سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
شلومو ساند: للمساء «الشعب اليهودي» مفهوم ميثولوجي اختلقه الصهاينة المؤرخ الإسرائيلي قال: إن المؤرخين اليهود الألمان هم الذين بدؤوا اختلاق «الشعب اليهودي» في النصف الثاني من القرن 19
أصدر المؤرخ شلومو ساند، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، في السنة الماضية، كتابا بعنوان «كيف اختُلق الشعب اليهودي». ومنذ صدوره، أثار الكتاب، الذي صدر بالعبرية، الكثير من ردود الفعل في إسرائيل وفي أوربا وخارجهما. وينتظر المؤلف أن يثير صدى أكبر عندما يصدر في أكتوبر القادم باللغة الإنجليزية في أمريكا. في انتظار ذلك، وقع المؤلف على عقود ترجمة كتابه إلى اليابانية والروسية والإيطالية والبرتغالية والأندونيسية والتركية. وفي إطار التعريف بكتابه، حضر المؤلف، خلال الأسبوع الجاري، إلى المغرب بدعوة من جمعية التضامن المغربي الفلسطيني والشبكة الأورومتوسطية للجامعات والجمعية المغربية للبحث التاريخي. في الحوار التالي، يعرض الكاتب مضمون مؤلفه ومواقفه الجريئة من قضايا حساسة ترتبط، أساسا، بقيام دولة إسرائيل وأسطورة «الدولة اليهودية». - كان لكتابك صدى واسع في العالم لحساسيته الكبيرة ولأنه يتناول صلب قضية خلافية عمرت طويلا. هل لك أن تعرض مضمونه بتركيز؟ < حاولت أن أعود إلى التواريخ والفترات التي اختُلق فيها الشعب اليهودي. وأعتقد أن الشعوب كلها، تقريبا، مختلقة. وعملية اختلاق الشعوب هاته تدخل في إطار التحضير لصياغة مفهوم الأمة. فاختلاق الأمة يستدعي العودة إلى الوراء وخلق تاريخ طويل لمجموعات بشرية تسمى «شعوبا». اليوم، مثلا، يعرف الفرنسيون إلى حد ما أنهم لا ينحدرون من الغوليين القدامى؛ والإيطاليون يعلمون، اليوم، أنهم ليسوا حفدة القيصر، كذلك الشأن بالنسبة للألمان... إلا أن لا أحد كانت له الجرأة للاقتراب من البحث في قضية اليهود، لأنها قضية معقدة، بينما الجميع يستعمل عبارة «الشعب اليهودي». وكمؤرخ بدأت التفكير في العبارة، إلا أنني أردت أن أبين، كذلك، أنني لم آت بأشياء جديدة، بل إن ما قمت به هو أنني أعدت تنظيم المعرفة التاريخية. - كيف تعاملت، إذن، مع ما يعتبرها اليهود «ثوابت» تاريخية حول مفهوم «الشعب اليهودي»؟ < عادة، نطلق كلمة «شعب» على مجموعة بشرية تشترك في اقتسام وممارسة مجموعة من الأمور الثقافية من قبيل اللغة، الموسيقى، عادات الأكل... اليوم نقول «الشعب الفرنسي» لأن الناس الذين يتكلمون اللغة الفرنسية ينتمون إلى الشعب الفرنسي، ليسوا جميعا، لكن أغلبهم. كذلك الشأن بالنسبة للإيطاليين والألمان... بالنسبة لليهود عدت إلى 500 سنة مضت لأطرح السؤال: ما هي الأشياء التي كانت مشتركة بين اليهود في مراكش واليهود في كييف واليهود في لندن؟ هل كانت لهم ممارسات ثقافية لائكية مشتركة مثلا؟ هل كانوا يتكلمون نفس اللغة؟ هل كانت لهم نفس العادات الغذائية؟ هل كانوا يغنون نفس الأغاني؟ طبعا، لا. وانتهيت، بسرعة، إلى خلاصة أن الشيء الوحيد الذي كان مشتركا بين اليهود خلال الفترات التاريخية القديمة هو الدين، علما بأن الدين ليس بالتفصيل البسيط، بل هو أمر مهم. لكن هل يمكن أن نقول «الشعب اليهودي» لأنهم كانوا يشتركون في نفس الدين؟ أذكر هنا بأن عبارة الشعب المسيحي، مثلا، كانت سائدة في العصر الوسيط. إلا أنها اختفت لحساب عبارة «الشعب الفرنسي»، مثلا، والألماني... قلت، إذن، ليس هنالك شعب يهودي بالمعنى العادي المعروف للعبارة... اليهود كانوا يعرفون أنهم يهود لأنهم يمارسون نفس الدين. الشيء نفسه ينسحب على مفهوم «الأمة» حتى في الإسلام... - لكن لابد من دلائل علمية قوية لإثبات ما تقول... < نعم، وهنا أضيف أن المعيار الآخر الذي يُعتمد عليه عادة للقول بمفهوم «الشعب» هو الانحدار من أصل واحد. وعليه، فاليهود يعتقدون بأنهم ينحدرون من أصل واحد. اشتغلت، إذن، على التوراة وعلى نصوص «العهد القديم»، اللذين يعتقد بأنهما كتابان تاريخيان، بينما أنا لا أعتقد ذلك. أعتقد أن التوراة كتاب ثيولوجي توحيدي...اعتمدت في أبحاثي كذلك على نتائج أبحاث الأركيولوجيين الإسرائيليين. من جهة أخرى، الشائع هو أن الإمبراطور الروماني تيتوس الشرير شرد ونفى اليهود خارج فلسطين سنة 67 م. لكنني بينت عدم صحة حكاية النفي هاته. والدليل على ذلك عدم وجود أي كتاب أو أي أثر يؤرخ لهذا الحدث. لا أحد كتب عن نفي اليهود من فلسطين... ما هو صحيح، وأتبناه، هو النفي الأول المذكور في كتاب «التوراة»، الذي يتعلق بأول نفي إلى بابل؛ إلا أنه لم يتم نفي الشعب اليهودي، بل النخبة الفكرية في فلسطين هي التي نفيت إلى بابل في القرن السادس قبل الميلاد. وكانت عملية نفي بسيطة تدخل في إطار سياسة البابليين آنذاك. لكن الرومان لم ينفوا شعبا. وعليه، فليس هنالك شتات يهودي عبر العالم. كل ما هنالك أنه حدث نوع من انتشار الدين اليهودي عبر بلدان البحر الأبيض المتوسط. إذ أن اليهودية كانت هي أول أكبر ديانة تبشيرية، والحال أنه يعتقد اليوم أنها لم تكن كذلك. فخلال 400 عام (200 عام قبل الميلاد و200 أخرى بعد الميلاد)، ظلت اليهودية هي أكبر ديانة تبشيرية، وهو ما جعل الكثير من الأفراد يعتنقونها حول البحر الأبيض المتوسط وفي بابل... اليهود، إذن، لم يجتثوا من أرضهم، بل هم ينحدرون من موجات اعتناق اليهودية الكثيفة إلى غاية القرن الرابع بعد الميلاد عندما بدأ التبشير المسيحي يهيمن على الساحة الدينية؛ حينها انكمشت اليهودية على ذاتها. وهذا شيء مهم تجب الإشارة إليه، فقد أصبح اليهود، في هذه الفترة، مهددين بالموت إذا هم مارسوا التبشير. الشيء نفسه حدث بعد مجيء الإسلام. فقد احترم الإسلام اليهود بشرط أن لا يمارسوا التبشير لديانتهم. - بقاء اليهودية كان مرهونا، إذن، بالانكماش والكف عن التبشير أمام قوة المسيحية ثم الإسلام... < نعم، فلضمان بقائها كان عليها أن تنكمش على ذاتها. قبل ذلك، كانت اليهودية هي أول ديانة تؤسس للتوحيد كما هو معروف... في اليمن مثلا كانت مملكة يهودية صغيرة اعتنقت اليهودية، كما أن اليهود الأشخينازيين في أوربا الشرقية ينحدرون من لاجئي مملكة خازر التي اعتنقت اليهودية