أكد المفكر المغربي عبد الله العروي أنه يعتبر نفسه تاريخانيا وسيظل وفيا لمنهجه هذا، رغم وجود «مناوئين» له، مشيرا إلى أنه بدون التذكير بما «انقلب» عليه الأولون يكون الموقف المتخذ لا تاريخانيا»؛ فلا ينبغي أن يتنكر الفرد لماضيه ولتجربته الإنسانية الطويلة ويطمس كل ما سبق، يقول العروي، الذي وصف هذه الردة على ماضي الإنسان ب«القلبة»، وهي العملية التي تسمح للمرء بنسج تجربة تاريخية داخل التاريخ، ومؤكدا في السياق ذاته، بأنه كتب مطولا عن مآخذ هنري كوربان، تلميذ مارتن هايدغر، على التاريخانية ودعوته للا تاريخانية وفند أطرويحاته. وأوضح المفكر المغربي، في لقاء احتضنته المكتبة الوطنية لتقديم كتابه الأخير «السنة والإصلاح»، الصادر عن المركز الثقافي العربي، أنه يقصد بالمنهج التاريخاني «اكتشاف الواقع المجتمعي الذي لا يتأتى إلا من خلال العلم والتاريخ تحديدا انطلاقا من كون دينامية المجتمع وحركيته لا يتحكم فيها الحق وإنما المنفعة. واعتبر العروي مسألة «القلبة» تحدث في مجال الفلسفة كذلك، ضاربا كمثال على ذلك بعض محاورات سقراط الذي انقلب على «الفلسفة الأولى», بتعبير المفكر المغربي، والتي لا يعرف الكثير عنها، بل فقط ما رد به سقراط وأفلاطون على الفلاسفة الأوائل الذين سبقوهما، ليشير العروي إلى أن الأمر يتعلق بردة فعل وليس بفعل، داعيا إلى استعادة ما «انقلب» عليه أفلاطون لتجنب اتخاذ موقف لا تاريخاني، والذي قد يؤدي إلى خطأ كبير، لأن المسكوت عنه والمتنكر له هو ما ينبش عنه العلم في التاريخ، وإذا توصل هذا العلم يوما إلى نتائج فإن ذلك يؤدي إلى إدراك ما سبق إغفاله والانقلاب عليه، يقول العروي. وأكد المفكر المغربي على أنه لا يمكن بناء معرفة عن جهل، مستشهدا بتأكيد العلماء على أن الكون موجود منذ 13 إلى 16 مليار سنة ضوئية، مشيرا إلى أن البعض يعتبرها ميثولوجيا جديدة كالميثولوجيات القديمة، فيما أن العلم خارج كل نقاش. وأضاف العروي، الذي دعا إلى اتخاذ موقف واضح من التاريخ، أن ما أسماه «الوعي الديني» وكذلك كل نظام سني تأسسا على «التجربة الزمنية»، باعتبار أن النظام السني يبدأ من نقطة زمنية فيها بداية الزمان ونهايته كما في السنة الشيعية أو السنة الشيوعية، التي يعتبرها فريديريك إنجلز قفزة التاريخ في الحرية. في سياق ذلك ركزت مداخلات أساتذة وباحثين على كون كتاب المفكر المغربي عبد الله العروي، يعيد طرح السؤال من جديد حول علاقة المؤلف وما إذا كان ما زال تاريخانيا، ليُجيب الباحث في مجال الفلسفة، عبد السلام بنعبد العالي، بأن قراءة كتاب العروي الأخير تحيل على وجود معنى معين من التاريخانية لدى المؤلف، والذي لا يلغي كون صاحب الكتاب مهووسا بقضايا الحاضر أيضا، وهو ما يتجلى بالخصوص في عامل الاستعمار وتأثيره على الشعوب. واعتبر الباحث الأنثربولوجي بجامعة برينستون الأمريكية، عبد الله حمودي، أن تاريخانية العروي في كتابه «السنة والإصلاح»، تبدو من خلال تسليط الضوء على إبراهيم أو ما وصفها «السنة المركزية» في كتابه، ليتساءل عن هوية الذين يريد العروي مخاطبتهم، قبل أن يجيب أن الباحث في سياق البحث عن تاريخانيته نستشف وجود «تقليدانية» أيضا في خطابه. من جهته أثارت مداخلة الباحث الأمريكي المسلم والمتخصص في اللسانيات التطبيقية والمدير التنفيذي للجنة الأمريكية المغربية للتبادل الثقافي، داوود ستيفن كستويت، اهتمام وإعجاب الحاضرين، الذين امتلأت بهم قاعة الندوات الرئيسية بالمكتبة الوطنية، لتقديمها من جهة بلغة عربية بسيطة لكنها كانت مثيرة، لزائر على اللغة العربية كما وصفه بذلك أحد المتدخلين، ولتضمينها من جهة أخرى آيات قرآنية، كان الباحث الأمريكي يتلوها تلاوة عذبة استقطبت إعجاب الحضور، وبدا من خلالها الباحث عبد الله حمودي محرجا وهو المغربي الذي أدلى بشهادته بلغة فرنسية، في مؤلف مغربي بعربية فصيحة لكاتبه العربي الكبير عبد الله العروي. وبعد أن أشار داوود كستويت إلى كون العروي يستعمل لغة الجنة وبأنه «أستاذه وشيخه العبقري»، أكد على كون الكتاب يتسم بنوع من الجرأة وبقبس روحاني، وهو ما لم يتوفر لكل المؤلفين، بل فقط ل«العظماء»، أمثال العروي، الذي «اتهمه» الباحث الأمريكي بأنه «أتعبه» في كتابه، بحيث كان الإبهام الذي يصادفه في الكتاب، بين ثنايا صفحاته، لا يقوده إلا إلى إبهام آخر، وهو ما يؤكد على قيمة المؤلف الجديد لهذا المفكر المغربي. إلى ذلك أشار العروي إلى أن الفلسفة مع سقراط مثلا بدأت بمحو الزمن وبأن فكرة الزمن والواحد متناقضان، ليعرف الزمن الإنساني بأنه تجربة السابق واللاحق، أي من خلال الالتفات إلى الماضي من أجل مقاربة الحاضر، وهو ما يعني «القلبة»، بتعبير العروي، الذي أضاف، أن الحضارة الهيليستينية التي توحد في إطارها حوض البحر الأبيض المتوسط من القرن الثالث إلى القرن السادس، كتبت ما سبقها، متسائلا عن معقولية عدم وقوع تداخل بين العرب واليهود واليونان والرومان والفينيقيين وغيرهم على مدى ألف سنة.