في فرنسا، ثمة تقليد راسخ في الأعراف الثقافية والسياسية للبلد وهو القاضي بتنظيم جامعات صيفية لهذا الحزب أو ذاك الفصيل السياسي، تمهيدا لما يسمى بالدخول السياسي. ويكون هذا اللقاء مناسبة لجرد حصيلة عامٍ من حياة الحزب، إخفاقاته وإنجازاته. وغالبا ما تتحول هذه اللقاءات إلى حلبة لتصفية حسابات شخصية في حالة ما إذا شابت حياة الحزب تصدعات أو انقسامات. ومن المنتظر أن تتلاحق، من نهاية غشت إلى نهاية سبتمبر، لقاءات الجامعات الصيفية لأهم التشكيلات السياسية الفرنسية. بيد أن الجامعة الصيفية التي يعقدها الحزب الاشتراكي الفرنسي ما بين 28 و30 غشت، بمدينة لاروشيل بالشمال الشرقي لفرنسا، تبقى بامتياز أهم حدث سياسي، وذلك بالنظر إلى الرهانات والآفاق التي سيطرحها هذا اللقاء على مصير الحزب الذي يعرف، منذ مؤتمر «رايمس»، تآكلا من الداخل. ولربما كانت هذه الجامعة آخر موعد للحزب مع التاريخ إن فشل في لمّ صفوفه. وقد دعي إلى حضور أشغال هذه الجامعة عدد من المسؤولين ورؤساء أحزاب قوى اليسار. غير أن البعض منهم رفض بلباقة الدعوة، كما لو كان يفضل التفرج من الخارج على تناحر الاشتراكيين في ما بينهم. كما أن بعض المسؤولين الاشتراكيين فضلوا تنظيم لقاءات صيفية مستقلة عن الجامعة الصيفية، مثل فانسان بايون الذي أقام، بشراكة مع تنظيم «الأمل إلى اليسار» والذي سبق أن ساند سيغولين رويال لما كانت مرشحة للرئاسة، محترفات في مارسيليا يومي 21 و22 غشت. والهدف من هذا اللقاء هو لمّ شمل شخصيات وافدة من كل أحزاب اليسار ومن الوسط. في 23 غشت، نظم آرنو مونبورغ «عيد الوردة». ويشهد شهر سبتمبر سلسلة لقاءات مثل الذي ينظمه بيرتران دولانوييه، عمدة باريس، في ال26 من سبتمبر. فرانسوا هولاند، السكرتير الأول السابق للحزب، قرر بدوره تنظيم مناظرة عمل. أما سيغولين روايال فتنظم، في بداية أكتوبر، «محترفات إسهامية». لن تساعد هذه المبادرات على درء التصدع الذي أصاب الحزب الاشتراكي منذ مؤتمر «رايمس» الذي أعطى الإشارة الأولى إلى التشرذم، مرورا بالهزيمة المشينة للحزب في الانتخابات الأوربية. وقد ارتفعت على إثر هذا التدني أصوات من الداخل ومن الخارج والمقربة من الاشتراكيين للمطالبة بحل الحزب نهائيا، وعدم القيام بمحاولات لإنعاش جثته الشبيهة بجثة الحزب الشيوعي الفرنسي. من داخل الحزب، دعا مانويل فالس إلى تغيير اسم الحزب الذي أصبح لا يتماشى والعصر. وكان رد مارتين أوبريه على هذا المقترح أن بعثت برسالة تهديد لمانويل فالس تطالبه فيها إما بالبقاء على الخط وإما بالانسحاب من الحزب. وقد أثارت هذه الرسائل، طبعا، زوبعة في وسط الحزب وكان جوليان دراي، نائب منطقة ليسون، من بين المتصدين للسكرتيرة الأولى التي نعتها بكونها «فاشلة وهاوية». «إن المحصلات والآفاق كالحة»، يشير جوليان دراي في رده على مارتين أوبريه.. هل سيقدر الحزب على تسطير مشروع سياسي لمجتمع الغد، مشروع بديل للساركوزية في أفق الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في سنة 2012؟ هل باستطاعته خلخلة الموروث السياسي لميتران، الذي تنتمي إليه مارتين أوبريه، وذلك لإسناد المفاتيح إلى الجيل الجديد، في أفق تمكين الحزب من لعب دور ريادي في الحياة السياسية؟ في الثامن والعشرين من غشت، ستفتح مارتين أوبريه، وإلى جانبها سيغولين رويال، الجامعة الصيفية للحزب. ستتعاقب الشخصيات على المنصة لإلقاء خطب توافقية أو انتقادية، مع الوقوف عند رغبة التغيير من الداخل للحزب ولآلياته أو فسخه نهائيا بغية بنائه من جديد. إنها المهمة المستحيلة التي على مارتين أوبريه، السياسية المحنكة وابنة جاك دولور، القيام بها اليوم، لأن هذه الجامعة، التي تنعقد لآخر مرة في مدينة لاروشيل قبل أن تستضيفها مدينة أخرى، هي مختبر لاستحقاقات ورهانات مستقبلية.