"دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد المرواني: المغرب بحاجة إلى حلول سياسية وليس إلى تصريفات أمنية
نشر في هسبريس يوم 28 - 05 - 2009

اعتقالنا تصفية حساب سياسي بئيس مع حزب رفض الدخول إلى بيت الطاعة السياسية. ""
أنهت ملحقة محكمة الاستئناف بسلا قبل أيام الاستماع إلى مجموع المتهمين ال 35 المعتقلين في خلية بليرج، بمن فيهم المعتقلين السياسيين الستة. محمد المرواني، أمين عام حزب الأمة، يعود في هذا الحوار بالتفصيل إلى بعض الجوانب التي وردت في كلمته أمام المحكمة. حوار "الجريدة الأولى" مع المرواني من داخل سجن سلا، يسلط الضوء على السياق التاريخي لمسار الاختيار الإسلامي الذي يوجد عدد من قياداته على ذمة الاعتقال في هذه القضية، إضافة إلى قراءته لخلفيات الزج بهم في السجن، ونظرته إلى المخارج الممكنة لهذه القضية وقضايا أخرى.
هل لكم أن تقدموا بطاقة تعريفية إجمالية حول مساركم السياسي والتنظيمي من الاختيار الإسلامي إلى تأسيس حزب الأمة؟
الاختيار الإسلامي عنوان لمرحلة في مسيرتنا السياسية والتنظيمية. كان مبتدئه في سنة 1978-1979 حالة نقدية لمشروع الشبيبة الإسلامية على المستويات المنهجية والسياسية والاستراتيجية والتنظيمية، وتبلور كعنوان في أكتوبر 1981. وقد ارتبطت هذه الحالة النقدية بثلاثة أبعاد. أولها ضرورة الارتباط بالواقع المغربي في خصوصياته وتفاعلاته دون انغلاق. البعد الثاني تمثل في التمسك بالشورى والديمقراطية الداخلية بما هي نبذ لمنطق الاستفراد بالقرار وبما هي ترسيخ لعمل المؤسسات بالنتيجة. وأما البعد الثالث فقد تعلق بنهج الانفتاح على الآخر المخالف وتوسل الحوار ونبذ العنف في تدبير الاختلاف الفكري والسياسي والاجتماعي. أما بنية الاختيار الإسلامي فقد كانت بنية طلابية وتلاميذية بامتياز في مبتدئها، وستعرف تطورا فيما بعد بانفتاحها على فئات سوسيو مهنية واجتماعية متنوعة مع مرور الزمن.
فيما يتعلق بمشروع الاختيار الإسلامي فقد كان ذا بعدين. فباعتبار بعده الدعوي فقد كان مشروعا تربويا وتعليميا وإرشاديا. وباعتبار بعده السياسي فقد كان مشروعا سياسيا وطنيا ديمقراطيا سلميا مدنيا، ولم يكن سوى مرحلة تاريخية انتقالية على طريق التبلور العلني (الجمعوي أو الحزبي) شأنه في ذلك شأن كل التجارب التي ابتدأت فكرة ثم تجسدت في إطار قانوني، وقد كان الطريق إلى ذلك التبلور العلني أحد سبيلين. الأول عبر مبادرة وحدوية وهو ما كان موضوع حوار جدي بين مكونات ما كنا نتواضع على تسميته في تلك المرحلة (أي بين 1990-1992) بالخط الثالث في مقارنة بالخط الأول وهو حاتم (حركة التوحيد والإصلاح) والخط الثاني وتمثله جماعة العدل والإحسان. إلا أن هذا الطموح الوحدوي لم يتحقق. السبيل الثاني كان هو المبادرة الذاتية وهو ما انتهينا إليه.