في القرن الثامن، وفي المغرب العربي كذلك كان هنالك نوع من التعتيم على موجات التبشير واعتناق اليهودية في المنطقة بين الفنيقيين، أولا، ثم بين الأمازيغ. هنالك الكثير من المراجع العربية التي تتحدث عن تهويد القبائل الأمازيغية قبل مجيء الإسلام... لكن اليهود يرفضون هذه الأشياء... - معنى هذا أن هنالك باعثا على هذا الرفض... قد يكون سياسيا بالدرجة الأولى... < فعلا، لكن قبل ذلك وفي إطار متابعتي لأبحاثي تساءلت: إذا كان اليهود تعرضوا للنفي من فلسطين، ماذا كان مصير الذين لم ينفوا، أي سكان فلسطين؟ اكتشفت فيما بعد أن أول الشخصيات الصهيونية مثل دافيد بن غوريون وإسحاق بنزفي، ثاني رؤساء إسرائيل، وغيرهما كانوا يعتقدون قبل سنة 1928 بأن سكان فلسطين حفدة أصليون لليهود القدماء، وهو ما يعني أن اليهود القدماء هم فلسطين اليوم. لكنني لا أعتقد بهذا القول، لأنني أؤمن بأن كل محتل يترك سلالته بالمنطقة التي احتلها. لكن من المستبعد أن يكون هناك فلسطيني في منطقة حيفرون حفيدا مباشرا لليهود القدامى! لست أنا من قال هذا، بل بن غوريون هو الذي قاله قبل الانتفاضة العربية. ثم إن الصهاينة كانوا يعتقدون في البداية بإمكانية ضم الفلاحين المحليين إلى دولتهم قبل أن يتخلوا عن الفكرة ويسطروا حدود دولتهم بشكل مختلف... - بالنسبة لك، أين تموضع النشأة التاريخية لمفهوم «الشعب اليهودي»؟ < ظهر المفهوم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عند المؤرخين اليهود الألمان، خاصة مع المؤرخ آينريتش غرايتز، بل إنه حتى النصف الأول من هذا القرن، كان المؤرخون يعتبرون اليهودية مجرد دين كبقية الديانات والجماعة اليهودية جماعة ضمن الجماعات الأخرى بدون أي استثناء أو تميز. لكن، مع موجة خلق الأمم الوطنية التي ظهرت بعد ذلك في أوربا، تم خلق وفبركة التاريخ الخطي للشعب اليهودي. وجاء بعد ذلك المؤرخون الصهاينة ليكملوا عملية الاختلاق على امتداد القرن العشرين، ويفبركوا حكاية تقول إن اليهود كانوا قد غادروا فلسطين وراحوا يتجولون عبر العالم قبل أن يصلوا إلى موسكو، ثم مراكش ويعودوا ثانية إلى فلسطين. أنا أعتبر هذه الحكاية من وحي الميثولوجيا، وأنها عارية من الصحة. إلا أنها استغلت لخدمة الفكرة الصهيونية والاستعمار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. لأنه كان من الصعب استعمار فلسطين من دون الاستناد إلى هذه الحكاية التي أسميها ميثوتاريخية، والتي استفادت من موجة معاداة السامية التي سادت روسيا مع نهاية القرن التاسع عشر والمشاكل التي ظهرت في ألمانيا فيما بعد. فلولا هذه الأحداث لما كانت هجرة اليهود إلى فلسطين أصلا؛ علما بأن الأغلبية الساحقة من اليهود الروس وغيرهم كانت تفضل الهجرة إلى الولاياتالمتحدة، لا إلى فلسطين. - وبمَ تفسر الإقبال الكبير على الأماكن الدينية في فلسطين من قبل اليهود؟ < أولا، يجب أن نعرف أن فلسطين لم تكن أبدا أرضا أصلية لليهود، بينما مدينة القدس كانت لها دائما قيمة دينية وروحانية، وكانت مركزا دينيا لليهود وللمسلمين، كذلك، كما هي روما بالنسبة للمسيحيين... إلا أنها لم تكن أرضا لهجرة اليهود في يوم من الأيام. - لكن، ألم تتعرض لأي نقد أو تحرش أو اتهام بمعاداة السامية داخل إسرائيل؟ < لم اُتهم بمعاداة السامية في إسرائيل، بل في باريس حيث صُدم اليهود الفرنسيون بأطروحاتي، واتهموني بأنني مؤرخ رديء. يجب أن تعلم أن الكتاب ظل على رأس المبيعات في إسرائيل لمدة 19 أسبوعا، كما أن جميع المواقع الإلكترونية في إسرائيل تحدثت عنه. في باريس اتهمت، إذن، بالعدمي وبالمعادي للسامية. في إسرائيل، يتدخل الأحبار في الكثير من الجوانب الحياتية، منها أنه يمنع على يهودي الزواج من غير يهودية لعدم وجود زواج مدني... أنا أعارض مثل هذه الأشياء. إلا أنني حرصت في الكتاب على أن لا أنتقد الديانة اليهودية لأن الدين اليهودي القديم ليس هو الدين المعتمد حاليا في إسرائيل، ولأن الدين لا يدخل في اهتماماتي الشخصية وقناعاتي. هل تعرف أن تهمة معاداة السامية كانت توجه لكل من قال في أوربا إن اليهود ينتمون إلى جنس أجنبي. كيف لهم أن ينعتوني بنفس التهمة في الوقت الذي أبين فيه أن اليهود شعوب أصلية في الأمكنة التي وجدوا فيها في الأصل؟ هل أنا معاد للسامية عندما أقول باحترام الأجداد اليهود في مناطق مختلفة من العالم، سواء في المغرب العربي أو في أوربا؟ قليلا من الاحترام، إذن، للأجداد اليهود. فاليهود كانوا هنا وهناك قبل مجيء ديانات أخرى. يمكنهم أن يتهمونني دائما بما شاؤوا طالما لا أنضم إلى فكرة الصهيونية والأمة اليهودية والشعب اليهودي... أنا لا أتهم الصهيونية بالعنصرية، فالصهيونية لم تكن عنصرية في البداية... - هل تعتقد بأن كتابك سيسهم في الحد من تهمة معاداة السامية التي تفرقها إسرائيل واللوبي الإسرائيلي يمينا وشمالا في كل مكان من دون سند؟ < يجب أن يسهم كتابي، ولو مساهمة جزئية، في الحد من التشبث بفكرة معاداة السامية، وأسطورة اليهود الغرباء. الكثير من اليهود الصهاينة يرفضون هذا الأمر، لكن هنالك عددا كبيرا منهم يوافقونني الفكرة. فقد توصلت برسائل من بعض اليهود الذين قدموا لي شكرهم لأنني أسهمت في رفع القدسية عن الوجود اليهودي في العالم. - وعلى المستوى السياسي ومسلسل السلام، هل تعتقد بأن كتابك سيغير شيئا في الشروط الإسرائيلية التي تطالب بالاعتراف بدولة يهودية؟ < أولا، أنا أعارض فكرة تعريف إسرائيل على أنها دولة يهودية. وأنا مع ضرورة انسحاب إسرائيل من كل الأراضي المحتلة كشرط أولي للسلام، كما أنني أؤمن بأنه من واجب إسرائيل أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية أمام النكبة الفلسطينية، وأن تعمل على حل مشكل اللاجئين الفلسطينيين. أنا لا أؤمن بعبارة «حق العودة»، هذه عبارة مجازية، هذا مفهوم أسطوري ليس إلا. أنا مع عودة حقيقية للفلسطينيين إلى دولة إسرائيل. أنا ضد دولة يهودية، بل أعتقد أن الدولة يجب أن تكون جمهورية، (أو ملكية دستورية، لا يهم) لمواطنيها... لا يمكن لإسرائيل أن تستمر في الوجود إذا اعتبرت نفسها دولة ليهود العالم. - ما رأيك في عبارة «الإسلام ضد الغرب»؟ أليست مواجهة مفاهيمية خاطئة قبل كل شيء؟ < صحيح. بالنسبة لي لم تكن صحوة الإسلام خلال الثلاثين سنة الأخيرة صحوة دينية محضة، بقدر ما كانت صحوة سياسية. خذ مثلا إيران. إيران لم تنجح في أسلمة الشرق الأوسط، لكنها نجحت في صبغ صفة المواطنة على مواطنيها. أي أنهم أصبحوا أمة إيرانية قوية. حماس، أيضا، هدفها وطني بالدرجة الأولى. ثم إن الغرب هو الذي يغذي الإسلام الأرثوذكسي في العربية السعودية مثلا. الغرب يساند الأنظمة الإسلاموية. شخصيا أجدني أغضب من هذه المجازات الخادعة من قبيل التهديد الإسلامي الإيراني... فالتعدد السياسي الموجود، مثلا، في إيران لا يوجد في العربية السعودية ولا حتى في مصر، ولا في الأردن، التي لها علاقة طيبة مع إسرائيل. أنا لست من المعجبين بملالي إيران، لكنني إنسان واقعي، كما أنني لا أعتبر إيران هي النموذج الديمقراطي الأمثل، إلا أنني أريد أن أوضح أن الغرب هو الذي يحافظ على الأنظمة الأكثر محافظة والأقل ليبرالية. الغرب لم يشجع الديمقراطية في البلدان العربية الإسلامية. ولست أنسى أن السي آي إيه الأمريكية هي التي ساعدت على إسقاط محمد مصدق في إيران سنة 1953 الذي كان، ربما، سيقود بلاده إلى مستقبل أفضل. وقد وضعوا مكانه ملكا قتل الكثير من الإيرانيين وطرد الكثير من المعارضين بمساعدة من الموساد. هذه الأمور لا ينتبه إليها ساركوزي ولا كوشنر اليوم... كيف ينسوا هذه الأمور؟ أنا ضد الحرب الباردة التي تشن على الإسلام. - وكيف تقبلت خطاب أوباما الأخير في القاهرة؟ < خطاب أوباما، بالنسبة لي، كان إيجابيا لأنه يريد أن ينزع فتيل الحرب بين الديانات، لاسيما أنه أعطى الانطباع بإمكانية تحقيق المساواة خلافا لنتنياهو، الذي لم يرق خطابه حتى إلى رسم خدعة المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. - في السياق ذاته، كيف تتوقع فترة حكم أوباما على مستوى مسلسل السلام في الشرق الأوسط؟ < لا أحد يمكنه التنبؤ بهذا الأمر. أوباما نفسه لا أظنه يعرف مآل الأمور في ظل حكمه. صحيح أن رؤيته إيجابية إلى حد ما، لكن يجب أن نعرف أن السلطة السياسية هي دائما تعبير عن نوع من علاقة القوة، ليس على المستوى العالمي، فقط، بل على المستوى الداخلي كذلك. أوباما سيتصرف على ضوء ميزان القوة الداخلي وطبيعة التدخلات الجانبية للوبيات العسكرية واللوبي الإسرائيلي... أتمنى أن يسير أوباما على منوال جيمي كارتر وليس على منوال بيل كلينتون. لأن كارتر هو الذي حقق السلم بين الإسرائيليين والمصريين. - هل تُرجم الكتاب إلى اللغة العربية؟ < أولا، كتبت الكتاب باللغة العبرية لأنني كنت أريد أن يكون يهود وعرب إسرائيل هم أول من يطلعون على مضمونه. أنا إسرائيلي، أعيش في تل أبيب وأدرس التاريخ في جامعتها. وقبل أن تزحف علي سنون العمر، أعتقد بأنه من واجبي، كمؤرخ ومواطن إسرائيلي، أن أؤلف هذا الكتاب. لقد ترجم إلى العربية إلا أن الترجمة لم تكن جيدة. فقد منحت حقوق الترجمة لدار نشر صغيرة في فلسطين كان يديرها محمود درويش قبل وفاته. لكن للأسف عُهد