بايتاس: الهجمات السيبرانية تستهدف التشويش على نجاحات المغرب في ملف الصحراء    الأمير مولاي رشيد يزور ضريح المولى إدريس الأزهر بمناسبة حفل ختان الأميرين مولاي أحمد ومولاي عبد السلام    تصعيد متبادل في جولة جديدة من مواجهة الولايات المتحدة والصين.. بكين تذكر ترامب بمصدر قبعته    قضية شيماء وقائد تمارة.. المحكمة ترفض التأجيل وخلافات الدفاع تُفجر الجلسة الثالثة    الدار البيضاء تحتضن الدورة الثانية من المسابقة المغربية لأفضل أصوات الكورال العربي        أمن طنجة يضبط عنصريْن إجرامييْن    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    نشرة إنذارية: تساقطات مطرية قوية محليا رعدية مرتقبة يومي الجمعة والسبت بعدد من مناطق المملكة        بن يحيى .. إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة فرصة اقتصادية واعدة    أسود الفوتسال يكتسحون الصين بثمانية أهداف ويحافظون على الصدارة الإفريقية في تصنيف الفيفا    تقديم الدورة 28 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة في برشلونة    السلطات الصحية بجنوب إسبانيا تتأهب لمواجهة "بوحمرون" القادم من شمال المغرب    الغلوسي يحذر من تسييس ملف دعم استيراد المواشي ويطالب بتحقيق قضائي للمحاسبة وإرجاع الأموال المنهوبة    بوريطة يعقد بواشنطن سلسلة لقاءات حول تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    باختياره المغرب ضيف شرف، يحتفي مهرجان باريس للكتاب ب "قوة" و"حيوية" المشهد الأدبي والنشر في المملكة (رشيدة داتي)    طنجة تحتضن الدورة الأولى لمهرجان فيوجن المغرب 2025    البرنوصي.. توقيف شخص عرض سيدة للسرقة باستعمال العنف    وسيط المملكة يعقد لقاء تواصليا مع المندوبين الجهويين وممثلي المؤسسة بجهات المملكة    لقاءات مغربية-ألمانية في برلين حول فرص الاستثمار في المغرب    ترامب يعلن تعليق الرسوم الجمركية الجديدة لمدة 90 يوما    المغرب والفليبين يحتفلان بنصف قرن من العلاقات الدبلوماسية    لإطلاق تراخيص البناء.. الموافقة على تحديد مدارات 56 دوارًا بإقليم الفحص-أنجرة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    نهضة بركان يتأهل إلى نصف نهائي كأس الكنفدرالية الإفريقية    فليك سعيد برباعية دورتموند ويحذر لاعبيه من التخاذل إيابا    ماكرون: فرنسا قد تعترف بدولة فلسطينية في يونيو    دعوات نقابية لإنهاء شراكة مكتب التكوين المهني مع "مايكروسوفت" بسبب دعمها الاحتلال الإسرائيلي    مرشح ترامب لرئاسة وكالة "ناسا" يعطي الأولوية للمريخ        أشبال الأطلس يواجهون جنوب إفريقيا وعينهم على المربع الذهبي..    روبيو يجدد تأكيد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه ويؤكد "قوة" الشراكة بين الرباط وواشنطن    "الهاكا" تلزم "دوزيم" ببث الأذان صوتيًا    مظاهرة حاشدة أمام السفارة الجزائرية في باماكو    توقيع اتفاقية شراكة بين الجامعة الملكية المغربية للشطرنج والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدرالبيضاء سطات    ليفربول يتقدم في التفاوض مع صلاح    شباب قسنطينة: مواجهة بركان صعبة    بمشاركة 70 بلدا و1500 عارض.. المعرض الدولي للفلاحة بمكناس ما بين 21 و27 أبريل يتوقع أكثر من مليون زائر    المغرب في قائمة أكبر مستوردي زيت الزيتون من إسانيا    النفط يواصل التراجع مع تصاعد الحرب التجارية بين الصين وأمريكا        مصطفى لغتيري يثري أدب الصحراء    المغرب يحفز نقاشات أكاديميين أفارقة وأمريكيين حول "آداب الاغتراب"    "العدل الدولية" تنظر اليوم في شكوى السودان ضد الإمارات بتهمة "التواطؤ في إبادة جماعية"    1000 جندي احتياط في سلاح الجو الإسرائيلي يطالبون بوقف الحرب على غزة    الفاطمي يسأل وزير الفلاحة حول تضارب الأرقام وصمت الوزارة حول لائحة مستوردي الأغنام المستفيدين من الدعم الحكومي    جوني تو: تأثير السينما يلامس المجتمع.. والجنوب يحتاج "توافقا ثقافيا"    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    فنانون مغاربة يطلقون نداء للتبرع بالكبد لإنقاذ حياة محمد الشوبي    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العروي بين السائل والمجيب
أيتها السائلة... علينا أن نقرأ ولا نكتفي بالتلاوة
نشر في المساء يوم 07 - 07 - 2008

يحار القارئ كيف يتعامل مع أحدث كتب المفكر المغربي عبد الله العروي والذي يحمل عنوانا إشكاليا ومضللا «السنة والإصلاح» والصادر عن المركز الثقافي العربي، فصاحبه يتخذ لموضوعه قالبا سجاليا هو قالب الترسل، المعروف في الكتابة العربية القديمة، حيث يبتكر الحل الشكلي من أجل مناظرة واسعة بين مخاطب يملك الفهم والحقيقة، ومرسل إليه غير مكترث وغير فاهم للحقيقة التي يحملها المخاطب أو الكاتب. ننشر هنا فقرات من الكتاب باتفاق مع ناشر الدكتور عبد الله العروي، الأستاذ بسام كردي مدير المركز الثقافي العربي
هل يتصور أن يكون النبي عرض على قومه، وهم أصحاب ذكر وحفظ، نسبا، ماديا وروحيا، غير الذي توارثوه جيلا عن جيل منذ أقدم العصور؟ لو أقدم على ذلك أما كان ذلك أقوى حجة عليه؟
لو جاء بغير المعهود، لو قرر نبذ المألوف، كيف كان يتعامل مع العادات القائمة والمنسوبة إلى إبراهيم: (الختان، الاحتفال بواقعة الذبح، تقديس البيت، التبرك بماء البئر...)، بل مع الشعور، رغم الأمية الغالبة، بقرابة بين العربية واللغات السامية الأخرى. هذه أشياء سابقة على عهد النبي. لو أقدم على تجاهلها لكذبت دعواه.
