رصيف الصحافة: مآسي الهجرة غير النظامية تتواصل مع اقتراب "رأس السنة"    المغرب يحصد جائزتين في كأس العرب    المغرب بطلا لكأس العرب بعد نهائي مثير أمام الأردن    مساعدات لدواوير جبلية ببني ملال    ندوة علمية بشفشاون احتفاءً بالذكرى الخامسة لإدراج «ثقافة التغذية المتوسطية» ضمن تراث اليونسكو    رجاء بلقاضي.. تجربة تشكيلية تحتفي باللون والبعد الروحي            سالم الشرقاوي: 8 ملايين دولار القيمة الإجمالية لمشاريع وكالة بيت مال القدس الشريف برسم سنة 2025    الدولة الاجتماعية والحكومة المغربية، أي تنزيل ؟    أسفي بين الفاجعة وحق المدينة في جبر الضرر الجماعي    كأس أمم إفريقيا 2025.. افتتاح مركز التعاون الشرطي الإفريقي بسلا    "مغرب الآن" راعيا رسميا ل"كان المغرب"    الحكومة تُغامر بالحق في الصحة: إصلاح بلا تقييم ولا حوار للمجموعات الصحية الترابية    السيول والكوارث الطبيعية بمدينة آسفي.. دراسة تاريخية لفاجعة دجنبر 2025    معدل ملء حقينة السدود يناهز 33٪    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    بعد التراجع عنه قبل 4 سنوات.. قانون مثير للجدل يعود للواجهة في الجزائر    رسميا.. إلغاء مباراة السعودية والإمارات    موعد مباراة المغرب والأردن في نهائي كأس العرب والقنوات الناقلة    هل سيؤجل نهائي كأس العرب بين المغرب والأردن؟    المغرب يضع يده على فخر السلاح الأمريكي    تعليمات ملكية للحكومة لدعم متضرري فيضانات آسفي    طقس الخميس.. أمطار وثلوج بهذه المناطق المغربية    لائحة المدن المغربية الأكثر استقبالا للتساقطات المطرية    إسكوبار الصحراء.. دفاع الموثقة يفكك تهمة التزوير وينفي قيام الضرر والركن الجنائي    الملك محمد السادس يراسل أمير قطر    هل ينفد الكون من النجوم الجديدة؟    المهندس المعماري يوسف دنيال: شاب يسكنه شغف المعمار .. الحرص على ربط التراث بالابتكار    من المغرب.. رمضان يعلق على إدانته بالحبس    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    الملعب الأولمبي يعزز إشعاع الرباط    العرايشي ينادي بإعلام رياضي قوي    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    توقيف مروج للمخدرات والمؤثرات العقلية بطنجة وحجز أزيد من 1200 قرص طبي    ميناء المضيق .. ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري    متحف اللوفر يفتح أبوابه جزئيا رغم تصويت موظفيه على تمديد الإضراب    أسعار الذهب تستقر    خبراء التربية يناقشون في الرباط قضايا الخطاب وعلاقته باللسانيات والعلوم المعرفية        تصنيف دولي يضع المغرب بمراتب متأخرة في مؤشر "الحرية الإنسانية" لسنة 2025    أمريكا توافق على أكبر مبيعات أسلحة لتايوان على الإطلاق بقيمة 11.1 مليار دولار    الموت يفجع أمينوكس في جدته    غوغل تطور أداة البحث العميق في مساعدها الذكي جيميناي    موجة البرد.. "الداخلية" تتكفل ب665 شخصا بلا مأوى و2790 امرأة حامل و18 ألف مسن    المغرب في المرتبة 62 عالميًا ومن بين الأوائل إفريقيًا في رأس المال الفكري    ترامب يؤكد مواصلة المسار الاقتصادي    مركز وطني للدفاع يواجه "الدرونات" في ألمانيا    انهيار منزل يخلف مصابَين بالدار البيضاء    الرباط تحتضن مهرجان "أقدم قفطان" .. مسار زي مغربي عابر للأجيال    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العروي بين السائل والمجيب
العروي يحاور عالمة البحار في آخر كتبه «السنة والإصلاح»
نشر في المساء يوم 01 - 07 - 2008

يحار القارئ كيف يتعامل مع أحدث كتب المفكر المغربي عبد الله العروي والذي يحمل عنوانا إشكاليا ومضللا «السنة والإصلاح» والصادر عن المركز الثقافي العربي، فصاحبه يتخذ لموضوعه قالبا سجاليا هو قالب الترسل، المعروف في الكتابة العربية القديمة، حيث يبتكر الحل الشكلي من أجل مناظرة واسعة بين مخاطب يملك الفهم والحقيقة، ومرسل إليه غير مكترث وغير فاهم للحقيقة التي يحملها المخاطب أو الكاتب.