وبالفعل أطلقنا مبادرة إعلامية تحت إسم النبأ في سنة 1997 ثم أسسنا جمعية وسيطة في أكتوبر 1998 أطلقنا عليها إسم الحركة من أجل الأمة، وسنؤسس حزب الأمة فيما بعد أي في نونبر 2006 لكن السلطات ستتلكأ في تسليمنا الوصل (إشعار المطابقة). وإن في تأسيس حزب بمواصفات لم ترق لجهة بوزارة الداخلية ما يفسر حقيقة هذه النازلة للأسف الشديد. أولا، قوة الحجة لا حجة القوة أي بناء المشروع السياسي كله على القناعة التي تتأسس على الحوار لا على الإكراه في كافة أشكاله. والقاعدة الثانية هي الإيجابية ورفعنا شعارا معبرا بهذا الاتجاه هو "أن نشعل شمعة خير من أن نستمر في لعن الظلام". وبمقتضى ذلك رفضنا خطاب التيئيس لأنه خطاب يصب الماء في طاحونة مهندسي إعاقة الديمقراطية، فقد اعتبرنا أن من وظيفتنا زرع الأمل في الإصلاح الديمقراطي وفي التنمية والنهضة.
بما تدعمون الرأي القائل بأن اعتقالكم كان اعتقالا سياسيا؟
السياق جزء من الحقيقة. ولذلك كان السياق في كثير من الأحيان كاشفا للحقيقة. فما هو سياق اعتقالي؟ في نونبر 2006، قمنا بإيداع تصريح بتأسيس حزب سياسي لدى الدوائر المختصة بوزارة الداخلية كما هو مقرر في قانون الأحزاب السياسية. وبعد مرور الآجال القانونية دون أن نتوصل بالوصل (أو إشعار المطابقة كما هو وارد في قانون الأحزاب السياسية) أصدرنا بيانا نعلن من خلاله عن تأسيس حزب سياسي اخترنا له إسم "حزب الأمة"، ثم شرعنا في الترتيب لعقد المؤتمر التأسيسي. وبموازاة مع ذلك تحركنا باتجاهين. أولهما، باتجاه التحسيس الإعلامي للتعربف بقضيتنا، وثانيهما باتجاه القوى الوطنية الديمقراطية باختلاف مرجعياتها الفكرية والسياسية. على المستوى الأول حققنا اختراقا إعلاميا مهما جعل قنوات دولية (الجزيرة، العربية، المنار، العالم...) ووكالات أنباء عالمية (رويترز وغيرها) تقبل علينا وتهتم بأنشطتنا وتقوم بتغطيتها. وعلى المستوى الثاني، تشكلت لجنة وطنية للتضامن مع حزب الأمة، وقد شملت مختلف مكونات الطيف السياسي والحزبي ببلادنا وهذه الأمور لم تعجب الدوائر المختصة في وزارة الداخلية، فواصلت تلكؤها في تسليمنا إشعار المطابقة. وحين حاولنا عقد مؤتمرنا بإحدى القاعات، مارسوا ضغطا على أصحاب تلك القاعات، فتوجهنا إلى القوى الوطنية والديمقراطية الصديقة. تلقينا عرضا من غالبية مكونات لجنة التضامن مع حزب الأمة، واستقر الاختيار على مقر الحزب الاشتراكي الموحد باعتباره المقر القادر على استيعاب عدد المؤتمرين الذين بلغ عددهم حوالي 700 مؤتمرة ومؤتمر. ومع عقد المؤتمر في 3 يونيو 2007، وبالتغطية الإعلامية التي صاحبته، انزعج مهندسو بيت الطاعة السياسية في وزارة الداخلية فدشنوا مخططهم في مواجهتنا.
كانت البداية هي إحالة ملف الحزب على القضاء الإداري بهدف إبطاله، وهي سابقة أولى من نوعها وذلك من جهتين. أولا، أن وزارة الداخلية تدخل في دعوى مع مواطنين أرادوا أن يعملوا في إطار القانون. وثانيا، أنهم بذلك أرادوا منعنا من المشاركة في الانتخابات التشريعية والحال أنهم كانوا يملئون الدنيا ضجيجا بدعوة المواطنين للمشاركة في العملية الانتخابية، بل لقد صرفت أموال وتأسست جمعيات لهذا الغرض، في حين كنا نحن جاهزين للمشاركة ولم نكن بحاجة إلى من يقنعنا بذلك. أليست هذه إحدى مفارقات الزمن السياسي المغربي الراهن؟ كان هذا هو الترتيب الأول، ولكن كان ترتيبا بئيسا، كانت ضربة في الماء. واصلوا ترتيبهم إلى أن تم تدبير هذه القضية، فكانت هذه النازلة.