وإذ نذكر بهذا الواقع، بأن للعرب تاريخا قبل الإسلام، نفهم بكيفية أفضل ما حدث في ظل الإسلام، سرعة الانتشار، الحذق السياسي عند الزعماء، الخبرة العسكرية عند القادة، نباهة المتكلمين القدامى، توأمة مكة وبيت المقدس، انتقال مركز القرار مبكرا من المدينة إلى دمشق، إلخ.
نلاحظ في هذا الباب استمرارية تشبه إلى حد كبير ما يلح عليه مؤرخو الثورة الفرنسية ودارسو روسيا البولشفية.
وقد تقولين معترضة: إذا كانت المسألة عربية صرف أو على وجه التعميم سامية، ما علاقة غير العرب وغير الساميين بها، علما أنهم يمثلون اليوم أغلبية المسلمين؟ أما يتنصلون بالتدريج من الرسالة المحمدية كما تنكر عدد كبير من الكلتيين والجرمان والسلاف لدين المسيح؟
إني أذهب أبعد منك قائلا إن بعض من ينتسب روحيا إلى قريش قد يتساءل هو الآخر عن الثمن الذي أداه حتى يتسنى له تأسيس إمبراطورية واسعة. هل كان من الضروري، مقابل التوحيد، أن يخضع أيضا للاستبداد وهو ما رفضه بعنف طوال قرون في مواجهة عنيدة ومكلفة مع الفرس ومع الرومان؟ أما كان يكفيه أن يواصل ذلك التأويل الروحاني لعقيدته التقليدية الذي بدأ عقودا قبل دعوة الإسلام؟ أما كان من الوارد أن تتحول المروءة العربية إلى فلسفة إنسية رفيعة المستوى؟
ما تقولينه، أيتها السيدة الكريمة، ليس مجرد افتراض بل هو أمر قد وقع، وعنه نشأت الحركة الشعوبية المناوئة للاستعلاء العربي، حركة فكرية وسياسية طغت على كثير من المناظرات الأدبية والأخلاقية وغذت العديد من الفرق الضالة إلى أن بدأ التراجع أمام الهجومات الصليبية نهاية القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي. لا شك أننا نلامس هنا ما قد يكون في المستقبل أساسا لتأويلات جديدة، إما تحررية وإما سلفية.
هذه تطورات لاحقة، سيكون لنا فيها كلام. أما الآن فإننا لا زلنا نقف على العتبة.
وقبل أن نناقش علينا أن نفهم. ولكي نفهم علينا أن نقرأ ولا نكتفي بالتلاوة. نقرأ النص الموجود اليوم بين أيدينا. نقرأه بلا واسطة، بلا فكرة مسبقة، بلا عقدة خفية. نقرأه في الأصل إن أمكن أو في ترجمات مختلفة نصحح الواحدة بالأخرى.
لا أحد يتأمل القرآن على الطريقة نفسها
نقرأ ماذا؟
القرآن، في المتداول، هو كتاب «بين دفتين». لكن لا أحد يقرأه كما يقرأ غيره من الكتب، كمقالة فلسفية، كمؤلف إخباري، كملحمة أو رواية، يبدأ بمقدمة وينتهي إلى خلاصة. قيل، منذ البدء، إن ترتيب السور خاضع للضرورة، لا يتبع وجهة معينة بل هو معاكس لكل الوجهات وكل المناحي. من هناك التكرار، الإطناب حينا والإيجاز حينا آخر، تعدد الفنون واختلاف الأساليب، ما يعده البعض وهم المؤمنون المتذوقون غنى وغزارة ويرى فيه البعض الآخر عقما وضحالة.
