في الماضي، كان كثير من المغاربة يحلمون بطريقة خاصة. كانوا، مثلا، يذهبون إلى الشواطئ الفسيحة والفارغة ويستلقون في الرمال تحت أشعة شمس ساطعة، وحين تتدفأ أجسادهم يغطسون في مياه البحر النقية فينتعشون وتنتعش أحلامهم بإسقاط النظام وإنشاء نظام بديل. ولو أن أولئك الحالمين أعادوا اليوم محاولاتهم لحلموا بشيء واحد فقط، وهو أن يذهبوا إلى البحر ويستلقوا فوق الرمال من دون أن تكسر ضلوعهم الدراجات الرملية ذات الأربع عجلات، وعندما يدخلون إلى البحر يسبحون في مياه غير ملوثة وفي أمان ومن دون أن تشق رؤوسهم دراجات الجيتسكي المائية، وعندما يعودون إلى الرمل لا يجدون كلب بيتبول في انتظارهم ينهش لحمهم المملح بالماء. هكذا تحولت أحلام الكثيرين من محاربة النظام إلى محاربة التلوث والبيتبول. هكذا، تغيرت أحلام المغاربة في عقود قليلة. جيل كان يحلم بقلب النظام، وجيل اليوم يحلم بالسباحة بأمان... ولكل زمن سنوات رصاصه. ومنذ أن بدأ الصيف الحالي فإن أخبارا من هنا وهناك تشير إلى أن سنوات الرصاص في المغرب أصبحت واسعة وفضفاضة. هناك المغاربة الذين نهشهم رصاص القمع والاعتقال، ومغاربة اعتقدوا أنفسهم أحرارا فذهبوا إلى الشواطئ للاستجمام فتكسرت ضلوعهم أو شقت رؤوسهم من طرف هؤلاء المغول الجدد من ركاب الدراجات البحرية. يصعب على المرء وهو يتتبع ما يجري أن يتصور أنه جاءت مرحلة غريبة يتعرض فيها المغاربة لاحتقار يومي في أدنى متطلبات عيشهم.. يريدون حياة عادية وبسيطة فلا يجدونها. لم يعد الناس يطالبون بتغيير النظام ولا بإصلاحات دستورية ولا بالزيادة في الأجور ولا بإصلاح التعليم ولا بإنشاء مستشفيات ولا بأي شيء.. إنهم يطالبون فقط بأن يعيشوا كيفما اتفق في انتظار أن يموتوا بشكل طبيعي، ومع ذلك لا يتحقق لهم هذا الطلب ويأتيهم الموت، في أحيان كثيرة، من حيث لا ينتظرون. سقف أحلام المغاربة انهار بشكل كبير. في الماضي، كانوا يحلمون بأشياء كبيرة وهم يعيشون في منازل ضيقة وصغيرة. اليوم، صاروا يحلمون بأشياء صغيرة وهم يعيشون في منازل كبيرة وفسيحة. كانوا يذهبون إلى شواطئ واسعة ويحلمون بمغرب أوسع لجميع مواطنيه، واليوم لا يحلمون سوى برقعة ضيقة على الشاطئ لهم ولأولادهم، فلا يجدونها. لم يكن المغاربة، في زمن أحلامهم الكبرى سنوات الستينيات والسبعينيات، يتصورن أنه ستأتي أيام تصبح فيها أحلامهم صغيرة وضيقة، مثل أن يتمنوا ألا تنهشهم كلاب البيتبول في الشوارع، وألا تسحقهم دراجات الحشاشين في الشوارع، وألا تشق رؤوسهم دراجات الجيتسكي وهو يسبحون وسط الماء، وألا تدهسهم «كاتكاتات» المراهقين من أبناء المختلسين وبائعي «الغبرة» الذين يلعبون الرالي في الشوارع العامة. كان المغاربة يحلمون بسيارات كثيرة وطرق واسعة ومدن كبيرة، فصار كل مغربي، اليوم، يحلم بأن يعيش في حقل بعيد عن المدينة وحوله فقط أبقار وأغنام، لأن البشر لم يعد يحتمل. كان المغاربة يحلمون بجامعات قوية وفي مستوى الجامعات العالمية التي تخرج أطرا كبيرة، فأصبحوا يريدون فقط أن تصل المنحة في وقتها وأن تتوفر وسائل النقل بين الجامعة والمنزل وأن يتوقف الوسطاء عن اصطياد الطالبات من أبواب الجامعات وتحويلهن إلى داعرات محترفات عوض أن يكن طبيبات ومهندسات وباحثات. الطلبة الجامعيون الذين كانوا يرددون في الحرم الجامعي شعارات تدعو إلى الثورة، يرددون نفس الشعارات بنفس الألحان لكن بكلمات مختلفة تدعو فقط إلى توفير منصب شغل من أجل طرف ديال الخبز من أجل الحياة. كان كبار الحالمين في زمن الأحلام يتمنون أن يأتي وقت ينصبون فيه مشانق لمن كانوا يسمونهم البورجوازيين المتعفنين، وبعد ذلك أصبح العفن حلم الجميع، ولم يعد يوجد شخص واحد لا يحلم بأن يصبح بدوره بورجوازيا جد متعفن. لم يعد المغاربة يطالبون بتوزيع عادل للثروات ولا بنظام ديمقراطي حقيقي ولا بأي شيء من هذه الأحلام البائدة.. إنهم يحلمون فقط بوجود برميل قمامة في الشاطئ الذي يقصدونه لكي يضعوا فيه أزبالهم في نهاية اليوم، فلا يجدونه. يا لها من أحلام..