هذا هو السياق. وهو يكشف لعورات هذه النازلة. إنها نازلة تحكي قصة رحلة تحول تأسيس حزب سياسي إلى قصة إرهاب! ولهذا قلت وأؤكد اليوم أن هذه النازلة ما هي إلا صناعة أمنية سياسية لتصفية حساب سياسي. لقد رفضنا الدخول إلى بيت الطاعة السياسية وأردنا أن نكون حزبا صادقا في تعاطيه مع الشأن العام. وها نحن اليوم نؤدي ثمن هذا الرفض وتكلفة تلك الإرادة، والحمد لله على كل حال. ولهذا أقول لهؤلاء ولغيرهم: إن المغرب بحاجة إلى حلول سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لا إلى تصريفات وترتيبات أمنية. البطولة الحقيقية أن نبني الأوطان على قاعدتي الأمن الشامل والعيش الآدمي الكريم، أن نحترم الحقوق والحريات، أن نحل المشاكل لا أن نصفي الحسابات. إن دولة الحق والقانون ليست مجرد شعارات، بل هي التزامات ملموسة. ولهذه الاعتبارات، فإن المغرب بحاجة إلى أحزاب حقيقية وجادة ومسؤولة لا إلى أحزاب لا تجيد إلا فن التصفيق والموافقة لأن هذا الفن يخدع لكنه مكلف سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لاجتماعنا السياسي وغير مفيد له.
بماذا تفسر ما حدث سياسيا؟
ما حدث له ثلاث دلالات سياسية. الأولى، تصفية حساب سياسي بئيس مع حزب أراد أن يمثل قيمة مضافة لمشهدنا السياسي المغربي ورفض الدخول إلى بيت الطاعة السياسية، وأراد استخراج شهادة ميلاد حزب سياسي مستقل عن السلطة ومتعاقد مع المجتمع ليضطلع بدوره السياسي على الوجه الصحيح خدمة لشعبنا وبلادنا. الثانية، رسالة موجهة إلى كل القوى السياسية التي ترفض أن تكون جزءا في المقاربة السياسية الانقسامية لمهندسي إعاقة الديمقراطية بهذا البلد. فأن يحتضن المقر المركزي للحزب الاشتراكي الموحد مؤتمرا تأسيسا لحزب الأمة فهذه في نظر مهندسي إعاقة الديمقراطية كارثة سياسية يلزم منعها. هم يراهنون على الانقسام وعلى التنازع والاحتراب ليس إلا. الثالثة، هي جزء من ترتيب سياسي عام للمشهد السياسي المغربي ومؤداه ملء الفراغ السياسي الحاد بعد 7 شتنبر 2007 وفرملة التطلعات السياسية العادلة لشعبنا وقواه في انبثاق اجتماع سياسي عقلاني وراشد يفتح آفاقا واعدة على الصعيدين الديمقراطي والتنموي ويؤهل بلادنا لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية المتنامية والمتعاظمة.
ما حقيقة اجتماع طنجة 1992؟
لقد بني على هذا اللقاء العارض وهم كبير إسمه "قضية بليرج". وللأسف، لقد ساهم وزير الداخلية في ندوته الصحفية بتاريخ 20 فبراير 2008 عقب اعتقالنا بيوم وليلة في إعطاء أبعاد لهذا اللقاء العارض العابر، بحيث قدم خلال ندوته تلك معطيات غير صحيحة لم تسئ فقط إلى مبدأ قرينة البراءة ولا إلى سرية التحقيق، بل كانت بمثابة توجيه سياسي صريح لضباط الشرطة القضائية وفيما بعد لقاضي التحقيق. وهذه طامة كبرى. إنه انتهاك جسيم لفضاء السلطة القضائية. إنه خرق للقانون، فماذا يقول القضاء بخصوص هذا الانتهاك الجسيم وخاصة أن هناك اليوم إرادة سياسية لإصلاح القضاء؟ إن هذا الانتهاك الجسيم لإرادة القضاء كاف لوحده لإبطال متابعتنا ووقف هذه المحاكمة السياسية.
