.باتت العديد من القاعات السينمائية على مستوى العاصمة الاقتصادية تعيش على إيقاع الماضي الدفين بحلوه ومره، بعدما أُغلق البعض منها في حين يظل مصير البعض الآخر مجهولا، لتظل أبواب العديد من القاعات السينمائية مغلقة في انتظار التفاتة جدية من الجهات المعنية حتى تخرجها من هذا «الموت السريري»!! كانت عبارة عن فضاءات تستقبل مئات البيضاويين في أوقات كانوا يستجيبوا حينها لشعور داخلي اسمه «عشق السينماء»، التي عرفت آنذاك أبهى وأزهى فتراتها، إذ جسدت «مدرسة» قائمة الذات في تلقين «المعارف» والإطلاع حضارات الغير، تقاسم حينها البيضاويون بساطة الفضاء ورحابة المكان... إلا أن الامر بات ذكرى من الماضي بعدما أُقبرت مجموعة من القاعات السينمائية وتحول العديد منها الى ممارسة بعض الانشطة الاخرى (قاعات الافراح ...) فوسط المدينة «الغول» تستوقفك أطلال سينما أوبرا التي ظلت شاهدة على العلاقة الوطيدة التي ربطت جمهور البيضاء بها، وسينما «المغرب» التي جرى هدمها مؤخرا ليتم بناء فضاء آخر بدلها... نفس المصير لاقته سينما «مدينا» بتاريخها العريق ، والتي يحكي أحد ابناء المدينة القديمة عن ذكرياتها قائلا: كنت أذهب رفقة والدي لسينما «مدينا» وكأني أحقق حلما جميلا في حياتي...» . هكذا كان تلعق الجمهور البيضاوي بمجمل فضاءات الفن السابع. وغير بعيد عن ذلك يحكي شاب آخر من ابناء المدينة القديمة، عن ذكريات سينما «امبريال» التي ودعت المدينة الى غير رجعة لتظل فقط تساؤلات المواطنين تنتظر جوابا شافيا لها. فعندما تغلق أبواب قاعات سينمائية كان فضاؤها يتسع لجمهور بيضاوي بالمئات يصطف أمامها في انتظار حصوله على تذكرة لمتابعة أفلامه المفضلة، فعلى من نطرح السؤال؟ تقف سينما أنفا بالحي الحسني شاهدة على تعلق جمهور المنطقة بفضائها الذي كان المتنفس الوحيد لعشاق السينما التي تحدثت بعض المصادر عن التفكير حاليا في تحويلها الى نشاط آخر. نفس المصير آلت إلىه قاعات أخرى بكل من المعاريف ( فاميليا ، مونتي كارلو ...)، وبوركون (الفنون ، فيكتوريا .. ) فأغلب الاحياء الشعبية بالعاصمة الاقتصادية اضحت اليوم بلا قاعات تسمح لابنائها بمتابعة آخر الافلام لوطنية والعالمية في وقت تعرف فيه بعض المركبات السينمائية على صعيد الدارالبيضاء ارتفاعا في ثمن التذكرة لتصبح بالتالي قاعات السينما بالاحياء الشعبية خاصة مجرد أطلال لا غير!! بلغة الحسرة يتحدث حارس للسيارات قائلا «شكون اللي ما تيعرفش سينما الكواكب، التي احتضنت بداية انطلاق السينما الوطنية، في هذا المكان كان يحاول الراحل والأب الروحي للسينما المغربية محمد عصفور أن يقدم للمغاربة شيئا اسمه السينما وبمواصفات مغربية قحة..» سينما الكواكب بعدما أغلقت أبوابها يظل الساهرون عليها متشبثين ببقائها ولو للذكرى، من خلال فتح ابوابها لصيانتها وتنظيفها حتى تبقى شاهدة على تاريخ السينما المغربية وعطاءات نجومها وأسمائها البارزة... ينضاف الى ذلك الارتباط الذي جمعها بأبناء الاحياء الشعبية (بوشنتوف، درب الفقراء، درب الكبير، درب ميلا، حي الأمل...) الذين لايزالون يتوقون لتلك الايام الجميلة . يقول بوجمعة المكلف بصيانة وتنظيف سينما الكواكب:« مازال الكثير من عشاق السينما ، من مختلف الأجيال، يأتون لزيارة هذا الفضاء التاريخي للسؤال عن مصير هذه القاعة التي أتاحت لهم يوما ما فرصة مشاهدة إنتاجات سينمائية متميزة عالمية ووطنية. نفس التساؤل يتقاسمه معهم العديد من البيضاويين عن مصير القاعات التي تم إقبارها في العديد من المناطق ، ويذكر أن منطقة درب السلطان لوحدها فقدت مجموعة من القاعات السينمائية خلال فترات مختلفة والتي ظلت ذكرياتها راسخة في أذهان أبنائها ، شيوخها ونسائها، نذكر منها: سينما الزهراء، سينما موريطانيا، سينما شهرزاد، سينما الامل، سينما الشاوية والكواكب يرى عدد من المتتبعين والمهتمين بالشأن السينمائي البيضاوي بأن هناك غيابا واضحا لدور الجهات المفروض فيها المحافظة على هذه القاعات وحمايتها من الاندثار، ومساعدتها على تجاوز أزماتها المالية التي أدت، حسب رأي العديد من أرباب القاعات السينمائية، الى إغلاقها، ينضاف الى ذلك شبح القرصنة المتواصل في ظل غياب تجريم فعلي لهذه الظاهرة التي يرى بعض الفاعلين الجمعويين أنها السبب وراء تراجع القاعات السينمائية بالدارالبيضاء، إذ بمجرد ان يخرج العمل إلى دور العرض حتى يجد فريق العمل نفسه أمام آلاف النسخ المنتشرة بمختلف الأزقة في زمن قياسي، مما يتطلب وضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة، إذ رغم ما تحدثت عنه بعض الجهات من ضبط واحتجاز الملايين من الاقراص المدمجة المقرصنة، فالمسألة في حاجة إلى عمل متواصل. من جانبهم طالب بعض ارباب القاعات السينمائية بتفعيل قرارات محاربة القرصنة وتشجيع الاستثمار في هذا المجال أسوة بالمهرجانات التي تصرف فيها الملايين من الدراهم وغالبا ما يحصدها الاجانب!!