لا يوضح المفكر عبد الله العروي أداة الترسل بين السائلة والمجيب، أو بين السائلة والمسؤول كما يسمي ذلك، غير أننا كقراء يمكننا استشفاف ذلك عن طريق الإشارات المنطوق بها في مقدمة الكتاب، و التي هي بكل تأكيد وسيط الشبكة العنكبوتية.
والحقيقة أنه قبل أن يحصل اللقاء الأنترنيتي بين المسؤول «عبد الله العروي» وبين السائلة، السيدة الأمريكية التي لا نعرف اسمها، لكن نعرف أنها امرأة مطلقة من رجل شرقي متخصصة في البيولوجيا البحرية، ولها ولد يقارب التاسعة، والدتها سيدة أجنبية.
ولا نعرف هل هذه السائلة من أصول عربية أم لا، ولكن الكاتب يقدم لنا إشارة عن اللقاء الأول حين يقول: «تقولين إنك استمعت إلي مرة وأنا أحاضر في إحدى مؤسسات الشاطئ الشرقي من الولايات المتحدة الأمريكية. تذكرت اسمي وبحثت عنه في الشبكة العنكبوتية، فعثرت على عنواني وقررت مراسلتي».
يقدم الكتاب إذن من خلال أسلوب الترسل، وهو أسلوب عربي عريق كتبت به الرسائل العلمية والفكرية والسجالية والكلامية، وعولجت به أهم قضايا العصر وإشكالياته، ولقد كان هو الأسلوب العربي المفضل نظرا للإمكانات الخطابية والتخاطبية التي يوفرهما. لقد مكنت الرسالة الإلكترونية الطارئة وغير المتوقعة الكاتب من حل عقدة الشكل الذي كان من خلاله يسعى إلى ترتيب أفكاره وصوغها ونسجها، وهي الطريقة التي كان يريدها أن تكون سهلة وواضحة، يكتب العروي لسائلته: «جاءتني رسالتك في وقت مناسب. مرت علي شهور وأنا أبحث عن وسيلة سهلة وواضحة أرتب بها أفكاري. هل أفعل ذلك على شكل اعترافات أم عقيدة أم حوار أم عرض أم مسلسل؟ أرى يوما محاسن هذا الأسلوب أو ذاك وفي اليوم التالي تتضح لي نواقصه، فجاءت رسالتك لتضع حدا للتردد».
هذا هو الإطار العام أو الشكل الأدبي الذي سينتهي إليه العروي حاسما تردده، فمجرد رسالة إلكترونية يمكن أن تحمل جوابا لمفكر عن قضية جوهرية ومعقدة هي مسألة الشكل المقالي لكتابة فكرية.
تشاء الصدف «العلمية»ّ طبعا أن يكون المحاور امرأة، ويالها من صدفة جميلة، فالمرأة العاقلة هي صنو الحكمة كما تردد ذلك مدونات الفسلفة العرفانية، ألم يعش محيي الدين بن عربي نفس التجربة مع المرأة الجميلة الفاتنة «نظام»، إذ وبينما هو في الحج شارد الذهن حائر الروح ومشتت الفكر، تبرز تلك المرأة من لفائف الحجيج، كي تلهمه معنى الحق ومعنى الكمال وكي تطرح في قلبه الإجابة الكاملة عن أسئلته الحائرة، تلك الإجابة التي صاغها طردا في ديوانه «ترجمان الأشواق» قبل أن يكتب الفتوحات المكية في تأمل للحكمة السماوية، وفي شبه حجاج عقلي يبرز المقروء الفكر والفلسفي لمتصوف فيلسوف ودارس جيد للحكمة اليونانية.
