بالأمس صرح السعوديون بأنهم لا يوافقون على فتح أجوائهم أمام رحلات الطيران الإسرائيلية نحو الهند. غدا، إن لم يطرأ تشويش في اللحظة الأخيرة سيصدر مؤتمر فتح بيانه بأنه غير مستعد بأي شكل من الأشكال لأن يعترف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي. بهذه الطريقة يثيب العرب قائد معسكر اليمين الذي وضع روحه السياسية على كفه وحقق «إجماعا وطنيا واسعا حول الدولة الفلسطينية». صحيح إن هذه الدولة منزوعة الجيش ومن دون القدس الكبرى ومن دون تواصل إقليمي ولكن بالرغم من ذلك كله – متى كان في إسرائيل تأييد من الجدار إلى الجدار لحل الدولتين لشعبين؟ هم مرة أخرى لا يضيعون فرصة لتضييع الفرص – هذه عبارة قلناها من زمان. فهل قام نتنياهو حقا بحشد «إجماع وطني» للانسحاب من مناطق واسعة في «يهودا والسامرة»؟ حتى في مجلسه الوزاري لا يوجد إجماع على الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهل قام مثلا بإقناع مساعده موشيه يعلون أو اللاعب الثاني الذي اقتناه بني بيغن بأن الفلسطينيين هم شريك للسلام؟ هل يعقل أن يبقى الأشخاص مستقيمين مثل هؤلاء ساعة واحدة إلى جانب رئيس الوزراء الملتزم حقا بالسياسة التي تتناقض بصورة صارخة مع عقيدتهم الأساسية التي رسخت في برنامج الليكود؟ وجود الاثنين وكذلك مسؤولين كبار آخرين في الليكود – ناهيك عن وزراء «إسرائيل بيتنا» و»البيت اليهودي» – وراء طاولة المفاوضات يمكنه أن يدلل على أن تصريحات نتنياهو لا تقض مضجعهم. في الفصل السياسي من برنامج الليكود الصادر عام 2008 (صفحة 7 بعد الاقتصاد والتعليم والإصلاح في الأراضي ومكافحة الجريمة) جاء: «مباحثات السلام في أنابوليس التي تتمحور حول تحقيق اتفاقات نهائية ومتسرعة تضيع هدفها». كما جاء «إننا لا نعتقد بأن الفلسطينيين جاهزون للتسوية التاريخية التي تنهي الصراع... هم رفضوا تنازلات عميقة قمنا نحن الإسرائيليين (العمل وليس الليكود) باقتراحها عليهم قبل ثمان سنوات وموقفهم لم يتغير أو لم يصبح أكثر اعتدالا اليوم أيضا». متى ينوي رئيس الليكود عقد اجتماع لمؤسسات الحزب لتحقيق موافقته على تعديل هذه البنود الهامة من البرنامج؟ الفرار من المواجهة حول الموقف الجديد (أو القديم وفقا لما يدعي نتنياهو) بصدد حل الصراع يثير الشكوك في كون رئيس الوزراء يراهن على رفض العرب دفع ثمن بطاقة الدخول إلى ساحة المفاوضات. بدلا من دفع الثمن السياسي المترتب على التغير في مواقف الحكومة، هو يحول واجب البرهنة إلى الجانب العربي ويطالبه بتغيير موقفه. عندما ينخفض مستوى الإرهاب نقوم برفع مستوى الدولة اليهودية. وعندما يطالب الأمريكيون اليهود بإيقاف المستوطنات، يطالب نتنياهو العرب بالبدء في التطبيع. نتنياهو أيضا يتهرب بصورة منهجية من ذكر عبارة «خريطة الطريق». هو يعرف بالتأكيد أن قرار مجلس الأمن 1515 الصادر في يناير2003 الذي تبنى خارطة الطريق بالإجماع لا يذكر بالمرة الأربعة عشر تحفظا التي قدمتها حكومة شارون. في المرحلة الأولى من الخريطة كان من المفترض أن يبدأ الفلسطينيون بتفكيك البنى التحتية للإرهاب بينما أمرت إسرائيل بتفكيك البؤر الاستيطانية وتجميد البناء في المستوطنات كليا. رجال الأمن الأمريكيون وحتى ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي والشاباك يثنون على نشاط حكومة سلام فياض ضد المخربين. لا يمكن لأحد أن يقول ذلك حول نشاطات حكومة نتنياهو في مواجهة المستوطنين. وسواء قصد الافتراق عن المناطق وخطط لإغراق العملية السياسية في الفورمالين – أريئيل شارون سلف نتنياهو في قيادة الليكود صرح بالتزامه بحل الدولتين كما تنص خريطة الطريق. شارون سواء سلبا أو إيجابا حشد إجماعا وطنيا واسعا حول الانسحاب أحادي الجانب من غزة ودفع ثمن ذلك من خلال انشقاق الليكود. موافقة حقيقية على حل الدولتين – على أساس حقوق يونيو 67 وتقسيم القدس – تسود اليوم في أوساط المعسكر الذي اعتاد نتنياهو تسميته «النخبة» واتهامه ب «التفكير أحادي البعد».