تقدير موقف: انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي وفكرة طرد البوليساريو "مسارات جيوسياسية وتعقيدات قانونية"    الجمعية العامة للأمم المتحدة ال 79.. إجماع دولي على مخطط الحكم الذاتي بإعتباره المقترح الأكثر مصداقية والأوسع قبولا    المجلس الوطني لحزب الاستقلال سيكون مغلقا في وجه الصحافة وإجراءات صارمة للدخول لقاعة المجلس    عزيز غالي.. "بَلَحَة" المشهد الإعلامي المغربي    آسفي.. حرق أزيد من 8 أطنان من الشيرا ومواد مخدرة أخرى    الجيش الإسرائيلي ينذر سكان بلدات في جنوب لبنان بالإخلاء فورا ويقطع الطريق الدولية نحو سوريا    وزير خارجية إيران يصل إلى مطار بيروت    توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة    العدل الأوروبية تلغي اتفاقيات مع المغرب    معرض الفرس بالجديدة يواصل جذب الزوار.. و"التبوريدة" تلقى متابعة واسعة    جمارك عبدة تحرق أطنانا من المخدرات    بايتاس يُشيد بالتحكم في المديونية    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    هل تغيّر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية من معادلة الصراع في الشرق الأوسط؟    مشفى القرب بدمنات يواجه أزمة حادة    طرائف وحوادث الإحصاء    "النملة الانتحارية".. آلية الدفاع الكيميائية في مواجهة خطر الأعداء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    بذل عمل جديدة لعناصر الجمارك "توضح تراتبية القيادة" شبه العسكرية    فاتح شهر ربيع الآخر 1446 ه يوم السبت 5 أكتوبر 2024    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت وتقارير إعلامية تتحدث عن استهداف هاشم صفي الدين    المياه المعدنية "عين أطلس" لا تحترم معايير الجودة المعمول بها    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    الحسيمة.. عائلة من افراد الجالية تتعرض لحادثة سير خطيرة على طريق شقران    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية        بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب        أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    أخبار الساحة    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة        مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



للأمكنة والبلدان ألوان كما الأيام
نشر في المساء يوم 18 - 08 - 2009

كندا بعيدة جدّا وخضراء. هكذا كنت رسمتها في رأسي. منذ كنت صغيرا وأنا أمنح للمدن وللبلدان ألوانا. تماما كما أفعل مع أيام الأسبوع: فرنسا زرقاء. أمريكا بيضاء. الصين برتقالية. مصر سوداء فاتحة اللون. اليمن أبيض. السويد حمراء. أستراليا رمادية. الهند سماوية اللون. المكسيك أصفر. ألمانيا بيضاء. جنوب إفريقيا لونها أخضر، لكنه أبهت من لون كندا... وحده المغرب ظل في خيالي بلا لون وبلا طعم وبلا رائحة.
تشتتنا كتلاميذ على طاولات متفرقة ونشرنا الفوضى في ردهات المقهى. قيس التونسي يشرب بيرّة تلو أخرى ولا يكف عن الكلام والضحكات. ناطاليا، القادمة من سان بيطرسبورغ، تجلس على ركبتيه كطفلة مدللة وأمامها حقائب وأغراض مبعثرة. فيم أناّ، بنت بودابيست، تدخن سيجارة وتبتسم كما لو كانت تريد أخذ صورة. فرانك، الكاميروني، يبدو متوترا. ينظر إلى أزرا البوسنية بعيون جائعة ثم يدير وجهه وهو يدندن أغنية ليانيك نوا. أنا كنت أحتسي قهوة بالقشدة وأدخن سيكارا غليظا، كعادتي في مثل هذه المناسبات. صحيح أنني لا أملك ثروة موزّعة على مصارف العالم ولا أسهما ضخمة في شركات متعددة الجنسية وصحيح أنني لست ثوريا خطيرا مثل غيفارا أو كاسترو، لكنني أعشق الاثنين: المال والثورة. وأعتبر ذلك سببا كافيا لكي أدخن أصبع سيكار محترم كلما أردت أن أعبر عن سعادتي. واليوم أنا سعيد حقا. لأن طائرة ضخمة ستحملنا بعد هنيهات في اتجاه القارة الأمريكية. بعد بضع ساعات نصل مطار ضورفال في مونريال لكي نقضي أسبوعين في كندا... لا أصدق!
