من قصة، وسيناريو، وإخراج، وديكور، وإنارة، وتصوير، وهي تقدم، مجتمعة، أعمالا فنية، وتحمل رسالة إلى المجتمع. ورغم المنافسة الشديدة، لم تستطع أقراص "دي. في. دي" تعويض أجواء الفرجة في القاعة السينمائية، كفضاء جماعي للفرجة والمتعة الفنية، يفترض أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط، مثل منع التدخين، وكل ما من شأنه أن يشوش على المتفرجين. إلا أن هذه المواصفات لا تحضر في أذهان البعض، فتتحول قاعة السينما لديهم إلى مجرد فضاء لقضاء أوقات الفراغ، أو مكان خاص بالمواعيد الغرامية السرية، وممارسة الجنس، أو ملاذ آمن لتعاطي المخدرات وتناول الكحول. ففي قاعات كثيرة، يحصل أن يرميك أحدهم بعقب سيجارة وأنت منهمك في متابعة الفيلم، أما إن كنت في الرواق السفلي، فقد ترشق بالحجارة! يحدث هذا فعلا في بعض القاعات السينمائية بالأحياء الشعبية، أما في القاعات التي تعتبر أفضل مقاما، فإن التدخين ممنوع، عادة، لكن لا مانع من اصطحاب "مرافقة" للاستفادة من ظلمة القاعة. كانت القاعات السينمائية هي المكان الأنسب للترويح عن النفس ونسيان الهموم اليومية والاطلاع على آخر إبداعات الفن السابع، إذ كانت للمواطن علاقة وطيدة وحميمة بها، إلى درجة ارتيادها مرة كل أسبوع، على الأقل، لمشاهدة آخر الأفلام. وكان حب السينما لا يقتصر على الجنس أو السن، بل كان الكل يذهب إليها. أما اليوم، فاختارت بعض القاعات السينمائية الموجودة في قلب العاصمة الاقتصادية النابض، للخروج من أزمة عزوف الجمهور، طريقة خاصة في جلب الزبائن، طيلة أيام الأسبوع، مع ارتفاع العدد يومي السبت والأحد، إذ تحولت مرتعا للقوادة، حيث يلج العشاق لقضاء الحاجة، بعيدا عن الأعين، في ظلام السينما الحالك، وعلى إيقاعات أصوات الفيلم القوية. وتوضح الإحصائيات الرسمية المنجزة أخيرا أن المغرب لم يعد يتوفر سوى على 72 قاعة سينمائية، موزعة عبر مختلف ربوع المملكة، من أصل أزيد من 200 قاعة، ثم 160 قاعة. وهي بدورها تعيش حالة تهديد بالإغلاق، إذ بات عزوف الناس عنها معروفا، وباتت الكثير من القاعات مكانا لتفريغ الرغبات المكبوتة، ولممارسات مخلة بالآداب العامة، من دون أن يحرك ذلك ساكنا من طرف المهتمين، والسينمائيين المغاربة. يقول المخرج المغربي، حسن بن جلون، في تصريح ل"المغربية"، بهذا الشأن "فقدنا ثقافة السينما، إذ أصبحت القاعات محلا للمغرمين، الذين يختبئون في الظلام، مقابل مبلغ عشرين درهما لممارسة هذه الأفعال، وهذا راجع للبرمجة السينمائية، التي لا تراعي تنوع الأفلام، وتركيزها على بعض الأفلام الشبقية لإغراء المشاهد". أما الفنان محمد مجد، فيرى أن "المشكل يكمن في أن الشباب ليست له ثقافة سينمائية، كما أن أصحاب القاعات يتغاضون عن مثل هذه السلوكات، إذ لم يتبق لنا سوى ثلاث قاعات محترمة، يمكن أن تعرض فيها أعمالنا، وللحد من مثل هذه الممارسات اللاأخلاقية، يبقى دور الفنان هو أن يساهم في تحسيس وتوعية الشباب بالثقافة السينمائية". في السياق ذاته، يقول الفنان جواد العلمي "علينا أن نتحد كفنانين للحد من هذه الظاهرة اللاصحية، التي انتشرت في مجتمعنا المغربي، لأن السينما مكان للترفيه والتثقيف من خلال المشاهدة، كما أنها تلعب دورا في معالجة العديد من الظواهر، لأن هدفها الأساسي هو خلق الفرجة، وليس خلق الأجواء الحميمية تحت الظلام الدامس في أوقات العرض، فضلا عن المشاكل التي تتخبط فيها السينما، مثل القرصنة، وعزوف الشباب، وإغلاق القاعات. وتبقى السينما الأداة الأساسية في التثقيف، وخلق أجواء الترفيه والمتعة، من خلال الأعمال المعروضة".