقلن بين المنازل في رحلة بحث عن لقمة عيش لهن ولعائلاتهن، منهن من حالفها حظها وعملت لدى أسر اعتبرتها فردا من العائلة وعاملتها بحب وحنان، وأخرى حملها سوء الحظ إلى أسر عاملتها بجفاء ونفذت على جسدها أحكام التعذيب .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.