من هذه الناحية، يشبه عبد الله العروي ابن عربي، كلاهما قدمت له امرأته الغامضة سر الجواب وحفزته على التفكير. لم يحدثنا ابن عربي بعد ذلك عن «نظام» لأنها تجلت واختفت تاركة وراءها ومض المعرفة، ولم يحدثنا العروي عن كيف آل الحوار بينه وبين «امرأته» لأننا لا نسمع لها صوتا في الكتاب، ولا يكاد المؤلف يذكرها أو يشير إليها إلا في المقدمة التأطيرية وعدا ذلك في ثلاث أو أربع مناسبات على وجه الدقة، وهي في كل الحالات المعدودة امرأة صامتة متلقية سلبية «جاهلة» أو «جاهلية» لما يقوله العروي، وحين تقوى عليها المسائل والمشاكلات المعرفية، التي شغلت كل تاريخ الفكر العربي الإسلامي، يدعوها العروي إلى قراءة القرآن والتدبر فيه، فهو وحده الحافل بالإجابات عن كل الأسئلة المضمرة أوالمستعصية.
يكتب العروي: «نصحتك، مراسلتي الكريمة، بأن تهمي بقراءة كتابنا العزيز. لكنني لن أنتظر أن أعرف وقعه في نفسك لأطلعك على وقعه في نفسي أنا، مع الذكر أن كل «اعتراف» أو «عقيدة» تتكلم عن الآخرين أكثر مما تتكلم عن نفس القائل، بل تختزل الزمن وترد على الأجداد».
ثم يقول في موضع تال: «لا يكفي أن تقرئي الكتاب كيوميات تسجل ما يعرض لنفس ضالة تجهد ثم تهتدي، تقنط ثم تأمن، تتعب ثم تستريح.لا بد أن تستأنسي لا بالشراح والمفسرين، بل بأولئك الذين تابوا بعد زيغ ونجوا بعد ضياع، وذلك بالمقارنة بين قريب منا وبعيد عنا، بين الغزالي وأغسطين، ابن طفيل وروسو، ابن رشد وسبينوزا».
في المقدمة التمهيدية أيضا يتحدث العروي عن المعنى الملتبس لكلمة الفيلسوف اليوم، وهي كلمة في رأيه عالية المقام وترتبط بشروط تاريخية ومعرفية لم تعد متوفرة اليوم، يقول: «لا أرى نفسي فيلسوفا، من يستطيع اليوم أن يقول إنه فيلسوف؟ ولا أرى نفسي متكلما ولا حتى مؤرخا همه الوحيد استحضار الواقعة كما وقعت في زمن معين ومكان محدد.
لم أرفع أبدا راية الفلسفة ولا الدين ولا التاريخ، بل رفعت راية التاريخانية في وقت لم يعد أحد يقبل إضافة اسمه إلى هذه المدرسة الفكرية لكثرة مافندت وسفهت».
في المقدمة أيضا يحدث العروي سائلته عن حقيقة وهم الحوارات التي تجري تحت يافطة حوار الحضارات ويرى أنها مجرد دعاوى لا أساس لها من الصحة، من خلال واقعة حقيقية جرت معه، عندما اقترح أحد أصدقاء المفكر اسمه على مؤسسة أمريكية مهمتها ترسيخ السلم بين الشعوب وتشجيع تفاهم الثقافات، وتملك في جبال الألب الإيطالية قصرا فسيحا تستضيف فيه على مدى السنة وبالتناوب باحثين من مختلف الجنسيات والتخصصات، موفرة كل ما يحتاجون إليه خلال فترة البحث، ومتيحة لهم جميع الوسائل، مؤمنة لهم كل أسباب الراحة.
وكانت فكرة عبد الله العروي أن يذهب إلى هناك، وأن ينفرد خلال ستة أشهر، وهي المدة التي تمنحها المؤسسة الأمريكية للباحثين، مرفوقا بكتاب واحد هو القرآن الكريم، مستغنيا عن كل الوسائط من شراح ومفسرين ومؤولين، وذلك كما يقول العروي: «حتى أعرف بالضبط ماذا يبعث ذلك الكتاب في نفسي أنا، في وضعيتي الحالية، في سني الحالية، بثقافتي والتجربة التي مررت بها» .