الآن بالعودة إلى سؤالكم أقول أنه في بداية التسعينات أي ما بين 1990 و1994، بدأنا سلسلة من الحوارات باتجاهين: باتجاه بعض مكونات الساحة الإسلامية بهدف تشكيل جبهة عريضة، وباتجاه التعريف بمشروعنا السياسي والفكري وهذا اللقاء العرضي جاء بشكل عفوي ضمن سلسلة اللقاءات التعريفية، حتى أني لا أتذكر تفاصيله، كان مجرد لقاء تعريفي تعارفي ولم يدم وقتا طويلا فيما أتذكر، وانتهت قصته. هذا اللقاء جمعنا مع السيد بليرج وكان اللقاء الأول والأخير. جانب ثان، هل يعقل ويستساغ في أول لقاء أن نشرع في الحديث عن تأسيس جناح مسلح؟ هذا مناقض لمنطق الأشياء ومناقض لما ادعاه وزير الداخلية في ندوته ولقائه مع البرلمانيين. ثم من حيث السياق الذاتي، نحن في تلك المرحلة بالذات أقدمنا على ثلاث خطوات. في يوليوز 1992، قمنا بإيداع تصريح لتأسيس حزب "الوحدة والتنمية" لكن السلطة مانعت في الترخيص له. وفي دجنبر 1992، أصدرنا العدد الأول من جريدة الجسر. وفي 10 دجنبر 1992، أطلقنا مبادرة في الجامعة تحت عنوان "الميثاق" والهدف هو وضع آليات لتدبير سلمي للاختلاف ومنع الاحتراب داخل الجامعة. أما السياق الموضوعي، فقد كان يتميز بدينامية اجتماعية وسياسية ولا يمكن إلا أن ترجح الخيار السياسي السلمي المدني، وبالتالي، وحيث إن هذه الواقعة تفتقر لعناصر الواقعة القانونية، وحيث إنها مناقضة لمنطق الأشياء ومناقضة للسياق بشقيه الذاتي والموضوعي، وحيث إنها تتناقض كليا مع هويتنا الفكرية والسياسية، فقد برهنت أثناء مثولي أمام هيئة الحكم على امتناع واستحالة أن يكون هذا اللقاء قد ناقش فكرة تأسيس جناح مسلح. إنه الاختلاق ليس إلا.
ما هي دفوعاتكم التي اعتمدتم لتفنيد الرواية الأمنية الرسمية؟
في أية نازلة تعرض أمام القضاء المستقل والنزيه، يكون الهدف هو البحث عن الحقيقة والكشف عنها. من هنا انطلقت في التأسيس لدفوعاتي على معنى الحقيقة ومقتضياتها. فالحقيقة هي العلم القاطع الجازم بأن ما وقع قد وقع فعلا (من جهة الفعل وفاعله أو فاعليه) وأنه تم التوصل إلى ما وقع فعلا ضمن إطار احترام مقتضيات القانون، وألا يشوب الكشف عن الحقيقة شائبة أو شبهة من جهة السياق لأن الحدود تدرأ بالشبهات. وعليه، لا تتكون القناعة بالحقيقة إلا عبر استجماع أو انعقاد ثلاثة عناصر. الأول، هو طريقة التوصل إليها ومعناه في هذه النازلة هل تم احترام مقتضيات قانون المسطرة الجنائية أم لا؟ الثاني، استيعاب سياق النازلة أو ما يصطلح على تسميته بأسباب النزول والورود لتسليط الضوء على جوهر الحقيقة.أما العنصر الثالث فهو مناقشة الأدلة وتمحيص الوقائع ومسائلتها في ركنيها المادي والمعنوي حتى يتسنى إما ترجيحها أو استبعادها أثناء اختلاء هيئة الحكم إلى المداولة.
