تميز افتتاح المعرض بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود، رئيس اللجنة العليا المنظمة للمعرض، وزير التربية والتعليم السعودي منصف بلخياط، وزير الشباب والرياضة، ومعتصم بلغازي رئيس مؤسسة أونا، الجهة المنظمة للمعرض بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم، من خلال 49 لوحة فنية تشكيلية أنجزها سبعة عشرة فنانا، سعوا إلى التعبير بحرية عن مشاعرهم نحو الأماكن المقدسة الثلاث لدى المسلمين (المسجد الأقصى، المسجد النبوي والمسجد الحرام)، التي تشكل المحور الرئيسي لأعمالهم المعروضة. ويتميز المعرض بتنوع في الأساليب والمدارس الفنية وتقنيات التشكيل، إلى جانب تجسيده لأهم ملامح التنوع الثقافي ومدى تأثر الفنانين بمجتمعاتهم والبيئات التي يتحدرون منها، حيث حاولوا رصد أمكنة ذات صبغة معمارية ظاهرة لكنها تبطن قداستها وروحانيتها المستشعرة، تختلف في هذا الظاهر الذي يحمل صفة أو هيئة ما. وهكذا سيختلف أثر هذه الأماكن المقدسة في مخيلة كل فنان منهم وكذا تحولاتها البصرية في أعمالهم، فالفنانون المشاركون في هذا المعرض هم من أماكن متباعدة، من المملكة العربية السعودية وباكستان وماليزيا ومصر وتركيا وإيران ولبنان ونيجيريا والعراق والمغرب، غينيا، أزبكستان، وإندونيسيا، لكنه تباعد جغرافي يقربه المعتقد والإيمان. يتبدى التنوع والاختلاف في معرض «مساجد تشد إليها الرجال» في مقدار تشكل صورة المكان المقدس الذي يراه كل فنان من زاوية أو من جانب تمثل فيه الصورة الشبيه مع شيء من تحويرها أو الإضافة إليها أو تجريدها. فبعض الفنانين أبرزت لوحاتهم تأثرا بالانطباع الذي تشكله مشاهداتهم الضوئية من بعيد، في حين يكون التمثيل أقرب ضوئية عند البعض الآخر ممن شاهدوا وعاشوا لحظات العلاقة المباشرة بالمكان المقدس، بينما تتحول الصورة (المشهد) إلى حكاية تنصهر فيها المشاهدات والمعايشات بالخيالات ومن ثم الإضافات الفنية التي تقرب وتعمق أو تربط بين المادية والروحانية. وتشكل هذه التظاهرة بالنسبة إلى المنظمين تجربة غير مسبوقة تجمع فنانين ينتمون إلى أصول وثقافات واتجاهات فنية مختلفة لتتحد في إيمانها بالله، متعالية بذلك عن الاختلافات. ويمكن تصنيف أعمال هذا المعرض إلى اتجاهات فيها تأثير الفنون المحلية والفنون الإسلامية وكذا الفنون الغربية وهي الأكثر وضوحا، على أننا نلمس تقاربا واضحا في تناول مباشر للعنصر الأساس الذي تقوم عليه فكرة المعرض وإن أبدت أعمال محدودة تغييبا له (رانيا سراقبي) وهي أشد المشاركين انحيازا إلى حالة تعبيرية تتخذ من فلسفة الحركة والارتحال والوصول طريقا لتعبيراتها الفنية، «إن شعيرة الحج دليل على أننا مقدر لنا أن ندور في الفلك ولا يمكن أن نخرج نهائيا من نقطة التكوين الخاصة بنا». في أعمالها ذات الأداء الموحد المختلف في حركية أو تشكيل الفكرة، تهويم تمثله حالة التطواف والمرورية الأكثر وضوحا مع بساطة مقابلة في اختياراتها اللونية أو معالجتها الأكثر عفوية وتعبيرية ذاتية. اتخذ عدد من الفنانين المشاركين من المشهد منطلقا للتعبير، فمن التعبير إلى الترميز إلى التجريد والاختزال، يسعى البعض إلى التجويد والاهتمام بالتفصيل، في حين يضفي البعض لمسة سحرية خاصة، بينما نجد البعض الآخر مفكرا وساعيا إلى استخلاص الجوهر لبعث أثر المكان ورهبته. في تقييمه لهذا المعرض، يرى الناقد بنحمزة في تصريح ل«المساء:» أنه يتطرق لموضوع عادة غير متداولة تشكيليا، إلا في الحالات النادرة التي تتناوله تشخيصيا، مضيفا أن أعماله تتمركز حول الهندسة المعمارية للمساجد، وهنالك إضافات يمكن القول إنها تنتمي إلى الواقعية القصوى، الهدف منها إعطاء نوع من الإبهار أو الإشعاع للأمكنة المقدسة عند المسلمين، ومعتبرا أنها، من الناحية التشكيلية، اعتمدت اللون واستثمرت المجال والمنظور، كما أنها تميزت بتعدد الملونات، وهو ما أغنى المعرض بالتعدد والتوحد في الاحتفاء بالبعد الروحاني الذي يحيل على المقدس والمتعالي. الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود قال في كلمة بالمناسبة إن المعرض يهدف إلى بلورة المفاهيم الروحية والمعنوية من خلال رسالة ورؤية مفادها أن الإسلام هو دين العدل والسلام والأمن والأمان والتعايش بين الشعوب، مؤكدا أن المعرض سيشكل، بتزامنه مع شهر رمضان الكريم، فرصة لتسليط الضوء على الدور المتميز الذي تلعبه المساجد في الإبداع في كافة صوره وتجلياته. تجدر الإشارة إلى أن هذا المعرض الذي حضره العديد من الشخصيات، نظم بشراكة مع مؤسسة (ليان للثقافة)، التي تأسست سنة 2007 بالرياض بالمملكة العربية السعودية من قبل كوكبة من المهتمين بالشأن الثقافي جمع بينهم تقديرهم وحبهم للفنون والتراث عامة وفنون العالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص. وتهدف هذه المؤسسة إلى إبراز الحضارة العربية والإسلامية بمفهومها الشامل من خلال تبنيها للمواهب الشابة المتميزة وتشجيعها للرفع من قدرات التميز لديها في مجالات الرسم والنحت والخط والتصوير. وتهتم المؤسسة بتنظيم المعارض الفنية والتراثية داخل السعودية وخارجها، وبإصدار المطبوعات والأبحاث والنشرات التي تعكس نشاطها.