عبد الله راجع، محمد شكري، محمد زفزاف، محمد خير الدين، أحمد المجاطي، محمد القاسمي، عبد الكبير الخطيبي، محمد الطوبي، أحمد بركات، العربي باطما، محمد باطما، رجاء بلمليح، محمد الحياني، محمد الركاب، حسن الصقلي، محمد الكغاط، أحمد الجوماري، مبارك الدريدي، عزيز شهال، عبدالرحيم بوعسرية، عبدالفتاح الفاكهاني... أسماء أدبية، فكرية، فنية، إعلامية، خبرت سيرة المرض الملعون، قارعته وقارعها، كل بطريقته، لا أحد منهم أفلت من بطشه، فكيف تعايشوا وتواجهوا مع هذه العلة؟ بما أن المقام لا يتسع لكل الحكايات، سنرصد بعض الحالات على سبيل الذكر لا الحصر. محمد شكري، مات وهو مشرف على السبعين من العمر، وكان لا يزال يبدو شابا، في تفكيره على الأقل، فاجأه السرطان إلى درجة أنه لم يكن يصدق أنه سينهزم بسهولة. شكري، الذي كان يربي الكثير من الحيوانات في منزله، بدءا بالطيور ومرورا بالسلاحف، وانتهاء بالقطط والكلاب، لم يكن يريد أن يتعذب طويلا في مرضه، كان يريد أن يموت كالطير، أي بسرعة وبدون مقدمات. لكن السرطان الذي فاجأه جعله يتعذب قليلا، صحيح أنه ظل يسخر من مرضه حتى اللحظات الأخيرة، لكن هذا الرجل الذي قاوم الجوع والتشرد ونام في أي مكان وأغمض عينيه جنبا إلى جنب مع الموتى في المقابر لأنه لم يكن يتوفر على سكن قار، عاد أخيرا لكي ينام مع الأموات الذين نام معهم حيا. في الساعة الثانية بعد ظهر يوم السبت 15 نونبر من سنة 2003، أغمض عينيه المتعبتين ورحل عن عالمنا، بعد صراع طويل خاضه بشجاعة مع داء السرطان الذي أصاب منه في وقت واحد الكلى والكبد والرئة، وأرداه في غضون أشهر معدودة. وخلال تجربة المرض، ظل شكري وفيا لصورته ولذاته، فلم تخمد في صدره إرادة تحدي الواقع التي كانت وراء انتصاره على البؤس والصعلكة في شبابه، والتحاقه بعالم الثقافة والكتابة، والتي كانت، طيلة مسيرته الأدبية، المحرك العجيب لفرادة انتصرت على التنميط والتقليد والقوالب الجاهزة، وحلقت إلى أفق العالمية انطلاقا من دروب الهامش. تقول فتيحة، مدبرة شؤون منزله لعقود، إن شكري في بداية مرضه لم يكن يظن أن مرضه خبيث، بل إنه في مرحلة من مراحل مرضه بدا متفائلا جدا وقال إن الطبيب قال له إن الورم حميد وليس خبيثا، وإن شفاءه قريب. لكن هذا التفاؤل لم يكن سوى صحوة المحتضر، لأنه بعد بضعة أيام سيصاب بنكسة صحية وسيذهب إلى الرباط، ذهاب هو الأخير إلى هذه المدينة التي كان يذهب إليها للتسامر مع أصدقائه فقط، فذهب إليها لكي يموت. الإلهام يلغي الألم «ألا ما أقساه علي من حال! الألم يهاجمني دون إنذار، لا يدفعه عني ما أبتلع من مضادات الالتهاب. ماذا تراني كنت أفعل لو لم أكن أكتب؟...» ص.110. هذا النص لمحمد خير الدين، الطائر الأزرق أو «مِّيس نْ تمورث» كما كان يناديه الراحل محمد شكري، مقتطف من «يوميات سرير الموت»، والتي كتبت في غشت 1995 من طرف خير الدين وهو طريح فراش المرض بالمستشفى العسكري بالرباط، أو بضيعة الغزالة ببوزنيقة وهو في ضيافة ثريا وبول روسلون. فقد كان فِعل الكتابة هذا عند خير الدين «تجربة إنسانية حقيقية». وكما جاء في تقديم المترجم: «قليلة هي الكتابات التي تعيش الموت وتكتبه. لا أريد الكتابة التي توضع في الموت، فتعيشه موضوعا غيريا أو متخيلا، بل الكتابة التي يفزع إليها صاحبها في حالة احتضار، تطول أو تقصر. ويوميات محمد خير الدين واحدة من هذه الكتابات، بل تتبوأ منها موقعا مرموقة وقد رحل عنا يوم 18 نونبر 1995 بالرباط. الألم مع بداية السنة الميلادية 2004، غيب الموت شاعر «سيدة التطريز بالياقوت» محمد الطوبي، وكان قد كتب في قصيدة «إلى أمي عائشة الشاوني: (دمعة الأربعاء بدأت من صباح الشجا خطوة خطوة في اشتعال البكاء مات ورد الكلام جف في نبعه الضوء جفت صفات النداء). وكأن الطوبي حرص على الإشارة إلى يوم وفاته، حيث ووري جثمانه يوم الأربعاء. بعد المرحلة الأولى التي اجتاز فيها محمد الطوبي مرحلة الألم أجرت معه (الزمان في عددها 1707) بتاريخ 12 يناير 2004 حوارا، ووصف الحالة التي كان يعيشها: (مرحلة كانت قواي الجسدية منهارة تماما وأجد صعوبة في التنفس..وفي فترة العلاج كانت المواد الكيماوية التي أحقن بها تصيبني بنوم عميق ولما أفيق يكون ذهني شاردا ومشوشا.. لهذا ولحد الآن لا أستطيع الكتابة عن سيرة المرض لأني في وضع نفسي فيه الكثير من الشرود). قاوم الطوبي المرض بصبر أيوب، وعاش عزلة في مستشفى الأمير مولاي عبد الله بالرباط، ولم تقف بجانبه أي مؤسسة ثقافية ولم يحظ بأي عناية من أي جهة، وقد جاءت بعض المقاطع من قصيدة كانت آخر ما نشر له، تعكس عمق هذا الإحساس(يا لبعيدة لا حب لا أصدقاء هنا/ أجمل الأصدقاء هوالسيد الحزن/ نادمته عاليا شيق النخب). سيرة الألم «الألم» تعد السيرة الثانية « للعربي باطما وتعكس صراعه مع مرض السرطان، الذي كان قد نبهه إليه أحد الأطباء أثناء مشاركة الكاتب في أحد الأفلام التي تم تصوير أحد لقطاتها بمستشفى الدارالبيضاء. ومن ثم بدأ الصراع مع الداء وأجرى الكاتب عملية جراحية لإزالة أكياس مائية من عنقه وإبطه. تلك الأكياس التي كانت تفرز تورمات خبيثة بعد سنين قليلة. وقد كتب العربي باطما سيرة «الألم» في سبعة أيام، أي في ظرف وجيز ليصور خطورة مرض السرطان وينقل للجمهور معاناة الفقراء في مستشفيات الدولة والعيادات الخاصة، وهو في هذه السيرة يرصد صراعه السيزيفي بكل عنف ودرامية مع مرض السرطان الذي قضى عليه سنة 1997.