إن صح أن الجميع يرتله حسب ترتيب المصحف، فلا أحد يتأمله على الطريقة نفسها، بل لا أحد ينصح بذلك. المقصود من الترتيل هو إثارة المشاعر، استمالة القلوب، إحياء الروح، وقد يحصل ذلك بتلاوة جزء فقط وربما سورة واحدة. يبدو أن بعض السور تلخص المجموع ولذا شرفت بأسماء خاصة. أما الباقي فهو عنوان فقط، واقع ومتحمل، منزل ومحفوظ. والكل قرآن.
كل قرآن قرآن، بمعنى أنه تحقيق الكل في الجزء، المحفوظ في المنزل. فهو، بالتعريف، عند الترتيل ترتيب خاص بالسور والمقاطع، هيكلة متجددة لمكونات القرآن. من لا يفعل ذلك ينطق بكلمات ولا يقرأ قرآنا. وعندها لا ميزة للعالم على الجاهل، للمتفقه على الأمي.
كل من يقرأ القرآن حقا يبحث فعلا عن فاتحة. فلا يعتقد أنها توجد بالضرورة في الصفحة الأولى أو الثانية من المصحف.
هل نشير بكلامنا هذا إلى تاريخ النزول؟ لا. علم ذلك ينفع، لكنه لا يكفي.
ما نشير إليه هو تأصيل من نوع آخر، تسلسل أعمق من التسلسل الزمني، لا يعاكسه بالضرورة لكنه لا يوافقه تلقائيا أيضا، تسلسل يشهد على الصدع والكشف، عن الانغلاق والانفتاح.. هذه مفردات، ومرادفات لها كثيرة، تتردد في مجرى القرآن. وما ذلك إلا لإرغامنا على أخذها مأخذ الجد.
هذا هو المستوى المطلوب منا، قراء القرآن، لكي يصدع فينا ما نقرأ ويشيع مغزاه في الفؤاد. قد يحصل للبعض ذلك بعد قراءة عرضية عابرة، وقد يتطلب من البعض الآخر أن يسلك طريقا أطول وأعسر، مع الاستعانة بالترتيب التاريخي الذي اقترحه الباحثون، قديما وحديثا، والذي، في النهاية، لا يضمن الوصول إلى النتيجة التي ذكرناها.
إذن توقعي الأفضل، أيتها المسائلة، وانغمسي كليا في «الكتاب».
القرآن كشف مذهل
القرآن، في منحاه العام، ترجيعة متجددة، متسارعة، متنامية لنغمة واحدة، ردة عنيفة على صدمة مروعة وكشف مذهل.
الكشف عن إخفاق الإنسان.
الصدمة من عقوق الإنسان وعناده.
الردة على أنانية الإنسان وغروره.
مرت قرون على نداء إبراهيم، تعاقبت الأجيال، كل جيل خص بنبي يذكره وينذره، ومع كل هذا لم يتغير شيء، الفواجع لم تنته والإنسان لم يقلع عن غفلته وكبريائه، لا يسمع ولا يرى، بل يخترع كل يوم لعبة جديدة يتسلى بها عن بؤسه وقنوطه.
هذه هي حال الإنسان، لم يتغير ولن يتغير لأنه عنيد ولأنه كفور. وبما أن الأمر كذلك فلا بد من محاسبة، لابد من عقاب إن لم يكن غفران.
الألفاظ، المثل، المجازات والتشبيهات، كل ألوان الخطاب المستعملة في القرآن، وما أكثرها، لا تخرج عن هذا المنحى، القاموس متجانس واحد.
قاموس تجار، لا لأن النبي مارس التجارة لمدة قصيرة، كما يدعي البعض، بل لأنه قاموس جماعة وحقبة وثقافة بكاملها. وهو ما أثبتناه آنفا.
المهم ليس هنا، بل فيما طرأ على نفس فتى من قريش خالف قومه ونبا عنهم.
فتى يلاحظ ما لا يلاحظه غيره. يؤثر في وجدانه تأثيرا يقلقه، يذهله، يؤرقه ما لا يلفت أنظار ذويه ولا يحرك منهم ساكنا وهم العقلاء الفضلاء أصحاب همة ومروءة. ماذا يعني الأمر إن لم يعن أن الفتى يجتاز تجربة فريدة، غير عادية بين أبناء جلدته.
ذات يوم يرتفع بغتة الستار ويرى الفتى، لا فيما يرى النائم، بل يرى يقظة رؤية العين ما هو محدق بالإنسان المتكبر المغرور، الساهي العقوق، يرى السماء تتهاوى، والأرض تهتز والبحر يفور والجبال تتسابق. وليس ذلك كابوس يتخيله بل هو خبر على حادث قريب، عن قضاء لا مفر منه.
ورغم أن الحكم متوقع منذ القدم، إذ لكل جريمة عقاب ولكل تحد حد، رغم أن الساعة غاشية، تكاد تقرع الأسماع، فإن الجم الغفير لا يزال لاهيا غافلا، حتى الذين يقرأون الكتاب ويحذرون به غيرهم منذ عقود. إنهم يقرأون كما لو كان لغوا عابثا. صدهم عن الذكر المال أو اللذة أو السلطة أو النفوذ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.