في البداية، كانت النساء الجميلات هن من يرشدن الزبائن أثناء البحث عن مقعد داخل قاعات السينما ويحضرن لهم المرطبات في المدخل، الآن تغيرت الأمور، إذ يستقبلك رجل ضخم الجثة أمام الباب ويتأكد أنك لم تحضر معك كاميرا لتصوير الأفلام أثناء عرضها. كانت هذه شهادة أحد عشاق السينما الذي يتحسر على «الأيام السعيدة» للسينما. أنيس الظلام عندما يتذكر أجواء عروض الأفلام، لا يفوته الحديث عن شخصية «مولات لبيل» التي تعد مفتاح القاعات المظلمة. إنها حلقة التواصل المركزية في السينما، فهي التي تتأكد من التذاكر وتختار مقاعد الجلوس للزبائن، وهي للبعض منهم الأنيس الذي يشكون إليه همومهم. يتوقف الأمر على تعامل مرتادي السينما معها و«البقشيش» الذي يمنحونه لها، ولا يخفي أحد هؤلاء أن «مولات لبيل» تختلف من شخصية إلى أخرى: «تجدها في بعض الأحيان مهذبة ورائعة ومؤدبة معك، وفي مناسبات أخرى قد تلتقي بها وهي لا تطيق النطق ببنت شفة». سلوك يدخل حسب هذه العاملة ضمن سلوك اعتيادي تقتضيه ظروف عملها: «يدخل هذا الأمر ضمن نطاق عملي، لا يمكنني أن أكون مرحة مع الجميع، لأن بعض الزبناء يستحقون الصرامة في التعامل معهم عندما يقلون احترامهم أمام الموظفين أو الزبناء»، تؤكد مليكة إحدى العاملات بسينما بالدارالبيضاء. ورثت هذه الشابة العمل في السينما عن والدتها التي عملت في أقدم دور للسينما في العاصمة الاقتصادية، وتوقفت عن العمل بعد أن أغلق صاحب السينما التي كانت تشتغل فيها آخر مرة. بعد جلوسها عاطلة عن العمل، كثفت الأم مساعيها لدى ابن صاحب السينما الذي أعاد فتحها من أجل تشغيل ابنته بدلا عنها ووافق على طلبها. أجور هزيلة منذ ذلك الوقت، تعيل مليكة أسرتها كل صباح وتتكلف بحاجياتهم اليومية، إذ يبدأ عملها على الساعة الثانية زوالا وينتهي في منتصف الليل. تتقاضى مليكة أجرة متواضعة ورمزية: «يبلغ راتبي 800 درهم شهريا، ولا أتوفر على ورقة الأداء والضمان الاجتماعي والتأمين في حالة وقوع حريق أو اعتداء جسدي، خصوصا وأن السينما يرتادها أحيانا أشخاص عدوانيون ولصوص ويتناولون المخدرات». تحلم مليكة بالعمل في كبريات دور السينما في الدارالبيضاء، لكنها لا تتقن اللغة الفرنسية، «إضافة إلى أنني أصبحت كبيرة في السن قليلا وغير جذابة كما في الماضي، وهنا الفتيات أصبحن مثيرات في لباسهن» تردد مليكة بحسرة. بينها وبين باقي الشابات العاملات في السينما فروق كبيرة حسب ما يفسره أحد المداومين على مشاهدة الأفلام السينمائية قائلا: «يوظف أرباب السينما الآن شابات يتحدثن لغات أجنبية ويجتزن امتحانات صعبة، وغالبيتهن يتوفرن على مستوى جامعي». مليكة لا تتمتع بأية امتيازات اجتماعية كما كانت تحلم، وقد تنتظر تبني المركز السينمائي المغربي لرؤية جديدة تدمج زملاءها المهمشين في السينما، كما أن راتبها الشهري إذا ما قورن بزميلاتها الجامعيات يبرز حجم الفوارق الصارخة لأنها لا تحصل سوى على ربع ما تتلقاه «مولات لبيل المصنفة». لا تجد مليكة سوى الاعتماد على كرم الزبناء للحصول على مورد رزق يعيل أسرتها. «يختلف سعر البقشيش من زبون إلى آخر، هناك من يعاملنا بشهامة فيما يفضل البعض شتمنا والاعتداء علينا» تردد مليكة بحسرة وهي تغالب دموعها. ما زالت تتذكر زبونا متقدما في السن، طلب منها الصمت مقابل القيام بأشياء مخلة ودفع لها ورقة نقدية من فئة 200 درهم. «يدفع آخرون مبالغ 50 و100 درهم ليتمتعوا بحرية أكبر داخل السينما، إنه أمر مهين للكرامة فعلا»، تتوقف للحظات ثم تضيف: «معظم الزبناء الذين يرتادون السينما في المدة الأخيرة يبحثون عن قضاء لحظات حميمة مع صديقاتهم، بل منهم من يرافق العاهرات الواقفات أمام مدخل السينما ويدعونهن للدخول». إنه سلوك تغض الطرف عنه العاملات بالسينما، وتجني من ورائه «مولات لبيل» فوائد لا تتخيلها: «كنت صارمة في البداية مع هؤلاء الزبناء القذرين، لكنني بعد أن تعرضت لاعتداء جسدي دخلت أيضا في هذه اللعبة المدرة ماديا لي وللسينما». تحرشات مدفوعة الأجر يأمر أرباب السينما صاحبات لبيل بعدم الرد على التحرشات التي يقوم بها الزبناء ويطلبون منهن أن يمنحن الزبون حرية أكبر داخل السينما، وهي منهجية غريبة لخلق روح الانتماء لديهن. عندما يأتي أحد الزبناء متأبطا ذراع صديقته، تطلب منه بقشيشا «مرضيا»، وترى مليكة أنه «يجب أن يدفع على الأقل 20 درهما، وإذا رفض أضايقه طيلة العرض ولا أمنحه الحرية التي يتمتع بها الزبناء الآخرون، بل قد أقوده إلى مقاعد أقل راحة وقريبة من الباب، وهو ما يرفضه زبناء يفضلون دفع ثمن تذكرة مرتفعة الثمن داخل سينما راقية عوض التعرض لابتزاز «مولات لبيل». لا تخفي مليكة أنها تتصرف بشكل لطيف مع زبناء آخرين: «إذا أعجبني وكان لبقا ومهذبا، لا أرفض منحه خدمات أخرى» تعترف مولات لبيل وتكتفي بابتسامة واسعة رافضة الكشف عن طبيعة تلك «الخدمات». ابتسامة ذات دلالات توضح وجها آخر من عمل هؤلاء السيدات. ولم تتردد زميلتها في التصريح قائلة: «يكون صاحب السينما سعيدا عندما لا نرفض ما يطلبه بعض الزبناء الذين يبقون أوفياء لزيارة السينما طالما عاملناهم بذلك الشكل، ولا يبدي رب العمل أي ملاحظات بخصوص طبيعة عملنا».