داوود أولاد السيد كاتب ومخرج وأستاذ جامعي وفتوغراف، حاصل على دكتوراه في الفيزياء، وعمل أستاذا جامعيا بجامعة محمد الخامس بالرباط، كما أصدر كتابا بعنوان «مغاربة»، وأقام معرضا للصور الفوتوغرافية بالمغرب. أخرج أولاد السيد سنة 1991 أول فيلم قصير له بعنوان «الذاكرة البنية» الذي عرض سنة 1993 على قناة ARTE الفرنسية. قام سنة 1998 بإخراج أول فيلم مطول له «بايباي السويرتي». ثلاث سنوات بعده، أخرج «عود الريح» ثم «طرفاية باب البحر» سنة 2006، ليقوم مؤخرا بإنجاز «في انتظار بازوليني». التقت «المساء» بداوود أولاد السيد وأجرت معه الحوار التالي : - الكثير من الناس يعلمون أنك مخرج ولا يعلمون أنك حاصل على دكتوراه في الفيزياء، كيف تحولت إلى السينما؟ < عندما كنت طفلا كانت لدي ميول نحو المواد العلمية (الرياضيات والفيزياء). وكنا محظوظين لأننا تتلمذنا على يد أساتذة ملمين باللغة العربية وأساتذة فرنسيين، فكان لدينا إلمام بالجانب العلمي والأدبي، لكن والدتي كانت تعتبر أن مستقبلي المهني سيكون أفضل إذا تابعت دراستي في الفيزياء وكانت تعتبر الفيزيائيين أناسا أذكياء أكثر من غيرهم.. بعدها تابعت دراستي العليا (الماجستير والدكتوراه في الفيزياء)، وبدأت أدرس بجامعة محمد الخامس في الرباط. أما علاقتي بالفوتوغرافيا فجاءت بالصدفة أثناء متابعتي للدراسة في فرنسا، حيث كنت يوما متجها نحو الحي الجامعي الذي أقطن فيه فوجدت تجمعا لأناس في الشارع، فشدني الفضول إلى ما هم مجتمعون من أجله... اقتربت فوجدت معرض الفوتوغراف الفرنسي هنري كارتي حول المجتمع الفرنسي، فتأثرت بشدة بتلك الصور وقلت في قرارة نفسي: لماذا لا أقوم بإنجاز معرض عن الحياة اليومية للمغاربة؟ ثم اشتريت كاميرا بسيطة وبدأت أتمرن على التقاط الصور لأقيم بعد عشرين سنة معرضا للفوتوغرافيا حضره هنري كارتي، وأصبحت صحفيا مصورا في مجلة «كلمة» وجريدة «لوبينيون». أصدرت كتابي «مغاربة» لألتقي بعدها بمحمد البوعناني ويوسف فاضل، ثم بدأت تصوير الأفلام القصيرة. - في أحد التصريحات قلت: «إن السينما المغربية تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل أفضل»، ما هي المؤشرات التي جعلتكم تقولون بذلك؟ < أقول دائما إننا الآن نعيش عصر السينما الذهبي في المغرب، لدينا تراكم للأفلام عكس ما وجد في الثمانينيات مثلا، من أفلام يمكن القول إنها غير جيدة. لكنني مع الكثرة في الإنتاج السينمائي، فلا يمكن أن نحقق الجودة دون كثرة الأفلام لأن عن طريق هذه الكثرة نتمكن من تمييز الفيلم الناجح من الفاشل، فإذا أنتجنا عشرين فيلما وكانت بينها ثلاثة أو أربعة أفلام جيدة فهذا إنجاز لنا، كذلك الشأن بالنسبة إلى الأفلام القصيرة فإذا أنتجنا خمسين فيلما في السنة -وإن كنت أعتبر الرقم مبالغا فيه!- إذا كان من ضمنها خمسة بمستوى جيد فهذا دفع بالسينما نحو الأمام. اليوم، أصبحنا نتحدث عن هوية للسينما المغربية. من هذا المنطلق، أعتقد أن السينما تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل أفضل. - لماذا لا يلجأ المخرجون المغاربة إلى اقتباس نصوص الأدب المغربي باللغة الفرنسية أو العربية وترجمتها إلى أفلام؟ < تبقى رؤية خاصة بالمخرج، كما أن هذا السؤال يجب أن يطرح على المنتج والموزع وصاحب القاعات السينمائية لأنهم يشتركون جميعا في صناعة الفيلم. لتحقيق هذا الأمر يجب أن يتمكن المنتج من شراء حقوق هذه القصة أو تلك الرواية. وحاليا قمت باقتباس قصة لإدريس الخوري بعنوان «مدينة التراب»، سلمتها إلى القناة الأولى، لكني لازلت أنتظر الرد. أقول إني مستعد للقيام بأعمال مقتبسة، كقصة حياة الحسين السلاوي، إذا طلب مني منتج أو موزع ذلك، لكني لا أستطيع وحدي، لأن الأمر يتطلب ميزانية ضخمة. إنجاز العمل ليس صعبا بل مسالة الإنتاج وتمويل الفيلم هي التي تطرح مشكلا. -ما هي الصعوبات التي يعانيها قطاع السينما اليوم؟ < الصعوبة الرئيسية هي الإنتاج، لأن مجموع الأفلام التي نشاهدها اليوم تحصل على ما يسمى بالتسبيق على المداخيل، وهذا ما يمكننا من الاستمرار في العمل إلى حد الساعة. هناك إرادة سياسية لتدعيم السينما المغربية، لكن إذا حجب عنا الدعم فهذا يعني نهاية السينما في المغرب لأننا سننتقل من عشرين أو ثلاثين فيلما في السنة إلى فيلم واحد أو نصف فيلم في السنة! - ما رأيك «بالمبادرة الجديدة للإنتاج السينمائي» التي دعا إليها منذ سنتين المخرج نبيل عيوش؟ < ليست لدي أية وجهة نظر في هذا الموضوع، أنا مخرج «وحداني»! ليست لدي أية منفعة من المشروع. أنا بعيد عن تلك المواضيع لأنه لم يسبق لي أن تعاملت مع تلك الشركة، لهذا لا أبالي بذلك. - كان الراحل محمد عصفور قد وجه نقدا إلى المخرجين المغاربة لعدم اهتمامهم بالبحث والنبش في تاريخ المغرب وعكسه في أفلامهم. ما قولك في هذا الصدد؟ < المخرج يعبر عما يختلج في صدره من مشاعر وأحاسيس وما يصادفه من أحداث. لا يمكن، مثلا، أن أطلب من فنان تشكيلي أن يرسم هذه اللوحة أو تلك، أو من شاعر أن يكتب هذه القصيدة أو تلك. أعتقد أن لدينا في المغرب تقريبا حوالي أربعمائة مخرج يحملون البطاقة، كل واحد من هؤلاء المخرجين يتطرق لموضوع ما سكن قلبه. أجد أن فيلمي الأخير يرصد تاريخ السينما نوعا ما، وقد يصبح فيلما تاريخيا فيما بعد. السينما ليست مجرد فن بل هي صناعة وتمويل، وهذا ما ينقصنا. - أنجزت عددا من الأفلام القصيرة «ذاكرة بنية»، «بين الغياب والنسيان». ماذا عن واقع الفيلم القصير في المغرب؟ < سابقا كان يجب على المخرج الذي يريد أن يحصل على بطاقة مهنية أن ينجز ثلاثة أفلام قصيرة على الأقل، وهي فكرة رائعة وجيدة تدفع بالفيلم القصير في المغرب. المشكل الذي كان قد طرح هو رداءة بعضها، في حين تألقت أفلام أخرى، وهذا هو الهدف. إذا لم نتقدم على مستوى الكم فلن نتقدم على مستوى الكيف. - قدمت عملا بعنوان «مدينة التراب» للقناة الأولى. حدثنا عن هذا العمل؟ < «مدينة التراب» قصة قصيرة لإدريس الخوري قرأتها وأعجبتني، وقلت لنفسي إنها يمكن أن تكون فيلما، فكلمت يوسف فاضل الذي قام بإعداد السيناريو، لكننا لازلنا ننتظر الرد. السينما ترتكز حول المنتج أكثر من أي شخص آخر، وهذا ما نجده حتى في السينما الهوليودية. - هل سبق أن أحسست بالفشل من خلال تجاربك في السينما؟ < ليس الفشل بمعناه الواضح، ولكني أجد نفسي دائما في بحث عن الأفضل ولا أكتفي بما لدي، بل أطمح دائما إلى الأفضل. الأفلام التي أخرجتها حتى الساعة أنجزتها بطريقة تقليدية كالصانع التقليدي الذي يتروى قبل أن يقبل على أي خطوة، تعبر مخيلتي مجموعة من المشاهد واللقطات التي أحاول ترجمتها إلى واقع لأراها ماثلة أمامي كمشاهد سينمائية كما تخيلتها، وهذا الأمر يمكن ألا يحدث، وفي بعض الأحيان نضطر إلى إعادة بعض المشاهد حتى بعد الانتهاء من تصوير الفيلم، وهذا ما لا أطيقه. - ما هي الأفلام التي فشلت أو لم تحقق النجاح الذي كنت تتطلع إليه؟ < في مسيرتي الفنية لم أقم بإخراج سوى ثلاثة أفلام قصيرة وأربعة أفلام طويلة، ولكني أعتقد أن النقاد يلمسون في أعمالي تطورا، حيث يقولون إني أسير من حسن إلى أحسن، لأنه لا توجد وصفات جاهزة في السينما توصل إلى نجاح الفيلم. - بالموازاة مع فيلمك «في انتظار بازوليني»، تعرض أفلام لمخرجين مغاربة: سعد الشرايبي «الإسلام يا سلام»، و«لوله» لنبيل عيوش... ألا تخشى المنافسة؟ < بالعكس أنا أحب المنافسة، إذا كانت شريفة طبعا، ولا أشاهد أعمال الزملاء المغاربة فقط بل أشاهد لمخرجين أجانب وعندما أرى فيلما رائعا سواء لزميل مغربي أو أجنبي أقول لنفسي: علي أن أقدم أفضل من هذا العمل، هكذا نتقدم. وأشعر بالسعادة عندما أرى صديقا لي أخرج عملا ناجحا ورائعا لأن في هذا إثراء للمنتوج السينمائي الوطني. المنافسة أمر إيجابي. - فاز فيلمك «في انتظار بازوليني» بجائزة أحسن فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي. إلى أي حد ساهمت هذه الجائزة في تمثيل السينما المغربية في بلد ظل محتلا للصدارة في مجال السينما؟ < هذا شرف كبير لنا طبعا أعتقد أن أي إنسان، سواء كان فنانا أو رياضيا، يشعر بالسعادة عندما يكافأ جهده بجوائز، خصوصا إن جاءت من أقدم المهرجانات في العالم العربي، كما أنني نشأت على أفلام صلاح أبو سيف ويوسف شاهين. عندما كنت هناك في القاهرة كان برفقتي لحسن زينون، وقد أعجب الجمهور المصري بفيلمه «عود الورد». إنهم ينظرون إلى أفلامنا باحترام شديد سواء من الناحية التقنية أو الفنية ويجدونها تتمتع بالعمق، الشيء الذي بدؤوا يفقدونه في موجة أفلامهم الجديدة. - اعتمدت في تصوير فيلمك الأخير على أساليب التصوير والإضاءة المستعملة في الأفلام الوثائقية، هل يعني ذلك أنك تقوم برصد لواقع الكومبارس؟ < الشيء الذي لا يعلمه الناس عني هو أني بدأت مسيرتي السينمائية بأفلام وثائقية، فيلمي الوثائقي «الواد» حصل على جائزة أحسن فيلم وثائقي في أوربا في المعهد العربي في باريس، كذلك فيلم «الذاكرة البنية» عرض على قناة «ARTE»، لدينا أفلام وثائقية رائعة أنجزت في السبعينيات كفيلم «الستة اثنى عشر» الذي يوجد في الخزانة وأتمنى أن يراه الشباب وأقوم باستعمال تقنيات الفيلم الوثائقي لتوثيق واقع ما، كان أصدقائي يدعونني بموثق المغرب، وهو لقب أحبه جدا. أقوم باستعمال تقنيات سهلة وبسيطة دون اللجوء إلى تقنيات معقدة، أحب السينما الخيالية ولكن القريبة من الناس. - طرحت إشكالية الهجرة السرية في فيلمك «طرفاية باب البحر»، وموضوع الكومبارس في فيلمك الجديد «في انتظار بازوليني». هل تنحاز إلى الكادحين والمهشمين البسطاء في أفلامك؟ < إلى حد الساعة، لم أقل أبدا إني سأعالج هذا الموضوع أو ذاك، سواء كان عن الهجرة السرية أو عن الكومبارس، في فيلم «طرفاية باب البحر» كان موضوع الهجرة السرية مجرد خيط رابط لأحداث الفيلم، أنا أردت أن أعكس معنى الانتظار من خلال تلك الشابة التي تحاول الهجرة والتي لم تهاجر أبدا. أما الفيلم الأخير «في انتظار بازوليني» فلم أتطرق إلى معاناة الكومبارس بما هو كومبارس، بل إلى هموم وانتظارات الناس بشكل عام.. الكومبارس مجرد سبب للكشف عن جوانب من حياة أناس بسطاء. إذن، فموضوعات أفلامي لا تأتي عن سبق إصرار بل أترك ذلك للصدفة والحظ. لا أستطيع القيام، مثلا، بأفلام عن البورجوازيين والأغنياء في المغرب وأن أصور في فيلات وقصور لأني لم أترعرع في وسط مماثل، إذن فلن أكون موضوعيا ولن أنجح في رصد هذا الواقع، لأني عشت ونشأت في بيت بسيط من بيوت مدينة مراكش وليس في فيلات، وعندما أدخل إلى أي فيلا أشعر بأني لست على ما يرام. وأنا أتحرى الصدق قبل كل شيء في أفلامي، ربما لهذا السبب يحبها الناس لأنهم يرون واقعهم معكوسا على شاشة كبيرة. - كيف تختار مواضيع أفلامك؟ < لا أختار أي مواضيع، فمثلا أنا حاليا منشغل بقراءة كتاب حول السبعة رجال، وهو موضوع قابل لأن أتناوله في فيلم مقبل. الكتاب ألهمني وأوحى إلي بموضوع أعجبني. كما أن السينما حظ، أي أنه ليس هناك منطق في السينما، فيمكن أن تنجز فيلما، مثلا، حول شجرة الزيتون في قرية يحاول مسؤولون اقتلاعها وأصحاب القرية يلتفون حولها ويرفضون ذلك، هذه فكرة بسيطة، مثلا، لكنها قابلة للإنجاز، في المقابل يمكن لفيلم حول النضال السياسي أو التطرف والإرهاب أن يفشل. السينما ليست التزاما أو دفاعا عن قضية ما، السينما فن. - لاحظنا في فيلمك الأخير أنك وظفت عنصر الانتظار، هل استوحيته من مسرحية «في انتظار غودو» لبيكيت؟ وكذلك الفقيه الانتهازي، هل استوحيته من مسرحية «طرتوف» لموليير؟ < فيلم «في انتظار بازوليني» لم يستوح من مسرحية «في انتظار غودو» لبيكيت، بل جاء هكذا على سبيل الصدفة. وهناك عدد من الأفلام والمسرحيات التي تمحورت حول الانتظار. أما بالنسبة إلى الفقيه، فلا أعتبره انتهازيا بل هو شخص إنساني ومثالي، وهكذا أرى الفقهاء في المغرب، كما انه يحب العمل حتى في السينما، وعندما طرحت عليه السؤال: لماذا تعمل بالسينما وأنت فقيه؟ قال إن الله يحب العبد القوي ولا يحب العبد الضعيف، وهو جواب في محله، ويقوم بحل مشاكل أهل قريته في المسجد. إنه يذكرني بفقيه كان يقطن في حينا قديما، كنت أراه يشبب بالنساء، وهو الآخر ليس مستوحى من مسرحية «طرتوف»، بل هو حالة شخصية صادفتني كما أسلفت. - هل تواجه مشكلة عند اختيار الممثلين المشاركين في أفلامك؟ < في الواقع، لا أواجه أي مشكل في اختيار الممثلين، لأنني عند قراءتي للسيناريو أبدأ بتخيل من سيلعب هذا الدور أو ذاك في المغرب لدينا ممثلون رائعون وممتازون وعلى مستوى عال من الاحتراف. المغربي عموما ممثل بارع في حياته اليومية! وأعتبر نفسي محظوظا لأني تعاملت مع ممثلين موهوبين منذ أن بدأت مسيرتي الفنية كمحمد مجد ومحمد البسطاوي ومصطفى تاه تاه وثريا العلوي التي حصلت على جائزة أحسن ممثلة في مهرجان قرطاج. أحب المزج بين الممثل المحترف والممثل الهاوي. - هل توجد هناك صعوبة في انتشار الفيلم المغربي؟ < أواجه مشكلا في انتشار أفلامي في المغرب أولا ! لدينا مشكل في تسويق الفيلم داخل بلادنا، مثلا لدي أفلام لم تعرض في المغرب وعرضت في فرنسا، وهو مشكل يواجه جل المخرجين المغاربة. « عود الريح» عرض في فرنسا، «طرفاية باب لبحر» عرض بشكل محتشم في المغرب، «بايباي السويرتي» مر مرور الكرام في قاعة أو قاعتين على الأكثر، «أطفال الشاطئ الضائع» لجلالي فرحاتي لم يعرض في القاعات السينمائية المغربية مع أنه مثل المغرب في مهرجان البندقية، أعتقد أنه يجب علينا أن نهتم بجانب التوزيع لأنه لا يقل أهمية من الإنتاج. لدينا مشكل في التوزيع لأن فيلمي الأخير كان من المفروض أن يعرض في نوفمبر وليس الآن، وهذا راجع إلى خلل في التوزيع، فمن المؤسف أن نرى أفلاما ناجحة تشارك وتمثل المغرب في مهرجانات دولية في حين لا تعرض في قاعاتنا السينمائية. وبالنسبة، إلى اللغة، أظن أنها لم تعد مشكلا الآن لأن هناك «السوتيتراج» أو الترجمة أسفل الشاشة، وهذا ما يسهل عملية فهم الفيلم حتى على غير المغاربة أو العرب.