بترجمة الكتاب إلى سجين سابق تعلم العبرية في السجن؛ هم الآن منكبون على مراجعة الترجمة وتصحيحها في انتظار الصيغة النهائية نهاية شهر غشت القادم، وإذا لم ترقني الترجمة، سأعمل على ترجمته لدى جهة أخرى... لكن يجب القول إن الكتاب ليس بالسهل، بل يتضمن الكثير من الإحالات التاريخية التي تتطلب مجهودا كبيرا في البحث والتدقيق العلمي. وقد تعمدت ذلك لأستطيع الدفاع عن أطروحاتي أمام المنتقدين... أشعر بنوع من خيبة الأمل لتأخر الطبعة العربية لأنني كنت أحبذ أن تصدر قبل صدور الترجمة الإنجليزية، لاسيما أن محمود درويش هو الذي كان بادر إلى القيام بهذا العمل... - كانت لك علاقة صداقة، إذن، مع هذا الشاعر العربي الكبير... < نعم، فقد كنا صديقين في شبابنا، كما أنني من أكبر المعجبين بشعره؛ بل إنه كتب قصيدة شعرية عني، وهي قصيدة «جندي يحب الزنابق البيضاء» ! لا ينبغي القبول بإسرائيل كدولة لليهود.. والصهيونية كانت استعمارا عنصريا - هل تعتبر نفسك صهيونيا؟ < لا أعتبر نفسي صهيونيا، بل مابعد- صهيوني، لأنني أعتبر الصهيونية استعمارا. أي أنه مفهوم حقق نفسه على حساب السكان العرب الفلسطينيين. يجب إصلاح الكثير من الأشياء التي ارتكبتها الصهيونية. يجب، في مرحلة أولى، تأسيس دولة فلسطينية موازاة مع الدولة الإسرائيلية على أمل أن يتم تأسيس فيدرالية بين البلدين، لأنه لا يمكن العيش بدون العرب في الشرق الأوسط. أنا أقول لمن لا يريدون العيش مع العرب أن عليهم أن ينصرفوا... ليذهبوا إلى باريس، وهناك سيجدون عربا آخرين (يضحك)... قلت هذا أمام طلبتي. لكنني، في الوقت نفسه، أدعو العالم العربي إلى قبول الأمر الواقع الآن، وقبول حقيقة إسرائيل حتى لو كانت هذه الأخيرة بنيت على حساب الفلسطينيين. سبق أن شبهت قيام إسرائيل بالمنطقة بفعل اغتصاب، وقلت إنه على الطفل المولود بعد عملية اغتصاب أن يتقبل حقيقته كما هي، ويتقبل حياته... يجب القبول بإسرائيل حتى لو بنيت على الجرائم والشر... لكن لا ينبغي قبول إسرائيل كدولة لليهود لأن هذا يعني القبول بإسرائيل كدولة عنصرية للمواطنين والرمي بالعرب الإسرائيليين إلى الجحيم، إلى الانتفاض، إلى الأمل المفقود... - وماذا عن اللوبي الإسرائيلي في أمريكا؟ كيف تتوقع تعامله مع كتابك عند صدوره بالإنجليزية في أمريكا؟ < أولا، أنا أؤمن بأن الكتب لا تغير العالم، لكن حينما يبدأ العالم في التغير، لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية وذهنية...، فإنه هو الذي يسعى نحو الكتب. كتابي سيصدر باللغة الإنجليزية يوم فاتح أكتوبر في أمريكا، وهناك ستبدأ المعركة الحقيقية؛ لأن المعركة الحقيقية لا توجد في باريس أو في القدس، بل في واشنطن. لذلك آمل أن يسهم كتابي في إيجاد صيغة تفاهم تاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين على قاعدة الاعتراف والاحترام المتبادل. وأكرر أنه بدون عودة إلى النكبة، لا يمكن تحقيق السلام. والتراجيديا الفلسطينية كانت هي الأسوأ في القرن العشرين، لأن اللاجئين الفلسطينيين لم يجدوا أرضا تحتضنهم.