وقد كانت النتيجة أن رفض اقتراح العروي من طرف المؤسسة الأمريكية، لأن الأمر كان يتعلق بكتاب له حساسية خاصة عند الغرب، وهذا الكتاب هو القرآن الكريم، وهو الأمر الذي يبين انغلاق الفكر الغربي وفساد أطروحاته المتعلقة بكل أشكال الحوارات التي يدعو إليها. وفي سياق حديثه إلى «سيدته الكريمة» كما يصفها العروي، يحثها على القيام بالتجربة التي منع هو من القيام بها، لا لسبب، ولكن لأنها العربية الأصل التي حافظت على جذور والدها رغم أن والدتها أجنبية، وأورثت هذه الجذور لابنها.. إن النصح بقراءة القرآن، حتى وإن كان الأمر بلغات أخرى غير اللسان العربي المبين، هو طريق في نظر العروي إلى الطمأنينة، وإلى اكتشاف العالم الروحاني والفيض الرباني.
ولا امرأة عالمة مثل «سيدته الكريمة» التي تقضي أكثر من نصف السنة على ظهر سفينة مختبر تجري فحوصا وتجارب دقيقة في عمق المحيط الهادي، ستكون قراءة القرآن ذات معنى خاص بالنسبة إلى من يجد نفسه على طوف ماء في حيرة من الأمر، مهدد دوما بأسئلة الوجود الكبرى.
يوجه العروي الخطاب النصحي إلى «السيدة» ففي حالتها وهي المرأة المفصولة عن جذورها الحضارية، المتغذية بشكوك العلم المادي الحديث سيكون الأمر أكثر قوة، يكتب لها: «عكس هؤلاء المحذرين، أقول لك أنا: إنك في أحسن وضع لقراءة الكتاب، وباختيارك الجريء، غير المتوقع، هيأت نفسك لتقبل ما فيه».
بعد هذا التقديم، الذي يضع الإطار العام للكتاب، يدخل العروي مباشرة في مناقشة القضايا الخلافية، متناسيا «سيدته»، تلك القضايا التي شكلت محاور الفكر العربي الإسلامي وفلسفته منذ بداية الرسالة المحمدية وإلى الآن. وهي مسائل حديثة قديمة، مطروحة في كل زمان ومكان، ليكون الإطار الجامع للكتاب هو عنوان الغلاف «السنة والإصلاح» حيث يبدو الكتاب جملة وتفصيلا خارج المشروع الفكري للعروي، وساحة من الساحات التي يدخلها مدافعا عن إسلام السنة والجماعة،معتبرا إياه أرقى أنواع الإسلام. يكتب العروي» الإسلام المعروف في التاريخ هو إسلام الجماعة. والاسم يطابق المسمى، هو إسلام أنشاته جماعة معينة عبر عملية طويلة بدأت مبكرا، في المدينة نفسها». ويضيف في مكان آخر: «لا يمكن للمذهب الشيعي أن يرشح نفسه بديلا عن المجتمعات السنية».
منهج تاريخاني
على شكل جواب عن تساؤلات سيدة أجنبية مسلمة، يكتب العروي هذا الكتاب. وهي تساؤلات تتناول صورة الإسلام، وكيف يقدم نفسه، وكيف ينظر إلى الأديان الأخرى، خاصة وأن السيدة مسلمة، بحكم الانتماء، وتعيش في محيط تتعدد فيه الأديان.
عبر الرد يطرح العروي تصوره الشخصي الفردي، متجاوزا، ما يمكن أن نسميه ثوابت، إلى رحابة حرية التفكير، والفهم، أمينا لمنهجه التاريخاني.
يدعو العروي إلى «إنقاذ العلم والسياسة، لا من الدين، بل من التأويل الذي فرضته السنة.. في هذه الحال لا بد من سلطة وسيطة ترسم الحدود وتلزم كل طرف باحترامها، بعد أن علمتنا تجارب مرة كثيرة أن النفس لا تؤتمن».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.