ابتدع المغاربة مصلحة مهمتها «مكافحة الغش»، وهي مصلحة يجهل المواطنون موقعها وعناوينها وأرقامها الهاتفية والقوانين المؤطرة لها والدور الموكول إليها. ولعل موظفي «مكافحة الغش» أشباح يقضون يومهم في فك ألغاز الكلمات المسهمة والمتقاطعة في الصحف الوطنية، إذ لم نجد لهم أثرا على أرض الواقع المغشوش. هذه المصلحة موروثة عن عهد الاستعمار ولها مكاتب في بعض الحواضر والمدن الكبرى، لكنها مصلحة «معطلة» وبدون جدوى ما دام الغش أصبح ثقافة وطنية يتعاطاها التجار في حوانيتهم (الله يجيب الغفلة بين البايع والشاري) ويمارسها بعض أباطرة الرياضة، إذ في آخر مواسم الكرة غالبا ما تتردد أنباء عن البيع والشراء في الماتشات المتبقية.. الحاسمة. وبطبيعة الحال، لم يسلم المشهد السياسي من الغش بعد أن اختار المقررون الحلول السهلة بالتصويت في الانتخابات بالنيابة عن الشعب الناخب، وتعددت أساليبهم في تزوير الإرادة الشعبية إلى درجة تزويرها بطرق حداثية (برَّق ما تَقْشَع) تقنع الجميع بشفافية الاستحقاقات ونزاهتها رغم كون الغش المنهجي ينخرها حتى النخاع. الغشاشون أنواع وأصناف وحِيلهُمْ أكثر من أن تُحصى، بل إنها بلغت شأوا عظيما في العصرنة والاستنجاد بأحدث التقنيات، كما سادت كل مجالات الحياة العامة بدءا من التلاعب بأسعار المواد الأساسية عبر المضاربين والسماسرة وانتهاء بالإعلام التلفزي الذي يزور البرامج والأخبار ويتغاضى عن الأهم من أجل تسويق التوافه والسخافات. وقد يقول المتشائمون إنه أصبح من الصعوبة بمكان أن نتجرد من ثقافة الغش والتزوير بالرغم من أن الذي «يتغطّى برداء الغش عَريان» حتى ولو ارتدى أَبْهَى الحلل الحداثية وأجملها.. «آل المزوق من بَرَّا...».