كندا بعيدة جدّا وخضراء. هكذا كنت رسمتها في رأسي. منذ كنت صغيرا وأنا أمنح للمدن وللبلدان ألوانا. تماما كما أفعل مع أيام الأسبوع: فرنسا زرقاء. أمريكا بيضاء. الصين برتقالية. مصر سوداء فاتحة اللون. اليمن أبيض. السويد حمراء. أستراليا رمادية. الهند سماوية اللون. المكسيك أصفر. ألمانيا بيضاء. جنوب إفريقيا لونها أخضر، لكنه أبهت من لون كندا... وحده المغرب ظل في خيالي بلا لون وبلا طعم وبلا رائحة. وماذا أيضا؟ الأربعاء أخضر. الخميس أسود -ليس أبدا بسبب وولستريت-. الجمعة أحمر. السبت أصفر... ولا تسألوني لماذا. في زمن الجاهلية الأولى، عندما كان حلمي هو أن أصبح شاعرا محترما، قرأت «المركب السكران» وسائر أشعار رامبو وأطلقت لحية خفيفة كي أبدو على قدر لا يستهان به من الشاعرية. قرأت أيضا رسائله وما كتب عن حياته. ولم أفهم لماذا ظل الدارسون والنقّاد يتعجبون من ربط الحروف بالألوان في قصيدة «الصوامت». استغربت لأن رامبو كان مجرد طفل يلعب وقالها صراحة «لسنا جادين عندما يكون عمرنا سبعة عشر عاما». لكنهم لم يريدوا أن يفهموا وشرعوا يفتشون عن تفسيرات سخيفة لما كتب ويسمّون أنفسهم نقادا. إنهم أغبياء على نحو لا يصدق. يسقطون دائما أوهامهم وعقدهم على ما يكتبه الآخرون. رامبو كان يلهو بالألوان وبالكلمات وبالحروف، تماما كما كان يلهو بحياته. وهمْ أصرّوا على استخراج الفولاذ والنفط والمنغنيز والفحم الحجري من قصائده: سوريالي ودادائي وحداثيّ ومستقبلي وطلائعي ومسيحي ومسلم وصوفيّ... لا أحد أراد أن ينتبه للمراهق الذي يصرخ محتجا: لست جادا. لست جادا... أحمد الله أنني نسيت كلّ ذلك الهراء، لو استمررت معهم لأصبت بفقر الدم أو داء السكّري... مضحك أمر هؤلاء النّاس. من هو رامبو في نهاية المطاف؟ مجرّد غلام بمؤخرة طريّة كتب بعض الأشعار!
الألوان تظل في رأسي حتى بعد أن أكتشف الأمكنة وأزورها. قد تختفي أماكن وذكريات كثيرة، لكنّ الألوان تبقى. ألوان بعيدة، صافية وناصعة.
بدأ قيس يتحدث عن السيارات، عن حبه لسباقات الفورميلا وان، وعن «كهربته» الفورد التي ترك في تونس. سوزانا، الكرواتية الشقراء، قالت إن أمّها في زغرب تمنعها من قيادة السيارة رغم أنها أحرزت، منذ سنوات، رخصة السياقة. قالتها وضحكت بتلك الطريقة الغريبة التي تجعلني دائما أفكر أن أقفز نحوها وأقبّلها في فمها. أزرا أخرجت بالادور وشرعت تنصت للموسيقى وتحرك رأسها، فيما فرانك يحرك قدمه وجسده بكسل ويواصل نظراته الثاقبة صوبها. مسكين فرانك. واضح أنه يحب أزرا لكنها لا تعيره الاهتمام اللائق. تتعمد تجاهله كأي فتاة لعوب وغير متفتحة بما يكفي. هي بوسنية شقراء وجميلة وفرانك كاميروني أسود، أنيق مع كثير من الاعتداد بالنفس. تربطهما علاقة غرامية غامضة منذ مدة. لكن يظهر واضحا أن أزرا لا تقبل أن يراها الآخرون مع زنجي. وتحرص أن تبقي علاقتهما سرية بعيدا عن فضول وشماتة الآخرين. ذلك ما يزعج صديقنا فرانك، الذي لا يفهم إصرارها على تعقيد الأمور، ولم لا تتركه يمسك بيدها ويقبّلها أمام الملأ كما يفعل كلّ العشاق هنا؟ هذا الغموض هو ما يجعل عينيه الآن تقدحان تلك النظرات الغاضبة كما بركان بفوهتين غادرتين. فيما أزرا تضحك وتتسلى وتتجاهله لأنها واثقة من نفسها ومن حبّه: النساء هم النساء يا عزيزي فرانك أينما ذهبت !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.