على المستوى الأول، عشنا لحظات مضيئة في تاريخ الدفاع والمحاماة بحيث أبلت هيئة الدفاع، ويتقدمها السادة الأساتذة والنقباء، البلاء الحسن وكشفوا عن الإجراءات المعيبة كما بينوا تناقضات هذه المتابعة. وإجمالا يمكن الإشارة إلى ثلاث ملاحظات أساسية خلال دفوعاتهم. الأولى، أنه حصل انتهاك جسيم لإرادة القضاء من قبل السلطة التنفيذية في شخص وزير الداخلية، مما أبلغ الضرر بمسطرة التحقيق والمتابعة وبالتالي وجب ترتيب الآثار القانونية على ذلك وهي بطلان المتابعة. أما الثانية، فهي أن النازلة بنيت في منطلقها على الاختطاف والتعذيب، والاختطاف والتعذيب باطل ولا متابعة تتأسس على باطل. أما الملاحظة الثالثة، فتمثلت في إبراز الخروقات الشكلية والمسطرية الكثيرة التي شابت إعداد المحاضر وإجراءات التفتيش والحجز. وهذه الملاحظات الثلاث غيض من فيض.
أما على المستوى الثالث، أي على مستوى مناقشة الأدلة وتمحيص الوقائع ومسائلتها، فبداية، بينت ثلاثة أمور. الأول، أن المناقشة تتم بلا عرض المحجوز وبلا شهود. الثاني، طعنت بالزور في المحضر ومعناه أنها مناقشة (بل ومتابعة) بدون وثيقة مرجعية. الثالث، طالبت إزاء ما سبق بتقديم الأدلة. وهنا أسجل أن المحكمة عجزت عن تقديم الأدلة.
لجنة الدفاع عن المعتقلين السياسيين الستة تتحدث عن ضرورة إيجاد حل سياسي لقضيتكم، ما هي مداخل هذا الحل في نظركم؟
أعتقد أننا نعيش مرحلة سياسية دقيقة جدا منذ 7 شتنبر 2007 التي أشرت للحظة سياسية فارقة في تاريخ المغرب السياسي، لحظة تؤشر لانسداد الأفق السياسي مع المقاطعة الانتخابية الواسعة التي سجلتها الانتخابات التشريعية حينها.
وعليه، وفي سياق انسداد الأفق السياسي هذا جاءت النازلة، ومدبروها بدون أفق سياسي وهو ليس رهانهم على كل حال. اليوم، حينما تدعو القوى والفعاليات المنضوية تحت لجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين ومع كل المظلومين إلى حل سياسي، لأننا ببساطة لسنا أمام قضية قضائية وقانونية بل أمام إنتاج (منتوج) سياسي، أريد له أن يغطي مرحلة سياسية موسومة بالفراغ السياسي، والطبع والطبيعة يكرهان الفراغ. لكن رداءة الإخراج لم تسعف. لهذا، كما وجهت في الماضي نداء إلى عقلاء المغرب وحكمائه قائلا لهم "لتنتصر الحكمة والعقل" أجدد النداء اليوم داعيا إياهم إلى المبادرة السياسية، لا أقول فقط لحل هذه النازلة وإنصاف كل المظلومين، ولكن أيضا بتدشين جملة من الإجراءات والتدابير السياسية الكفيلة بإعادة الدفء إلى النقاش السياسي الراقي على طريق الإصلاح الديمقراطي.
إن الوقت وقت التعبئة والتأهب. التعبئة السياسية والاجتماعية والتأهب الفكري والثقافي حتى نكون قادرين على الصمود أمام رياح العولمة العاتية واشتراطات والتزامات المغرب التجارية والمالية والجمركية والاقتصادية الدولية. أما من يحب المغرب حقيقة فيعطي بلا تردد وبلا شكوى. وأول العطاء ألا نضيع وقت المغرب فيما لا يفيد، وفيما يضر ولا ينفع. ومن أجل هذا العطاء وحوله وفيه فليتنافس المتنافسون، من أجل مغرب قوي أمين قادر على استعادة مركزه الحضاري التاريخي بين الأمم والشعوب. وما ذلك على الله بعزيز أو بعيد.
*نُشر بيومية "الجريدة الأولى" - 23 ماي 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.